سعد الهلالي في مواجهة قانون تنظيم الفتاوى

الجديد في الأمر أن الأزهر دخل في الجدل، فهو يسفه كل كلام للدكتور سعد الهلالي، كما تم حشر الصحافة التي دخلت على الخط في الهجوم على سعد الهلالي، حملة منظمة تقودها جريدة يومية شهيرة هي جريدة اليوم السابع، تقول عنه إنه يتلاعب بآيات الله، وأن فتاواه تحلل زنا المحارم وأنه يفتي بمزاجه، وأنه يحلل الخمور وشرب البيرة، وأنه يريد إرضاء كل الأذواق.

سعد الدين الهلالي من ضمن من يغردون خارج أسراب إماتة العقل
تعرفت على الدكتور سعد الدين الهلالي منذ سنوات، وسافرت معه بيروت في مؤتمر علمي، كان نعم العالم والشيخ، وقد احتفى به المؤتمرون من كل الدول بسبب آرائه المستنيرة، ورؤاه التقريبية بين أبناء المذاهب المختلفة، وأهديته كتاب "معالم المدرستين" للعلامة العراقي المشهور مرتضى العسكري، واحتفى الرجل به كثيراً، لأنه يقع في دائرة تخصصه في المقارنة بين المذاهب الإسلامية، كما استمعت لخطبة عدة مرات من فوق منبر جامع الإيمان بالمنصورة، حيث يخطب جمعة واحدة كل شهر، كل خطبة تدور حول اختلاف الفتاوى في قضية واحدة، مثل المواريث والطلاق وغيرها من القضايا التي تهم المسلم في حياته اليومية، ويترك للمسلم أن يختار الفتوى التي تتفق معه، لا يجبر أحداً على الأخذ منه، فكل آرائه تنبع من تخصصه في الفقه المقارن، والفقه المقارن إن لم يرتبط بتنوير المسلمين بآراء وفتاوى رجل المذاهب المختلفة، يفقد قيمته، فكثير من أستاذة الفقه المقارن لا يدركون سر قوتهم، وأن عليهم أن يخففوا عن الأمة خاصة في أوقات الفتن، ولكن نجدهم لا يقومون بدور تنويري كما يفعل سعد الهلالي، فقط يعيدون الشرح، ويلجأون للأموات من الفقهاء وأصحاب كتب الحديث، وقليل منهم يفكر خارج الصندوق كما يقولون، وهؤلاء القليل يتعرضون لهجوم مستمر من قبل رجال الأزهر أنفسهم، نذكر منهم الشيخ محمود أبو ريه صاحب كتابي "أضواء على السنة المحمدية"، و"شيخ المضيرة أبو هريرة"، وقد تعرض الشيخ أبو ريه لهجوم تكفيري صاعق، قاده رجل دين صار شيخاً وإماماً أكبر للأزهر هو الشيخ عبد الحليم محمود، ومن قبل أبو ريه تعرض الشيخ محمد أبو زهرة لمثل هذا الهجوم عندما أفتى بأن الطلاق لا يقع إلى في وجود شاهدين عدلين كما ينص القرآن، وهو ما حدث كما هو معلوم مع الشيخ علي عبد الرازق وطه حسين وقاسم أمين وغيرهم كثيرون، مع العلم أن فتاوى تكفير هؤلاء مازالت موجودة على مواقع السلفيين، لمن يريد التأكد من ذلك، والأزهر لا يدافع عنهم، فيظل تكفيره واجب، وقتل فرج فودة مُبرر.

على أية حال، يأتي سعد الدين الهلالي من ضمن من يغردون خارج أسراب إماتة العقل، وقتل الدعوة التجديدية للخطاب الديني، ولذلك يتعرض لهجوم صاعق يبدو أن هذا الهجوم مقدمة لتقديمه للمحاكمة بتهمة ازدراء الأديان، فقد اتفق عليه السلفيون الوهابيون وشيوخ الأزهر، ونحن لن نكتب عن فتاواه المثيرة للجدل، ولكن نكتب فقط قبل أن تقع الكارثة ويُقدم الرجل للمحاكمة، ويُترك ياسر برهامي والحويني ومصطفى العدوى وغيرهم، يهاجمون المسيحيين، ويزدرون الصوفية ويكفرون الشيعة، ثم يكفرون كل خلق الله دون أن تهتز لهم عين، أو يُحاكمون على فكرهم الدموي.

سعد الهلالي لا يأت بجديد،  ولكنه يضع كل آراء المذاهب أمام المتلقي، وهو نفسه يقول: "أنا لا أقدم فتاوى، ولكن أقدم معلومات فقهية، والمتلقي هو السيد، وأن سبب الغضب مني، أنني أحاول نقل السلطة من صاحب الخطاب الديني إلى الشعب مرة أخرى"، وهو قول صائب، فتقديم كل الآراء الفقهية تعطي مساحة من الحرية الفكرية للمتلقي، ليس ذلك فقط، بل تعرّف المسلم أن هناك تنوعاً فقهياً، فيحميه من تسلل الفكر الوهابي الداعشي إليه دون أن يدري، ونعطي مثلاً، عندما أشار الدكتور الهلالي لتحليل القليل من الخمر، فإنه عرض رأي الإمام الذين يسموه الإمام الأعظم أبا حنيفة النعمان، وفي نفس الوقت، قال الدكتور سعد: "هذا رأي أبي حنيفة، ولكنني لا آخذ به، فالخمر حرام والله قال فاجتنبوه، أي ابتعدوا عنه"، وكل ما يهدف إليه إذن هو إفهام المسلمين أن المدارس الفقهية متنوعة ويمكن الأخذ منها جميعاً.

الجديد في الأمر أن الأزهر دخل في الجدل، فهو يسفه كل كلام للدكتور سعد الهلالي، كما تم حشر الصحافة التي دخلت على الخط في الهجوم على سعد الهلالي، حملة منظمة تقودها جريدة يومية شهيرة هي جريدة اليوم السابع، تقول عنه إنه يتلاعب بآيات الله، وأن فتاواه تحلل زنا المحارم وأنه يفتي بمزاجه، وأنه يحلل الخمور وشرب البيرة، وأنه يريد إرضاء كل الأذواق، وغيرها من الاتهامات المرسلة التي تقود لتبرير المحاكمة دون تنوير العقول، أو ربما تقود لتكفيره، خاصة أنها أهاجت وشحنت روّاد التواصل الاجتماعي على تكفير الرجل، بعد أن عرضت آراء كثيرين من شيوخ الأزهر، الذين يطالبون بمحاكمته أو تكفيره، منهم عمداء لكليات أزهرية، ودخل السلفيون على الخط، وهذا هو الخطر، وفي نفس الوقت ربما ندرك السر في سن قانون تنظيم الفتاوى، سيكون ضد المفكرين والمستنيرين من رجال الأزهر، من أمثال سعد الهلالي، أي أنه يخدم الوهابيين الدواعش، ولا نتقدم خطوة للأمام، ثم نظل ندور في حلقات دينية فكرية أزهرية مفرغة، لا حصلنا على بلح الشام، الواقع تحت وطأة شيوخ الإرهاب، ولا عنب اليمن الذي كان في قديم الزمان سعيداً.