مهازل المقاطعات وطرد الشعوب العربية

هذه التصرّفات والإجراءات التعسفيّة الظالمة التي تفتقر إلى الحكمة والمنطق لا تحدث إلا في الوطن العربي، ولا يقبل بها سوى الحكّام العرب الذين علّمونا من خلال ممارساتهم أنه لا يمكن الثقة بهم، وإن صديقهم الودود اليوم قد يصبح عدوّهم اللدود غداً! دول العالم تختلف، وتقطع علاقاتها الدبلوماسية، وتنشب بينها حروب، لكنها لا تطرد الناس جماعياً بسبب خلافات حكّامها.

طُرِد القطريون من السعودية والبحرين والإمارات على الرغم من عضوية قطر في مجلس التعاون الخليجي
لم يكن الشاعر الجاهلي المُبدع عمرو بن كلثوم مخطئاً عندما قال فينا : ألا لا يجهلّن أحد علينا   /  فنجهل فوق جهل الجاهلينا. فبعد مرور ما يزيد عن 1400 عام على عصر عمرو الذي نسمّيه بعصر الجاهلية، يبدو إننا أكثر جهلاً وجاهليّة ممّا كنا عليه عندما كان عمرو حياً. 

في عصر عمرو كانت القبيلة تحمي أبناءها، ولا تقبل طرد أو نفي أيّ منهم من مضاربها إلا إذا كان المطرود قد أساء لقبيلته أو لقبيلة صديقة ما استدعى طرده، وكان غالباً ما يُطرد وحده إن كان عازباً، أو مع زوجته وأولاده، ولا يُطرد أقاربه، وكان شيوخ القبائل يحمون من يلجأ إليهم طلباً للحماية، وكان البدوي العادي شهماً وأبيّاً يرفض الضيم ويذود عن حِماه القبليّ، ولا يقبل إهانة إبن قبيلته، أو أبناء القبائل التي تربطها علاقات ودّ وجوار ونَسَب معها.

كان عمرو وبدو الجاهلية سيشعرون بالعار لو تصرّفوا كما نتصرّف نحن العرب الآن مع إخواننا المُقيمين معنا إذا ساءت العلاقات بين حكّامنا! في عام 1990 عندما اختلف القادة العرب على كيفيّة التعامل مع احتلال العراق للكويت، وفشلوا في الاتّفاق على قرار عربي موحّد لإنهائه، أرغم نصف مليون فلسطيني على ترك الكويت ومليون يمني على ترك السعودية، وتم نقل الفلسطينيين إلى الحدود المصرية لتهجيرهم من ليبيا عندما اختلف معمّر القذافي مع قادة منظمة التحرير الفلسطينية، وبعد سقوط نظام صدّام حسين طُرِد فلسطينيو العراق من منازلهم وهُجّروا قسراً إلى الحدود الأردنية، ومكثوا في الصحراء شهوراً حتى آوتهم الدول الأوروبية، وحديثاً طُرِد القطريون من السعودية والبحرين والإمارات العربية في يومين على الرغم من أن قطر عضو في مجلس التعاون الخليجي وتربط شعبها علاقات إجتماعية وقبلية متينة مع شعوب الدول الطارِدة.

دفع المهجّرون ثمناً باهظاً لمواقف وخلافات حكّام عرب لا ناقة للمهجّرين فيها ولا جمل. لقد خسروا وظائفهم ومصادر رزقهم، وشعروا بالمهانة والظلم. هذه التصرّفات والإجراءات التعسفيّة الظالمة التي تفتقر إلى الحكمة والمنطق لا تحدث إلا في الوطن العربي، ولا يقبل بها سوى الحكّام العرب الذين علّمونا من خلال ممارساتهم أنه لا يمكن الثقة بهم، وإن صديقهم الودود اليوم قد يصبح عدوّهم اللدود غداً! دول العالم تختلف، وتقطع علاقاتها الدبلوماسية، وتنشب بينها حروب، لكنها لا تطرد الناس جماعياً بسبب خلافات حكّامها.

 الحكّام العرب يتكلّمون عن الأخوّة العربية، والمصير المشترك، وقِيَم التسامُح العربية والإسلامية ويتصرّفون عكس ذلك تماماً. ما هو ذنب المواطن الفلسطيني أو اليمني أو السوري أو القطري ... ليُطرد من الدولة التي يعيش فيها قسراً وخلال أيام؟ ولماذا يدفع العربي ثمن خلافات قادة أذلّوه، ومزّقوا وطنه، وفشلوا في حمايته؟ وألن يكن المُقيم الذي طردوه يعمل، ويخدم دولهم الطارِدة، ويساهم في حياتها الاقتصادية؟

لقد فشل حكّامنا في كل شي، وضربوا بكل القِيَم الأخلاقية والإنسانية عرض الحائط، وانتهكوا القوانين الدينيّة والأخلاقيّة والدولية بتصرّفاتهم الثأريّة التي لا يقبلها العقل والمنطق، ناهيك عن الأخوّة العربية والإسلامية التي يزعمون التمسّك بها والدفاع عنها. إن طرد المُقيمين العشوائي الذي يُمارَس في الوطن العربي ومورِس حديثا ضدّ القطريين الذين هم جزء من مواطني دول مجلس التعاون الخليجي من السعودية والإمارات والبحرين لا يمكن أن يقبله نظام حُكم رشيد أو مجتمع مُتحضّر. إنه دليل واضح على تخلّفنا وفسادنا!.