الجرائم الإلكترونية في الجزائر

تختلف نوعيّة الجرائم الإلكترونية بين الجرائم التي هدفها الاعتداء والمساس بأمن وسلامة الأشخاص، أو تلك التي تهدف بالأساس إلى الإضرار بالأنظمة الحاسوبية والإلكترونية والَتجسّس على المعلومات الخاصة بالشركات والمؤسسات الإقتصادية أو التجارية أو المالية كالبنوك، وكذلك تلك الجرائم التي تتم من خلالها عمليات الابتزاز عن طريق الإنترنت التي من المفروض أن تكون وسيلة للتبادل الثقافي والمعرفي والحضاري بين الثقافات والشعوب المختلفة.

الاقتصاد الجزائري الذي أصبح مرتبطاً في جزء كبير منه بالتقنيات الإلكترونية الحديثة يُعتَبر هدفاً دائماً لهجمات القراصنة الإلكترونيين
تُعتَبر الجرائم الإلكترونية من أحدث أنواع الجرائم التي تُسبّب ضرراً كبيراً لاقتصاديات الدّول التي أصبحت مُترابطة سيبرانياً عن طريق الفضاء الإلكتروني الإفتراضي ووسائل الاتصال الحديثة ومنها بالطبع الجزائر، والتي لم تسْلم في السنوات الفارِطة من موجة الجرائم الإلكترونية والتي ارتفعت وتيرتها بشكل تصاعُدي لتبلغ العام الماضي 1055 جريمة إلكترونية تورَّط فيها أكثر من 946 شخصاً.


 تختلف نوعيّة الجرائم الإلكترونية بين الجرائم التي هدفها الاعتداء والمساس بأمن وسلامة الأشخاص، أو تلك التي تهدف بالأساس إلى الإضرار بالأنظمة الحاسوبية والإلكترونية والَتجسّس على المعلومات الخاصة بالشركات والمؤسسات الإقتصادية أو التجارية أو المالية كالبنوك، وكذلك تلك الجرائم التي تتم من خلالها عمليات الابتزاز عن طريق الإنترنت التي من المفروض أن تكون وسيلة للتبادل الثقافي والمعرفي والحضاري بين الثقافات والشعوب المختلفة. 


فالاقتصاد الجزائري الذي أصبح مرتبطاً  في جزء كبير منه بالتقنيات الإلكترونية الحديثة يُعتَبر هدفاً دائماً لهجمات القراصنة الإلكترونيين وعصابات الجريمة الإلكترونية المنظّمة التي تستهدف البنى الأساسية التي تعمل بهدف إضعاف الدَّولة ككل والتي يـعتبر الإقتصاد شريانها الحيوي.


 الترسانة القانونية التي جاء بها المشرّع الجزائري لمُعالجة هذا النوع من الجرائم ولمواكبة تطوّر نوع الجريمة  الإلكترونية والإشكالات القانونية والتشريعية التي أصبحت ترتبط ارتباطاً وثيقاً بتطوّرها النوعي تعتبر غير فعَّالة بالمُطلق، فالقانون الذي صادق عليه مجلس الأمّة والمجلس الشعبي الوطني في 5 آب/أغسطس لسنة 2009 والذي ضمَّ 16 مادة موزّعة على 6 فصول. 


وفي الفصل الثاني من هذا القانون مثلاً فإنه  يُسمَح للدَولة بموجبه أن تلجأ إلى المراقبة الأمنية لشبكة الإنترنت والاتصالات الإلكترونية ، وذلك وفقاً لنصوص وقواعد القانون الجنائي وهو ما يراه البعض مُثيراً للقلق، ويتضمَّن الحق في مراقبة الاتصالات الفردية للأشخاص ما قد يفتح المجال لانتهاك حقوق الإنسان الأساسية، ومراقبة الخصوصية الشخصية للأفراد من  دون عِلمهم المُسبَق ومن دون أن يرتبكوا أيَّ نوع من  أنواع الإجرام المادي أو المعنوي، ويرى الكثير من الخبراء القانونيين والحقوقيين ومنهم الأستاذ فاروق قسنطيني  رئيس اللجنة الوطنية لترقية وحماية حقوق الإنسان، بأنَّ مواد هذا القانون غير مُتكامِلة  ولا تُطبَّق على أرض الواقع كما ينبغي، لأن المُرتَكب لجُرم التلبُّس بارتكاب الجرائم الإلكترونية يُعاقَب بالحبس ولمدة قصيرة، لأنَّ الترسانة القانونية غير كافية في هذا الإطار، وهذا ما يُتيح لمختلف أنواع الإجرام الإلكتروني أن تتطوّر وتنمو بعيداً عن أعين العدالة الجزائرية.

فرغم عدم وجود إحصائيات دقيقة عن الخسائر الاقتصادية التي تتكبّدها البلاد سنوياً بسبب الأضرار المادية الكبيرة التي يسببها هذا النوع من الهجمات  الإلكترونية ، ولكن الأرقام والإحصائيات العالمية تقول بأنه في العام الماضي خسر الاقتصاد العالمي أكثر من 650  مليار دولار من جرّاء الهجمات الإلكترونية التي تستهدف الأنظمة المعلوماتية والحاسوبية لمختلف الدول بما فيها الجزائر طبعاً، ووفقاً لشركة أجرتها شركة غارتنز المُختصّة بالأمن المعلوماتي، فإنَّ دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أنفقت سنة 2016 أزيد من 11.5 مليار دولار على خدمات وتقنيات المعلومات، وخاصة الاستثمار في الخدمات الداخلية وخدمات أنظمة البيانات والتجهيزات الخاصة وخدمات الاتصالات.


 فالجزائر التي تُعتَبر من الدّول التي قامت باقتناء تجهيزات وأنظمة معلومات مُتقدّمة ومُعقّدة لحماية بُنيتها التحتية الإلكترونية من الجرائم الإلكترونية ، ولكن لا تزال الفِرَق المُختصّة في الأمن المعلوماتي في مختلف القطاعات الأمنية تحصى الآلاف من الجرائم الإلكترونية  قد تنجح في فكّ شفرات بعضها، وإحباطها قبل حدوثها  وتفشل في صدّ الكثير منها. الجزائر تُعتَبر من الدول التي تُسجّل نسبة الإنترنت فيها نمواً مستمراً سجّل برسم سنة 2010 أكثر من 4 ملايين مستخدم لها من بين 67 مليون مستخدم لها في إفريقيا ، وكلما زاد عدد المُستخدمين وتشعَّبت شبكة الإنترنت الوطنية كلما تطوّرت عصابات الجريمة الإلكترونية فيها وأصبحت أكثر خطورة وتأثيراً على الفضاء الافتراضي، وفي ظلّ الحديث المُتزايد عن اعتماد نَمَط الحكومة الإلكترونية في إدارة الدَّولة، وهذا ما يجعل كل البيانات الفردية للمواطنين وكذلك كل المعلومات المُتعلّقة بحياتهم ومعلوماتهم الخاصة في متناول هؤلاء المُجرمين والقراصنة الإلكترونيين. 


فحسب البروفيسور عبد اللطيف لديد والذي كان رئيس المُنتدى العالمي للنسخة السادسة من بروتوكول الإنترنت في سنة 2010، فإنَّ الجزائر لا تمتلك رقابة فعَّالة وصارِمة على الإنترنت، وهذا ما يضعنا أمام مُعضلة حقيقية مستقبلاً، إن لم تتحرّك أجهزة الدَّولة ومؤسّساتها المُختصّة من أجل وضع مُخطّط استراتيجي قومي للحدّ من تنامي نِسَب الجريمة الإلكترونية  وتفعيل البرامج المُختصّة بمُراقبة الإنترنت بما يحفظ حقوق الأفراد وممتلكاتهم المادية والمعنوية ، لأنَّ المستقبل لمَن يمتلك المعلومة ويحافظ عليها ويحميها ضدَّ مختلف أنواع التَّجسس والقرصنة والجريمة الإلكترونية، فهل ستقوم السُّلطات العُليا في الجزائر بما يلزم يا ترى؟ للحدّ من  انتشار الجرائم الالكترونية وتطويقها بالتالي؟ لأنها إن لم تقُم بذلك في القريب العاجل فإنَّ الوضع سيصبح أسوأ في ظلّ التقدّم المهول والمستمر في عالم التكنولوجيا الافتراضية وتنوّع أساليب الجريمة الإلكترونية وتطوّرها وبشكل شبه يومي.