علاقة الجبهة الشعبية بالرئيس محمود عباس إلى أين؟
بعد تكرار الاعتداء اللفظي على مُمثّلي الجبهة الشعبية في اجتماعات اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير والقيادة الفلسطينية، ومن قبلها قطع مُخصّصاتها من الصندوق القومي بقرار من الرئيس عباس عدّة مرات. فما هو مُبرّر حضور مُمثّل الجبهة للاجتماع مادام ممنوعاً من الحديث؟
هل ستدفع وحدة منظمة التحرير ثمن هذه الممارسات؟؟،
وماذا لو أجبِرت الجبهة على مغادرة المنظّمة وتحالفت مع حماس والجهاد والتيار الإصلاحي
وبقيّة الفصائل التي تشعر بنفس الاضطهاد من قِبَل قيادة المنظمة؟؟؟ وماذا بعد عدم
مشاركة الجبهة في اجتماع القيادة الذي عُقِد في 25تموز/ يوليو الماضي؟؟؟؟
لقد تكرّر الاعتداء اللفظي على مُمثّلي الجبهة الشعبية من
قِبَل الرئيس محمود عباس، فكانت البداية مع الرفيق الكبير عضو اللجنة التنفيذية عبد
الرحيم ملوح، ولكن سرعان ما تم تجاوز الموضوع بعد تدخّل عضو اللجنة المركزية لحركة
فتح عزّام الأحمد حيث تم عقد اجتماع مابين الرئيس عباس وقيادة الجبهة. إلا أن
الأمر تكرّر مع الرفيقة الأسيرة خالدة جرار، ومن ثم مع مُمثّل الجبهة عضو المكتب
السياسي عمر شحادة. مع العِلم أن الاحتلال يلعب على وتر تغذية وشحن الخلافات ويزيد
من حدّتها من خلال إقدامه مباشرة على اعتقال خالدة بعد خلافها مع الرئيس، فإسرائيل
تقصد بكل خطوة تقوم بها وتستهدف السلطة والرئيس والجبهة على حدٍ سواء. وهنا يبرز
سؤال ماذا لو أقدمت إسرائيل على اعتقال المُمثّل الجديد عمر شحادة؟ مع العِلم أنه أسير
مُحرّر قد اعتُقل في السجون الإسرائيلية عدّة مرات، وهذا غير مُستبعَد فالاحتلال
حقير ويفعل ما هو مُحبِط ومُفسِد للوحدة الوطنية .
في العودة للعلاقة ما بين السلطة والجبهة الشعبية على
الرغم من الانتقاد الحاد من قِبَل الجبهة للسلطة والخلاف السياسي مابين الطرفين لم
تصل العلاقة بينهما إلى حد القطيعة، فالطرفان مُتفهّمان لبعضهما البعض. حيث كانت
العلاقة بين الطرفين أيام الرئيس الشهيد ياسر عرفات علاقة متينة، وكان هناك تعاون
في أدقّ الأمور وأكثرها حساسية، وهنا أذكر مثالاً حيّاً على مستوى التعاون
والمصداقية والثقة مابين الرئيس الشهيد عرفات والقائد القومي الشهيد أبو على مصطفى،
فعندما كان هناك ضغط شديد على أبو عمار من قِبَل الغرب والعرب والبعض الفلسطيني، عُقِد
لقاء مابين الشهيدين وبعد اللقاء عاد أبو علي وكتب للمكتب السياسي بكل فروعه
لاتخافوا الموقف صلب أكثر مما تتصوّرون، فعند الرئيس قناعة تامّة بأن استشهاده أسهل
من حمْل القلم. فرسالة الشهيد أبو علي للرفاق تُعبِّر عن مدى روابط العلاقة
والتفاهُم والثقة مابين الطرفين، وتُجسِّد مفهوم الشراكة السياسية.
وعلى نفس المنوال لم يُسجَّل في تاريخ الشهيد الرئيس
عرفات أنه رفع صوته على القائد الكبير الراحل الحكيم أو الشهيد أبو علي مصطفى،
فالرئيس عرفات في إحد المواقف الطريفة أراد أن يوجّه رسالة للجبهة الشعبية لعدَم
استجابتها لأحد مطالبه، فقام بتوجيه الرسالة للجبهة من خلال مُمثّلها الذي كان ينتظر
ويريد التحدّث مع أبو عمار في موضوع خاص بعد انتهاء اجتماع القيادة، فقام الرئيس
وبدأ يُصلّي وممثل الجبهة أمدّ الله في عمره ينتظر فأطال الرئيس في صلاته حتى ظنّ
مُمثّل الجبهة بأنها صلاة التراويح، فغادر وكتب لقيادة الجبهة بأنه لم يره ولم يستطع
الحديث بالموضوع بسبب إطالته للصلاة. ولكن في الاجتماع الذي تلاه أحسّ الرئيس
الراحل بأن مُمثّل الجبهة خلال الاجتماع غير راض ٍ، وبحنكته وحَدْسه كان يعرف بأن
الرفيق المُمثّل لن ينتظر مرة ثانية، وبعد انتهاء الاجتماع مباشرة طلب الرئيس
عرفات من مُمثّل الجبهة الانتظار، تحدّثا مطولًا وسمع موقف الجبهة وتم حل الخلاف
في نفس الجلسة، فالرئيس كان حريصاً على عدم قطْع العلاقة مع الجبهة وغيرها وحتى مع
الأفراد.
فالجبهة الشعبية تجد تاريخياً في حركة فتح بأنها الأقرب
لها وطنياً حتى لو اختلفت معها سياسياً. فلا يمكن للجبهة الشعبية أن تطعن حركة فتح
في الظهر، فمن أيام الراحل الحكيم والشهيد أبو علي مصطفى والقائد الأمين العام الأسير
أحمد سعدات وفي أحلك الظروف وأصعبها كانت الشعبية تقف مع فتح ولا تريد خسارتها. فالحادثة
الشهيرة للحكيم مع أبو عمار مازالت ماثلة وغيرها من المواقف. والقائد الأمين العام
سعدات الذي أضرب هو والرفاق مع أسرى فتح رغم مرضه، رفض أن يطعن في وحدة حركة فتح
في السجون، حيث رفض مطلب إدارة السجون للتفاوض معه، وقال لهم أن هناك قائداً للإضراب
تفاوضوا معه وهو القائد مروان البرغوثي.
لكن في حال وصلت الجبهة الشعبية لقناعة تامّة بأن وجودها
وعدم وجودها واحد، وأن مُمثّلها ليس مسموح له الحديث في اجتماع القيادة واستمرّ
الرئيس عباس بهذه السياسة معها، ستتّخذ قيادة الجبهة قراراً بمقاطعة اجتماع
القيادة وصولاً إلى جفاء العلاقة بينهم، وتدحرج الأمور والقرارات وصولاً إلى التحالف
مع حركة حماس والتيّار الإصلاحي، وهذا سيُشجّع حركة الجهاد الإسلامي للانضمام لهذا
التحالف. فوجود الجبهة الشعبية مع هذا التحالف سيسهّل الكثير على حركة الجهاد وعلى
حركة حماس وعلى الشخصيات الوطنية في الشتات التي أشرفت على مؤتمر اسطنبول
الذي عُقِد في شباط/فبراير الماضي.
ويُذكَر أن الجبهة الشعبية رفضت المشاركة في الحكومة العاشرة
( 27 آذار/مارس 2006 – 17 آذار/مارس 2007) التي شكّلتها حركة حماس لعدم وجود نصّ صريح
وواضح بأن منظمة التحرير الفلسطينية هي المُمثّل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. وتجدر
الإشارة إلا أن الجبهة الشعبية بقيت ثابتة على موقفها الرافض من المشاركة في أي من
الحكومتين في رام الله وغزّة، كون هذه المشاركة ستُعزّز الانقسام.
وفي كانون أول/ديسمبر عام 2010 قامت حماس بعرْض مساعدة مالية
على الجبهة الشعبية بعد قيام الرئيس عباس بقطع مُخصّصاتها المالية من منظمة التحرير،
إلا أن الجبهة اعتذرت عن قبول الدعم المالي في الوقت الذي كانت تعاني فيه من أزمة مالية
خانقة.
فالجبهة رفضت المساعدة وصبرت على أزمتها المالية، وهنا أستطيع
القول من خلال تجربتي سابقاً مع مركز صنع القرار والسياسات العامة في الجبهة ، بأنها
لا يمكنها أن تستوعب الإهانة وبمقدورها أن تتأقلم مع ضائقتها المالية بكونها لاتعرف
البذخ ولا الترف. فراتب سكرتيرة في المنظمات غير الحكومية يُعادل ضعف راتب الأمين
العام، ورواتب أعضاء المكتب السياسي ومصاريف مكتب الأمين العام ألف دولار، فهم
يعيشون في تقشّف، ورواتب كل مُتفرّغي الجبهة لاتُعادل راتب عضو لجنة مركزية أو
مدير في المنظمات غير الحكومية، ومصاريف مكاتب الجبهة لاتُعادل مصاريف ونثريات مكتب
عضو لجنة مركزية. فالجبهة ليست فتح وليست حماس، فلا يوجد عندها جيش جرّار من الموظّفين
تخاف عليهم وعلى حُكمها. والجيل القديم مازال دمه يضخّ في الجبهة، فجيل وديع حداد
في دمشق مازال يحمل كل أبجديات العمل المُغامِر، وشحنات سعدات الوطنية والتنظيمة
تسكن كل عقل في الجبهة حالياً، فالجبهة بكل قيادتها عندما أقدمت على وضع حد لحياة الوزير
الإسرائيلي رحبعام زئيفي كانت تُدرك بأنها ستدفع الثمن غالياً.
وعليه، أنصح القيادة الفلسطينية بألا تخسر الجبهة الشعبية
وفي حال خسرتها فهي الخاسِرة في الدرجة الأولى وفي الدرجة الثانية منظمة التحرير، فكل
الشرعيات الفلسطينية مُنتهية الصلاحية إضافة إلى أن هناك تنازعاً شديداً وحادّاً على
الصلاحيات ومنها صلاحيات المنظمة، فقد عُقِد مؤتمر فلسطيني دولي في اسطنبول، ومن
المرشّح أن تُعقَد مؤتمرات جديدة، وحركة حماس والتيار الإصلاحي وغيرهما سوف يتنافسون
على كل كرسي من كراسي هذه المؤسسات وحتى على طربيزة.
فكل العلاقات الوطنية مُتشنّجة ومُتوتّرة ووصلت إلى طريق
مسدود، فالعلاقة مابين حماس وفتح في غرفة العناية المُركّزة، والعلاقة مابين فتح
والجبهة على الحمّالة ويمكن أن تدخل إلى نفس الغرفة إذا لم تتم معالجتها سريعاً،
ويمكن أن تلتحق الجبهة الديمقراطية قريباً فما حصل مع مُمثّلها في اللجنة
التنفيذية الرفيق تيسير خالد من سحْب صلاحيات وإلحاق دائرة المُغتربين بوزارة
الخارجية سيزيد حدّة الخلافات الوطنية. الجبهة الشعبية بحاجة إلى فتح والعكس صحيح،
والوطن لايحتمل انقسامات جديدة، فالانقسام المستمرّ منذ أكثر من عقْد قتل القضية
الفلسطينية، وتبقّت المنظمة ففي حال استمرّت الخلافات وحصل انشقاق داخلها الكل
خسران وخسارة الرئيس كبيرة جداً. وهنا أذكر أن الجبهة لها تاريخ حافِل في
التحالفات السياسية، لذلك يجب أن تُبادر بقيّة الفصائل الفلسطينية إلى حلّ الأزمة
وتصحيح مسار العلاقات وإدامة وحدة المنظمة وانضمام باقي الفصائل الإسلامية إليها بدلاً
من زيادة حدّة الخلافات وإيجاد أجسام تمثيلية جديدة مُنافِسة لبعضها البعض.
بناء على ما سبق، مطلوب من الجميع الوقوف بكل مسؤولية ووطنية
لحلّ هذه المشكلة ووضع حد لتكرار تعكّر صفو العلاقات من أجل المصلحة العُليا للشعب.
فالرئيس محمود عباس بكونه رئيس الشعب الفلسطيني مطلوب منه أن يُبادر لإصلاح العلاقة
مع الجبهة، فهذا ليس انتقاصاً من قدْره وقيمته بل سيزيده احتراماً. فمن خلال
تجربتي السياسية ستتخطّى الجبهة هذه المشكلة وستتحسّن العلاقات بكون الجبهة
لايمكنها التضحية بمنظمة التحرير، وتحكُم قيادتها المصلحة الوطنية وليست المصلحة
الشخصية، وحركة فتح غير معنية بزيادة حدّة الخلافات داخل جسم المنظمة، فشرعيّة فتح
من شرعيّة المنظمّة والعكس صحيح ووحدة المنظمّة هي وحدة حركة فتح.