شعب يتألم.. ولا يُهزَم

نصر رائع بطعم الدم حقّقه الفلسطينيون في انتفاضتهم المباركة الأخيرة، انتفاضة الأقصى وفرْض الإرادة. نصرٌ أعاد للقضية زخمها الذي افتقدناه.

انتفاضة الأقصى وفرْض الإرادة، نصرٌ أعاد للقضية زخمها الذي افتقدناه
مع عودة المقدسيين لبيوتهم لدفن شهدائهم ومداواة جراحهم، طالعتنا نشرات الأخبار في بعض قنواتنا العربية التي لم تكن في حجم الحدث لتنسب النصر لقادة دولها.

من المحيط إلى الخليج قادة لم تعد تُذكَر كلمة فلسطين على ألسنتهم، أرجعوا لأنفسهم فضل النصر وإزالة البوابات وفتح أبواب الأقصى من جديد.

أمور كثيرة لاحظنا تغيّرها مع بدء هذه الانتفاضة: تغطية إعلامية ضعيفة من أغلب قنواتنا العربية. ألسنة البعض طالت بحيث تجاوزت الحدود في الآونة الأخيرة وفي أهم المحطات وإن كان أصحاب هذه الألسنة من المغمورين والحمقى ممن يبحثون عن الشهرة بإثارة أكبر قدر من الضجة.

اتّهام مقاومة شعبنا بالإرهاب والعشوائية، وشبابنا بالانتحار هو أمر جديد يُمثّل طعنة في ظهرنا ويجعلنا نعيد مراجعة خط سيرنا ووضع ثورتنا التي دفع ومازال يدفع أبناؤها الغالي والنفيس لاستمرارها وتحقيق أهدافها في استعادة الأرض وعودة اللاجئين وحماية مُقدّسات الأمّة.

نعم كانت هناك أخطاء وربما كانت أخطاء فادِحة، ولكن هذه الأخطاء هي ما تميّزنا كبشر عن الملائكة. لن ندّعي المثالية ولن نكذب على أنفسنا. نعم أخطأنا.

وبالتأكيد فإن أوسلو هي أكبر أخطائنا، وكل ما يحدث الآن هو نتيجة حتميّة لها.

أوسلو جاءت بعد عجز الصهاينة عن كبح جماح ثورتنا وإنهاء انتفاضة الحجارة. جاءت لتحقّق ما عجز المدفع عن تحقيقه. جاءت لإنهاء ثورة وكفاح شعب أثخن العدو جراحاً وآلاماً.

خُدِعنا حين ظننا أن عدواً عُرِف عبر التاريخ بغدره وخبثه ونقضه لكل عهد قد يَصْدُقُ الآن ويلتزم بعهده.

قبل أوسلو في كل يوم شهيد وبعدها أيضاً.

قبل أوسلو في كل يوم مستوطنة جديدة وبعدها أيضاً.

قبل أوسلو تهويد للأقصى وبعدها أيضاً.

قبل أوسلو طَرْدٌ للفلسطينيين من بيوتهم وتجريف لأراضيهم وبعدها أيضاً.

قبل أوسلو كان الفلسطينيون باختلاف تنظيماتهم وتوجّهاتهم يداً واحدة ولم يعودوا كذلك بعدها.

أوسلو صنعت شرطياً يُسلّط سيفه على رقاب أخوته وأهله ويحمي حدود عدوّه، يطارد المقاوم، ويحمي المستوطن.

أوسلو صنعت الانقسام المرير الذي يعاني منه أبناء شعبنا حالياً.

ورغم أن أوسلو كانت تجربة مُكرّرة من صفحات التاريخ إلا أننا سقطنا فيها كالسُذّج. تجربة طبّقتها بريطانيا في إيرلندا واسكوتلندا حرفياً، وهي حين تعجز الجيوش افتح باب المفاوضات واجعل هزيمة عدوّك في نظره نصر.

عدوّنا يخوض حرباً قذرة ومفتوحة ضدّنا.

حرب قذرِة لأنها لا تُميّز بين صغير أو كبير، رجل أو امرأة، مقاتل أو مدني.

فأبناء شعبنا يُقتَلون بدم ٍ بارد ٍ في كل يوم على الحواجز وفي الطرقات وداخل منازلهم أيضاً من دون أسباب في أغلب الأحيان إلا انتمائهم لوطنهم.

قذرة لأنها لا تعرف قواعد أو قوانين أو حقوق إنسان فلا جنيف ولا لاهاي سجن إداري وأطفال لم تبلغ سن الرشد في السجون حتى اللحظة.

وحرب مفتوحة لأنها لا تعترف بحدود دولية. فالفلسطيني والمقاوِم مُستهدَف في مشارق الأرض ومغاربها، مدنياً كان أو عسكرياً. وهل ننسى اغتيال "العالِم الزواري" في تونس والقائد القسّامي الكبير "محمود المبحوح" في دبي.

هل ننسى اغتيال عُلماء مصر أو العراق.

هل ننسى اغتيال قادة المقاومة في سوريا ولبنان وأوروبا أيضاً.

نعم مراجعتنا لخط سيرنا تستوجب تغييراً جذرياً في أسلوب المقاومة.

شعبنا يُعاني ولكنه يُكابِر.

يتألّم ولا يُهزَم.

يستقبل الرصاص بصدر مكشوف ولا يسقط.

وواجب تنظيماتنا نَبْذ خلافاتها والتخفيف عن شعبنا.

العودة لأسلوب الثمانينات ومجابهة عدوّنا بأسلوبه.

فدم ملحق عسكري صهيوني في الأرجنتين ليس أغلى من دم طالبة فلسطينية استشهدت أمام أحد الحواجز وهي في طريقها إلى كليّتها.

دم سفير صهيوني في باريس ليس أغلى من دم أب فلسطيني استشهد وهو يسعى وراء رزق أطفاله.

العين بالعين والسّن بالسّن وقطرة دم فلسطينية بألف قطرة دم صهيونية.

شبابنا العربي المسلم والمُتحمّس متواجد في كل أنحاء الكرة الأرضية وكذلك بعثات الكيان الصهيوني السياسية والعسكرية. وما أقوله ليس دعوة للقتل بقدر ما هو دعوة للمقاومة والثأر.

دعوة لإيلامهم بقدر ألمنا.

وربما كانت هذه هي الطريقة الوحيدة لوقف شلال الدم الفلسطيني الذي يسيل في كل يوم، لوقف مُعاناة شعبنا في تنقّلاته بالضفة. لفكّ الحصار عن قطاع غزّة ولإعادة الأمور إلى نصابها من جديد.

ثورتنا ومقاومتنا هي طريق اخترناه يسير على هديه الصغير قبل الكبير.