نتنياهو وبوتين وسياسة المصالح

إسرئيل دعمت داعش والدول والمُنظمّات المُشاركة في الحرب ضدّ سوريا لقناعتها بأن تدمير سوريا العروبة وإضعاف جيشها سيكون مكسباً استراتيجياً لها. لكن الانتصارات الأخيرة التي حقّقها الجيش السوري على داعش والمنظمّات الأخرى المدعومة أميركياً وإسرائيلياً خيّبت أمل إسرائيل، وزادت قلقها من تعاظُم نفوذ إيران وحزب الله في سوريا ولبنان والمنطقة العربية . ولهذا فإن الزيارة التي قام بها نتنياهو إلى موسكو يوم الأربعاء 23. 8. 2017 لعدّة ساعات واجتمع خلالها مع الرئيس الروسي بوتين لبحث الوضع في سوريا دليل واضح على قلق إسرائيل المُتزايد من هذه التطوّرات .

حدث تقارُب روسي إسرائيلي خلال الأعوام الماضية وعقد بوتين ونتنياهو تسعة لقاءات خلال العامين الماضيين
إسرائيل تعتقد أن إيران عزّزت وجودها في سوريا من خلال التقدّم الذي حقّقه الجيش السوري والقوى المُتحالِفة معه، وإنها تخشى أن هذا التقدّم  سيشكّل خطراً عليها لأنّه سيساعد إيران في إنشاء جسر يوصلها إلى البحر الأبيض المتوسّط، ويمكّنها من نقل قواتها براً وجواً وبحراً إلى سوريا، ويضع الحرس الثوري الإيراني وحزب الله والميليشيات الشيعية الأخرع على الحدود الإسرائيلية والسورية واللبنانية. ولهذا فإن نتنياهو قال خلال زيارته إلى موسكو أن إسرائيل " لن تقف مكتوفة الأيدي"  لأن   "هذه التطوّرات خطيرة على إسرائيل وتمثّل تهديداً لها وللشرق الأوسط والعالم".

لقد حدث تقارُب روسي إسرائيلي خلال الأعوام الماضية، وعقد بوتين ونتنياهو تسعة لقاءات خلال العامين الماضيين، وإن هناك تنسيقاً بين إسرائيل وروسيا لمنع أية اشتباكات بين الطائرات الحربية للبلدين في الأجواء السورية . لكن هذا لا يعني أن الطرفين سيتّفقان سياسياً واستراتيجياً لأن المصالح والأهداف الروسيّة والإسرائيليّة في سوريا والعالم العربي  وإيران ودول المنطقة الأخرى مختلفة إلى حدٍ كبير .

موسكو أدركت خطورة تهديد داعش، وإن الرئيس بوتين وحكومته كانوا مقتنعين عندما قرّروا التدخّل في سوريا بأن سقوط االنظام السوري سيسهّل تقدّم داعش نحو آسيا الوسطى ومنطقتي القوقاز والفولغا ويشكّل تهديداً لأمن بلادهم .لقد تم إنهاء هذا الخطر بعد ان استعادت الدولة السورية نحو أربعة أضعاف ما كانت تسيطر عليه عام 2015،  وحسمت الموقف بهزيمة داعش وأخواتها بفضل تماسُك الجيش السوري والتدخّل المباشر للقوات الجويّة الروسية  ومساعدة إيران وحزب الله.

نتنياهو يبذل جهده لمواجهة النفوذ الإيراني المُتزايد في بعض دول الخليج، والعراق، وسوريا، ولبنان ويعتقد أن تزايد هذا النفوذ قد يؤدّي إلى وجود الحرس الثوري الإيراني على الحدود السورية واللبنانية مع إسرائيل. ولهذا فإنّه يحاول استخدام علاقاته مع موسكو للضّغط عليها لتساعده في طرْد إيران من سوريا ولبنان ومنعها من ترسيخ وجودها فيهما لأن هذا الوجود الإيراني  يعيق نوايا إسرائيل التوسّعية في العالم العربي، وقد يهدّد وجودها في المدى البعيد .

لكن روسيا تربطها علاقات سياسية واقتصادية وعسكرية هامة مع إيران وتعتبرها حليفاً استراتيجياً مهماً لها. فهي التي ساعدتها في بناء مفاعلاتها النووية، وزوّدتها بأسلحة وتقنية حديثة ، ورفعت حجم التبادل التجاري معها . لقد ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين بعد رفْع الحصار عام 2016 أكثر من  70 %  ومن المتوقّع أإن يقفز من ملياري دولار في عام 2015 إلى أكثر من 10 مليارات دولار سنوياً خلال العامين القادمين.  
 

نتنياهو يصف بوتين بأنه صديقه الشخصي، ويحاول التأثير على إاّجاه السياسة الروسية في المنطقة. لكن جهوده لن تنجح لأن العلاقات  السورية الإيرانية الروسية استراتيجية وتخدم مصالح الأطراف الثلاثة الاقتصادية والسياسية، وتساعدها في التصدي للنفوذ الأميركي الأوروبي المُتزايد في المنطقة .السياسة تتغيّر وفقاً لمصالح الدول، وروسيا كدولة عُظمى تعمل من أجل مصالحها، ويجتمع  رئيسها بوتين مع الإسرائيليين وينسّق معهم ما دامت هذه الخطوات تخدم مصالح بلده .ولهذا فإنّه من المُستبعَد أن يتمكّن نتنياهو من إقناع بوتين بتغيير سياسة روسيا الحالية في التعامُل مع سوريا وإيران وفقاً لرغبات إسرائيل .