عن الانتخابات الإيرانية
نحن نعتبر اليوم أنَّ الانتخابات الرئاسية في إيران مدعاةُ فخرٍ واعتزاز أمام العالم، ولا سيما أمام الاستكبار الذي لا يروق له أن يكون الشعب الإيراني والحكومة والنظام يداً واحدة وصوتاً واحداً.
اليوم، نشهدُ موسماً جديداً من الانتخابات الرئاسية الإيرانية، وفصلاً جديداً من الانتصار الشعبي وعلوّ الصوت وحرية الرأي والتعبير.
تشكّل الانتخابات الرئاسية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية كلّ عام نقطةً جديدةً تسجّلُ للثورة الإسلامية وانتصاراتها التي نشهدُ بأنها في حركةٍ تصاعديةٍ منذ أربعةِ عقودٍ وأكثر.
اليوم، تعدُّ الانتخاباتُ الرئاسية في إيران من أهمّ ما حقَّقته الخطوة الأولى للثورة، والتي أسّست بذلك للخطوة الثانية، فكانت بذلك من أهمّ مظاهر الدولة الحرّة الأبيّة ذات السيادة والاستقلال والاكتفاء على كل الأصعدة.
الأمر يعود إلى مفهوم الديمقراطية الدينيَّة في فكر الإمام الخميني (قدس سره الشريف). وبعيداً عن ادعاءات الديمقراطيين الغرب وشعارات الليبرالية المبطّنة بالإمبريالية العالمية والهيمنة على العالم وعولمة الاقتصاد والثقافة والسياسة والاجتماع، أسّس الإمام الراحل للحكومة الإسلامية التي تقوم على مبدأ العدل، والتي تتبعُ الشعبَ، وتتشكّلُ بناءً على رأيه وصوته.
ولطالما أكّدَ الإمام أنّ الحكومات يجب أن تكونَ للشعب، وأنّ الحكم للشعب، وواجب الحكومة خدمة الشعب، وليس العكس. ومحورية هذا الأصل السياسي في فكر الإمام الخميني هي العدل الإلهي والحكومة الإلهية التي تكتسبُ قدرتها وسلطتها من إرادة الشعب، وتكتسب مشروعيتها وحقّانيتها من إرادة الله.
حتى أوائل القرن العشرين، لم يكن هناك نموذجٌ كامل عن الديمقراطية الشعبية، وعن تدخّل الشعب المباشر في اختيار مصير البلاد، رغم أنه مبدأٌ تمّ ابتكاره من قبل الفيلسوف اليوناني أفلاطون في مدينته الفاضلة. ولم يتحوّل هذا الأمر إلى أصلٍ بنيويٍّ في العالم الإسلامي إلا مع انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية.
واليوم، إنّ الانتخابات الرئاسية في إيران، كما سائر إنجازات الثورة المحقّقة، تعدُّ من ثمار نظرية الحكومة الإسلامية في فكر الإمام الخميني الراحل، الذي يعدّ بذلك من أهمّ المفكرين المعاصرين في القرن العشرين.
وللإمام تصريحاتٌ حول تشكيل الحكومة على مبنى الديمقراطية الدينية وحكم الشعب، يشدّدُ فيها على النقاط التالية:
- تقوم الحكومة الإسلامية على العدل.
- الحكومات، ومنها الحكومة الإسلامية، يجب أن تكون تابعةً للشعب.
- الحكومات هي ملكٌ للشعب، وليس الشعبُ ملكاً للحكومات.
- الحكومة الإسلاميّة في خدمة الشعب.
- هذه الأصول ترتبط ببعضها البعض عبر محورية الله، فالعدل لا يتحقَّق إلا في الحكومة الإلهية.
لطالما قام المسلمونَ وانتفضوا في وجه الظّلم والاستبداد منذ صدر الإسلام وحتى القرون المتلاحقة، على عكس الحكومات الكنسية في أوروبا، والتي كانت تلزم الشعوب بالإطاعة فقط، من دون الحق في الاعتراض أو تقرير المصير، غير أنّ المسلمين لم يسبق لهم أن سجّلوا مواقفهم بشكلٍ رسميٍّ على طريقة الاستفتاء أو التصويت على خيارهم. لذا، إن الإمام الراحل هو الرائد في هذا المجال، حيث صار للمسلمين صوتٌ يسجّلُ لهم آراءهم إزاء تقرير مصير بلادهم بشكلٍ مباشر.
هذه الروحيَّة الحاضنة لإرادة الشعوب هي أسمى وجوه الديمقراطية والحرية الحقيقيّة والتحرّر من الاستعباد والاستبداد، إذ إنَّ الشعب يشاركُ القائد في الحكم، وليس مشاوراً له فقط، فما أشبه الإمام روح الله الخمينيّ بالحكيم الذي يحكم المدينة الأفلاطونية الفاضلة!
لقد رأى أفلاطون أنّ الحاكم يجب أن يكونَ رجلاً حكيماً وملتزماً وعادلاً، يحقّق العدل والمُثُل الإلهية، فما أقرب الإمام إلى تصوّر الفلاسفة لنموذج المدينة والحكومة والجمهورية بكل طبقاتها الحاكمة! وما أشبه حكومة الإمام الخميني بالحكومة المثالية التي قال عنها أمير المؤمنين (ع): "على الحكومة أن تكون برضا الناس وموافقتهم"! والحاكم، في نظر الإمام علي (ع)، حكمه حكم أيّ فردٍ من الشعب، إذ يخضع للقانون والشريعة، ويحاسب إن أخطأ.
لهذا كلّه، نحن نعتبر اليوم أنَّ الانتخابات الرئاسية في إيران مدعاةُ فخرٍ واعتزاز أمام العالم، ولا سيما أمام الاستكبار الذي لا يروق له أن يكون الشعب الإيراني والحكومة والنظام يداً واحدة وصوتاً واحداً، هو صوت الشعب وإرادته.
هذه الانتخابات هي الإنجاز التاريخي، وهي مجد الأمة الإسلامية، وهي الحلم الذي تحقَّق أخيراً على يد خير مؤسسٍ، واستمرّ على يدِ خير قائد. وليس أمام العاقل إلا أن يلاحظَ في النهاية بأنّ كلَّ ما كان للهِ ينمو.. ويستمرّ.