هل يستخدم الحشد الشعبي فائض قوَّته في وجه الدولة؟

واجه الحشد الشعبي سيلاً من الاتهامات بالتدخّل في عمل الدولة. في الحقيقة، هذه الاتهامات ليست سوى قنابل دخانية للتعمية على الحقيقة.

  • مؤخّراً، اعتقلت قوَّة خاصَّة قائداً بارزاً في الحشد الشعبيّ، هو قائد قاطع محافظة الأنبار قاسم مصلح.
    مؤخّراً، اعتقلت قوَّة خاصَّة قائداً بارزاً في الحشد الشعبيّ، هو قائد قاطع محافظة الأنبار قاسم مصلح.

الحشد الشعبي العراقي مؤسّسة تابعة رسمياً للقوات العراقية المسلحة، وفق قانون أُقرَّ في مجلس النواب في العام 2016، من أبرز ما ينصّ عليه أنه تابع لقيادة القائد العام للقوات المسلحة رئيس مجلس الوزراء، لكنَّ الحشد قوات تشكَّلت شعبياً إثر فتوى مرجعية النجف إبان احتلال تنظيم "داعش" محافظات عراقية في العام 2014، وبالتالي فهو قوة عسكرية لها قانون وجمهور واضح. وقد انبثقت منه كتلة سياسية وازنة في البرلمان، تتمثل بتحالف "الفتح". إذاً، الحشد ليس بعيداً من لعبة السياسة، لكنه، بوصفه مؤسسة عسكرية، لا يتدخل بها بصورة مباشرة.

واجه الحشد الشعبي سيلاً من الاتهامات بالتدخّل في عمل الدولة، وبات يُشبَّه بـ"الدولة العميقة" التي تقرّر مجرى الأحداث في العراق. في الحقيقة، هذه الاتهامات ليست سوى قنابل دخانية للتعمية على الحقيقة.

اعترضت بعض فصائل الحشد الشعبي على تعيين مصطفى الكاظمي رئيساً لمجلس الوزراء خلفاً لعادل عبد المهدي، الذي استقال على خلفية تظاهرات عمَّت البلاد، كانت للولايات المتحدة الكلمة العليا في تحريكها ودعمها، وكانت كتائب "حزب الله" العراق أبرز الجهات المعترضة على ذلك. والحجّة أن ثمة شبهات تحوم حول الكاظمي، وترتبط بتورطه بتقديم معلومات أو تسهيلات للجانب الأميركي في اغتيال نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس وقائد "فيلق القدس" قاسم سليماني.

رفض بعض أطراف الحشد تسمية الكاظمي رئيساً حتى تتضح حقيقة دوره في الجريمة، لكن الضغوط كانت أكبر، والبلاد كانت تمر بمرحلة عصية. وما زاد الضغط لتشكيل حكومة بصلاحيات كاملة، كان جائحة كورونا في الدرجة الأولى. وفي الدرجة الثانية، طلب الإدارة الأميركية إجراء حوار استراتيجي مع بغداد لتحديد أفق العلاقة ومستقبلها، وهو ما دفع إلى المضي بالكاظمي كمرحلة انتقالية، على أن تتعهد حكومته بانتخابات مبكرة نزيهة، كان من المفترض أن تجري مطلع العالم 2021، ولكن ذلك لم يحدث، بعد أن تأجَّلت هذه الانتخابات إلى شهر تشرين الأول/أكتوبر من العام الجاري.

لا تبدو العلاقة بين الكاظمي والحشد سياسياً متزنة، لأن الحشد الشعبي الذي يرى في إيران ومحور المقاومة حليفاً استراتيجياً في المنطقة، ويعتبر القضية الفلسطينية القضية الأولى والمركزية، يرى في الوقت عينه أن الكاظمي يميل إلى تطبيق أجندات الولايات المتحدة والسعودية والإمارات. وللرجل علاقة بولي العهد السعودي، منذ أن كان رئيساً لجهاز المخابرات.

وعندما كانت بغداد تشهد هجمات صاروخية تستهدف السفارة الأميركية بصورة متكرّرة، وجه الكاظمي قوة خاصة لاعتقال مجموعة من عناصر كتائب "حزب الله" في منطقة البوعيثة في الدورة، كانت تتواجد في مقر رسمي تابع للحشد يرفع العلم العراقي، تحت مُسمى "رئاسة الوزراء - هيئة الحشد الشعبي"، ما يعني أنّ المقرّ رسميّ.

جاء الاعتقال على خلفية اتهام العناصر بقصف السفارة الأميركية. جرى ذلك في أواخر العام 2020. وقد مثّلت الحادثة استفزازاً كبيراً لقوة الحشد، واستدعت من القوات المسلحة النزول إلى وسط بغداد، وإغلاق المنطقة الرئاسية (الخضراء)، وتطويق مكتب رئيس الوزراء شخصياً، وإجباره على تسليم المعتقلين لـ"أمن الحشد"، وهو ما جرى فعلاً بعد ذلك.

كان الكاظمي يحتاج إلى موقف يظهره أمام العالم الغربي، وأمام الرئيس السابق للولايات المتحدة دونالد ترامب، شخصاً يمكن التعويل عليه كشريك قوي في العراق، وخصوصاً أنّ حادثة الدّورة كانت قبيل سفره إلى واشنطن، ولكنه فشل في ذلك.

مؤخّراً، اعتقلت قوَّة خاصَّة قائداً بارزاً في الحشد الشعبيّ، هو قائد قاطع محافظة الأنبار قاسم مصلح. هذه الحادثة الثانية تضع العراق أمام خطر حرب داخلية حقيقية. وفي حقيقة ما جرى، أنَّ الرجل يواجه اتهامات بـ"اغتيال ناشطين وقضايا فاسد ماليّ". وتمَّ اعتقاله وفقاً للمادة 4 من قانون مكافحة الإرهاب، التي عادةً ما يُعتقل وفقها المتورّطون مع تنظيم "داعش".

هذه الحادثة استدعت أيضاً من الفصائل النزول إلى الشارع، وإغلاق المنطقة الخضراء مجدداً، والمطالبة بتسليم المتّهم لـ"أمن الحشد"، وفقاً للإجراءات المتّبعة. إذاً، في هاتين الحادثتين المهمّتين اللتين جعلتا الحشد الشعبي يملأ بغداد بسلاحه، هل استخدم فائض القوة لابتزاز الدولة والقانون أو هناك شيء آخر؟

ربما يبدأ الجواب من مطالب فصائل الحشد. هل تندرج ضمن الابتزاز؟ الجواب: لا، لأنَّ محاولات الكاظمي اعتقال العناصر في منطقة البوعيثة أو اعتقال قاسم مصلح تتضمن تجاوزاً واضحاً للقانون العراقي، إذ يقضي القانون النافذ بأنَّ الجهة التي تتولى الاعتقال والتحقيق، ثم إرسال الأوراق إلى القضاء، في أي تهمة تُوجَّه إلى قائد عسكري عراقي تابع لهيئة الحشد الشعبي، هي "أمن الحشد".

هذا الأمر ينطبق على أي قائد عسكري في الجيش أو الشرطة أو أي جهاز أمنيّ، فلماذا يتجاوز رئيس الوزراء القانون بهذه الطريقة؟ ربما لمبررات يراها ضرورية، من وجهة نظره، لكنَّها تتعارض مع القانون، وخصوصاً أنَّ أمن الحشد الشعبي أغلق سابقاً عشرات المقرّات في بغداد، واعتقل قيادات في الحشد الشعبي بتهم فساد وتجاوزات، أبرزها حامد الجزائري وأوس الخفاجي، وغيرهم الكثير.

إذاً، يستخدم الحشد القوَّة لإرغام الكاظمي على السّير وفق الأطر القانونية، ولا يوجد طرف في العراق فوق القانون. إذاً، هو ببساطة استخدام للسلاح لإجباره على اتباع القانون الخاص بالدولة، ولا يهدف إلى الابتزاز أو سحق القانون.