بايدن يتخبّط والخصوم يُسجّلون النقاط

بايدن الذي ترأس الولايات المتحدة الأميركية باعتباره الرجل القادر على وقف تراجعها، نراه يتعثّر سياسيّاً في مكانٍ، ويخونه وضعه الصحيّ في مكانٍ آخر.

  • فشِل بايدن في إخفاء وضعه الصحي، الأمر الذي يؤثر في عمله على رأس دولة عظمى
    فشِل بايدن في إخفاء وضعه الصحي، الأمر الذي يؤثر في عمله على رأس دولة عظمى

يُحسب لأطراف المحور المناهض للسياسات الأميركيّة أنّهم لم يؤخذوا بالتصريحات الأخيرة للبيت الأبيض، وظلّوا يسيرون وفق خططهم المألوفة نفسها. الآن، وبعد أكثر من شهرين على تولي جو بايدن الحكم، كيف أصبح وضع المحور الأميركي؟ وكيف أصبح محور الخصم؟ 

المحور الأميركيّ

• الولايات المتحدة الأميركيّة

بايدن الذي ترأس الولايات المتحدة الأميركية باعتباره الرجل القادر على وقف تراجعها، نراه يتعثّر سياسيّاً في مكانٍ، ويخونه وضعه الصحيّ في مكانٍ آخر. تعثّر في السياسة، ولم يستطع تحقيق أيّة نقطةٍ قيمة، الأمر الذي أفقده أعصابه، فلجأ إلى التهديد وإطلاق المفردات المبتذلة تجاه الرئيس الروسي، كما أنّه فشِل في إخفاء وضعه الصحي، الأمر الذي يؤثر في عمله على رأس دولة عظمى ينبغي لرئيسها أن يكون بكامل حضوره الذهنيّ. وقد سقط أكثر من مرّةٍ خلال صعوده سلّم الطائرة، ليترك بذلك سؤالاً جوهريّاً: هل سيكون وضعه الصحيّ سبباً لتولّي نائبه كامالا هاريس القيادة، والتي كان فوزها في الرئاسة سيُلامس المحال، في ما إذا واجهت مُنافساً عنصرياً يتمتّع بشعبيّة كبيرة مثل دونالد ترامب؟

• الدول الأوروبيّة 

أنعش وصول بايدن إلى السلطة الدول الأوروبية التي تقدّمت قليلاً لتكون رأس حربةٍ أميركيّةٍ، ولكنّه تقدّمٌ ضعيفٌ ومُرتبك. ويأتي انقسام الدول بين مُندفعٍ، مثل بريطانيا وفرنسا، ومُتريثٍ، مثل ألمانيا، ليزيد موقفها ضعفاً وإرباكاً.

• "إسرائيل" 

ما زالت "إسرائيل" تواجه المآزق نفسها، بفعل عدم قدرتها على جرّ الأميركيّ إلى مواجهةٍ عسكريةٍ مع محور المقاومة، وقناعتها المُتزايدة بفشل "صفقة القرن"، وتلاشي رهاناتها على نتائج التطبيع، وهو ما يدفعها إلى محاولة العبث بالمنطقة، وذلك باعتداءاتها على السفن الإيرانيّة على وجه الخصوص، لتوجه رسالة إلى الأميركيّ والإيرانيّ بأنّها تستطيع عرقلة أيّ اتفاقٍ ليست جزءاً منه. إنه وهمٌّ إسرائيليّ بطبيعة الحال، ولعلّ المأزق الأكبر هو القناعة الراسخة بأنّ زمن الانفراد بطرفٍ من أطراف محور المقاومة والاعتداء عليه أصبح من التاريخ. 

• السعودية 

رغم أنّ الإدارة الأميركيّة الحاليّة حافظت على مستوى الدعم نفسه للمملكة، فإنَّ المأزق السعودي العميق يتمثل في أنّ ضربات الجيش واللجان الشعبيّة اليمنيّة أصبحت أشدّ وأكثر كثافة، وهو ما يستنزف الاقتصاد السعودي ويكشف العجز الأميركي عن حماية المملكة التي بدأت تستجدي وقف إطلاق النار وتمدّ يدها إلى المحور الآخر، بغية تعويض عجز الأميركيين وتقصيرهم.

المحور المقابل

• روسيا

لم تتراجع روسيا بعد فوز بايدن عن مواقفها التي اعتمدتها منذ عدة سنوات، ولا سيّما تلك المُتعلقة بشبكة مصالحها حول العالم، وبحقها في حماية نفسها وحماية تلك المصالح، بل تقدّمت عدّة خطواتٍ، ومدّت الجسور باتجاه الحلفاء الاستراتيجيين للولايات المتحدة، وخصوصاً دول الخليج، ولم تتردّد في الردّ المُناسب على أيّ تطاولٍ أميركي أو غربي عليها، بدليل الردّين الأخيرين، من خلال عرض قدراتها العسكريّة، وخصوصاً الغواصات النوويّة الثلاث التي ظهرت تحت الجليد في حدثٍ غير مسبوق، وأيضاً بتنسيقها مع الصين للاستغناء عن الدولار في التعاملات التجاريّة بينهما، وغير ذلك من الخطوات.

• الصين

يبدو أنَّ الأسلوب الذي تتّبعه الصين في أغلب المجالات ناجح، وهو أسلوب العمل بِصمتٍ، وترك النتائج تتحدّث، بدليل اتفاقيّة التعاون الاستراتيجي الشامل الموقّعة مع إيران مؤخراً، والتي قد تُدعّم بانضمام دولٍ أخرى تتبنّى التوجّهات نفسها.

وهنا، تجدر الإشارة إلى أنّ أكثر من نصف الاتفاقيات الأخيرة الموقعة بين البلدين كانت ضمن سلّة تفاهمات إيرانيّة أوروبيّة خسرها الأوروبيون، نتيجة العقوبات الأميركية على إيران وسير الأوروبيين خلف السياسات الأميركية.

• إيران

لم تُفلح إيجابيّة التصريحات الأميركية في تشويش الرؤية الإيرانية. لذلك، تعاملت إيران مع كلّ ما قُدّم لها باعتباره مُجرد كلام، وأنّ العبرة بالتنفيذ، وهو ما سرّع انكشاف النيات الأميركية التي ترجمتها التهديدات بالمزيد من العقوبات، إضافةً إلى قصف الطيران الأميركي فصائل مدعومة إيرانيّاً في كلٍّ من العراق وسوريا. ومن الواضح أن القرار الإيراني محسومٌ بعدم الثقة بالأميركي. لذلك، يسير الإيرانيون في طريقهم إلى الشراكة الاستراتيجية مع الصين، ومع روسيا لاحقاً.

• كوريا الشمالية

تاريخياً، تعاملت كوريا مع الولايات المتحدة بطريقة خطوةٍ مقابل خطوة. وفي مراحل التصعيد القصوى، كانت تردّ بتصعيدٍ أشدّ. ولتأكيد سيرها في النهج نفسه، قامت بالردّ على التهديدات الأميركيّة بإطلاق صاروخين بالستيين في بحر اليابان، في أوّل اختبارٍ من نوعه منذ مجيء بايدن.

يبدو أنَّ تحذيرات كِبار منظري السياسة الخارجية الأميركية، أمثال زبيغنيو بريجنسكي في كتابه "رؤية استراتيجية: أميركا وأزمة السلطة العالمية"، الذي حذّر من تراجع القوة الأميركية والتغيّر القريب في مراكز الثقل العالمي لمصلحة محور الصين، لم تلقَ ما يكفي من اهتمام صنّاع القرار الأميركي. 

وقد أتت آخر التحذيرات على شكل نصيحةٍ من مهندس السياسات الأميركية هنري كيسنجر لإدارة بايدن، بأن تمنع التحالف الصيني الروسي بأيّة طريقةٍ، لأنّ نهاية الزعامة الأميركية ستكون نتيجةً لهذا التحالف. نعم، هذه هي نصيحة الثعلب الأميركي العجوز. أمّا نصيحة الواقع، فتقول: لقد تأخّرت يا كيسنجر!