الحوار الفلسطيني.. بين الآمال والواقع

العديد من المستفيدين  من الوضع الفلسطيني الراهن والمستثمرين من حيثياته، فتحوا أبواب الترويج للأسباب التي استدعت هذا التوقف عن تنفيذ التفاهمات.

  • يبدو أن هناك مراوحة في المكان، إن لم يصح تسميتها حتى الآن خطوة إلى الوراء
    يبدو أن هناك مراوحة في المكان، إن لم يصح تسميتها حتى الآن خطوة إلى الوراء

التباطؤ الحاصل في التعامل مع التفاهمات الأخيرة بين حركتي فتح وحماس ومع باقي الفصائل الفلسطينية يؤشر إلى العديد من الاستنتاجات السلبية. يُلقي هذا التباطؤ بأثقاله على أبناء الشعب الفلسطيني الذين تفاعلوا بدرجة عالية من التفاؤل وانحازوا إلى التقديرات التي تبرر الاعتقاد بجدية التوجه، أملاً بالخروج من الحالة الراهنة، على ضوء ما أحدثه الانقسام الأسود من انهيارات  في الوضع الفلسطيني وثغرات أفضت إلى الكثير من المتغيرات التي استهدفت القضية الوطنية وأضافت المزيد من التحديات والمخاطر على ساحة الصراع والمواجهة مع المشروع الإستعماري الصهيوني الغربي في فلسطين والمنطقة العربية.

يبدو أن هناك مراوحة في المكان، إن لم يصح تسميتها حتى الآن خطوة إلى الوراء في التعامل مع التفاهمات الأخيرة، وفي الاستعداد للتحضير لإطلاقها وتنفيذها على النحو اللازم والضروري.

وحتى لا ندخل في دهاليز التكهنات والمعلومات الجزئية المبعثرة عبر العديد من الجهات ولأغراض مقصودة مسبقاً، فإن حساسية ودقة الموقف الراهن تقتضي المكاشفة الصريحة والشفافة أمام الشعب الفلسطيني بأكمله والإعلان عن الحقائق التي تقف خلف هذا التأخير غير المبرر في ترجمة وتنفيذ التفاهمات.

ولا يجوز في جميع الأحوال الاستمرار في التعاطي مع الإرادة الشعبية الفلسطينية على هذا النحو الذي يعمّق الهوّة ويراكم أعباء انعدام الثقة بالنظام السياسي الفلسطيني بكل مكوناته الفصائلية وغيرها. علاوةً على ذلك، سيحمل هذا الوضع العديد من التعقيدات في مواجهة التحديات المتلاحقة التي تتواصل حلقاتها على كافة الأصعدة للنيل من الحالة المادية والمعنوية للشعب الفلسطيني والمس بقضيته الوطنية العادلة والمشروعة.

الشعب الفلسطيني ليس لديه الاستعداد للقبول بالوضع الراهن ودفع مزيد من الأثمان أمام أجندات ومراهنات وحسابات الفصائل السياسية، وإصرارها على تهميش المصلحة الوطنية العليا، وتغليب مصالحها وسياساتها الحزبية التي أضعفت القضية الوطنية ومكانتها وأعطت الفرص  للمتآمرين للتمادي في مساعيهم وتغيير معادلة الصراع وحرف البوصلة عن مسارها الصحيح.

العديد من المستفيدين  من الوضع الفلسطيني الراهن والمستثمرين من حيثياته، فتحوا أبواب الترويج للأسباب التي استدعت هذا التوقف عن تنفيذ التفاهمات وكشفوا جميع المعطيات الهادفة إلى  ضرب الإرادة الشعبية والعزم، أزاء محاولات الخروج من النفق المظلم وإزالة العراقيل التي تقف في طريق تعزيز القواسم المشتركة وتهيئة الظروف لبدء الخطوات العملية على الأرض  أزاء التحديات التي تواجه الوضع الفلسطيني.

والأكثر من ذلك، رُصدت محاولات لاستدعاء التدخلات الخارجية وممارسة الضغوط بهدف الإستمرار في إدارة الوضع في ظل جوٍّ من الإنقسام والتباين. كل ذلك يجري للحيلولة دون الشروع في المعالجات الجذرية الحاسمة التي ستساهم في بناء النظام السياسي الفلسطيني، لاسيما عملية إجراء الانتخابات السياسية الشاملة للمؤسسات الفلسطينية، والتي تُعتبر على رأس الأولويات بصفتها الرافعة الحقيقية للعمل السياسي والنضالي الجماهيري المدعوم بنتائج الإنتخابات الديمقراطية للشعب الفلسطيني.

وعلى الأرض، تسابق إدارة ترامب الوقت قبل موعد الإنتخابات الرئاسية لتسجيل عضو إضافي في بازار الحكومات العربية المنخرطة في سوق "التطبيع والأسرلة". وفي هذا المضار، فرضت الإدارة الأميركية على الحكومة الانتقالية السودانية الرضوخ والقبول بمبدأ المقايضة، أي الموافقة على التطبيع مع الكيان الإسرائيلي ودفع ملايين التعويضات مقابل رفع العقوبات الأميركية وما يُسمّى بلائحة الإرهاب عن هذا البلد الذي تتسلط عليه الضغوط الإماراتية وعدد آخر من الدول، والتسليم مقابل الوعود المعهودة بتحسين الوضع الإقتصادي وضخ الاستثمارات وتعزيز القروض من البنك الدولي الذي سيواصل تطويق وخنق الخيارات المستقبلية للشعب السوداني.

وكذلك فإن "إسرائيل" تحاول بكل إمكانياتها أن تنتهز فرصة التطورات المستجدة للهروب من أزماتها الداخلية من جهة وفرض وقائع استيطانية توسعية من جهة ثانية وتحصيل كامل ثمار الدعم الأميركي السافر وغير المسبوق لبناء معادلة تحالفية جديدة في المنطقة بزعامة صهيونية.

وفي الوقت نفسه تتصاعد سياسة البناء في المستوطنات الإسرائيلية وأعمال العرب للمستوطنين وتوسع حكومة نتنياهو في الضغط على الشعب الفلسطيني وتحاول "إسرائيل" بكل الوسائل تحويل ما تحرزه من نتائج في  بازار التطبيع والإتفاقات مع حكومتي الإمارات والبحرين على وجه الخصوص، إلى فرص لإجبار الفلسطينين على القبول بالأمر الواقع بهدف إضعاف الإرادة الشعبية المناهضة للاحتلال ولحكومات التطبيع والاستسلام.

ولقد أبرزت التطورات المتلاحقة في يوميات الملحمة الإنسانية التاريخية التي يخوضها الأسير الفلسطيني ماهر الأخرس، والذي  تجاوز إضرابه المفتوح عن الطعام الثلاثة أشهر، مدى التخبط الذي يعكسه الصمود الفلسطيني على السياسة الإسرائيلية بالرغم من الدعم الهائل الذي تحصل عليه من إدارة ترامب وحلفائها ولقد كان واضحاً أن مصير هذا الإضراب وصمود الأخرس ورفضه القاطع لكل المساومات التى تنتقص من حريته الكاملة، ومايمكن أن يترتب من تداعيات خلال الأيام المقبلة على كافة المستويات قد أحدث إرباكاً في تقديرات المؤسسة المقررة في الكيان الغاصب ووضعها أمام خيارات متباينة في إدارة هذه المواجهة وتداعياتها.

في المقابل، فإن التنامي التصاعدي للمشاركة في المعركة مع الأخرس على كل المستويات الفلسطينية وتطور حالة التضامن الخارجي والاهتمام الدولي والروسي على وجه الخصوص، يعيد مجدداً التدليل على حجم الآثار السلبية فيما لو بقي الوضع الفلسطيني السياسي والوطني والجماهيري على حالته الراهنة.

وهنا، تبرز الضرورة الملحة في تعجيل الخطوات لتنفيذ التفاهمات الأخيرة بين الفصائل وتفويت الفرصة على المراهنين والمتآمرين على قضية الشعب الفلسطيني، والبناء فقط على وحدة الشعب وقوته وصموده وكفاحه العادل لتحديد مستقبل المنطقة ومصير الأوهام الزائفة التي تروّج لها إدارة ترامب وحلفائها.