رسائل ترامب الوداعيَّة اليائسة وردّ إيران الاستراتيجيّ
محور المقاومة معنيّ بإيصال الرسائل إلى الرأس الأكبر، فيما الخصوم مقتدرون إعلامياً، وفي خدمة دعاية "إسرائيل" وترويج الأكاذيب.
خلال الأيام القليلة الماضية، تعرّضت إيران لأعمال أمنية غامضة. وحتى الآن، تشير التوقعات في الأروقة التحليلية في طهران إلى مسؤولية الصهاينة عنها، بدعم أميركي، وتسهيل من دول عربية، إما بالطائرات المسيّرة، وإما بالحملات السيبرانيّة، إذ يستعيض أعداء إيران عن المواجهة العسكرية المباشرة بحرب استخباراتية، من دون تبنٍ رسمي، لكن شخصيات أميركية وصهيونية تتحدّث على الأقل عن حادثة "نطنز"، وتقول إن من نفَّذها مجموعة إيرانية، عرّفتها باسم "نمور الوطن"! فرضية تضحك منها الثكلى، ولن تنطلي على دهاقنة الأمن والسياسة الإيرانيين، الّذين تهكّموا بالقول إن الفهود السود الأميركيين هم الذين فجّروا البارجة الأميركية في كاليفورنيا!
يبدو أن الحرب السيبرانية تتصدّر شكل المواجهة بين المحورين. ومن ملاحظتي الشخصية، يتميّز الإيرانيون بطاقاتهم التي تصل إلى حد الهوس عند بعضهم ببرامج الهاكر وألعاب السيطرة على العدوّ إلكترونياً، حتى بين شرائح المراهقين غير المرتبطين بالأجهزة العسكرية والأمنية. وقد أثبت الإيرانيون إبداعاً منقطع النظير في ذلك، رغم الحصار الخانق. وليس التحكم بالطائرات الأميركية المتطورة المسيرة، وتفكيك شيفراتها، وتصنيعها محلياً، ببعيد منا، وصولاً إلى اختراق الهاتف السري الخاص بوزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس مؤخراً، كما نشرت الصحافة الإسرائيلية.
محور المقاومة الذي بات كالجسد الواحد، لم يهدأ منذ استشهاد قائد أركانه الجنرال قاسم سليماني، واللبيب من الإشارة يفهم، وذلك في الضربات الموجعة ضد المحتلين في العراق، بدءاً من عين الأسد، وليس انتهاء باستهداف رتل عسكري أميركي في منطقة مكيشيفة، انتقالاً إلى أفغانستان وإسقاط الطائرات، إلى دعم الجيش اليمني واللجان الشعبية، إلى صواريخ المقاومة الفلسطينية التي لامست شواطئ قبرص في التجربة البحرية الأخيرة، إلى اتفاق الدفاع الجوي مع دمشق، وتزويدها بمنظومة "خرداد 3" الإيرانية، التي أثبتت فاعليتها الردعية بعد أن أسقطت طائرة الاستطلاع الأميركية المتطورة "أر كيو جلوبال هوك"، وصولاً إلى الاتفاق الاستثنائي بين طهران وبكين، وخلاصته علاقة عسكرية أوثق بين القوتين، وتبادل معلومات استخبارية، ومضاعفة للاستثمارات الصينية في المصارف والاتصالات والمواصلات الإيرانية لمدة 25 عاماً.
وبالتالي، من يعتقد أنّ هناك سكوناً في الحرب المفتوحة على مختلف الصعد بين المحور المقاوم والمعسكر الأميركي الصهيوني، واهم، ولم يفهم طبيعة الصراع بعد، الذي يُضاف إلى أشكاله حرب الأشباح الحالية، من دون بصمات، ورسائل اليأس والوداع الترامبية والإسرائيلية، ومحور المقاومة معنيّ بإيصال الرسائل إلى الرأس الأكبر، فيما الخصوم مقتدرون إعلامياً، وفي خدمة دعاية "إسرائيل" وترويج الأكاذيب.
وقد حذّر المتحدّث باسم القوات المسلّحة الإيرانية، العميد أبو الفضل شكارجي، الصّهاينة من الاستمرار في أكاذيبهم بشأن استهداف مواقع إيرانية في سوريا طيلة 9 سنوات، مذكّراً بليلة الصواريخ (50 صاروخاً وقذيفة) على الجولان، والتي جاءت بعد استهداف الصهاينة قاعدة "T-4" في سوريا، وغيرها من عمليات المقاومين، مضيفاً أن العدو لا يستطيع نفي هذه الحقائق.
قائد قوة القدس، العميد قاآني، خليفة سليماني، كان أقرب إلى الوضوح عندما اعتبر أن احتراق السفينة الحربية الأميركية قبل أيام، جاء نتيجة الجرائم التي ارتكبها الأميركيون، وأنّ أياماً عصيبة جداً تنتظر أميركا والكيان الصهيوني. وقد ورد كلامه خلال اجتماع هو الثاني بعد استشهاد سليماني مع قادة المقاومة.
الصّهاينة وصلتهم الرسالة، وقال المتحدّث باسم جيش الكيان، أفيخاي أدرعي، في مقابلة له مع قناة إسرائيلية ناطقة بالعربية: "إنّ ما حدث للبارجة الأميركية في سان دييغو (في كاليفورنيا) غير مسبوق، والاحتمال القوي أن الانفجار والحريق ناجمان عن عمل تخريبي تم تنفيذه على يد مجموعة متطرفة من السود في الجيش الأميركي، تعمل لصالح إيران". والحديث يدور حول تحريك واحدة من خلايا طهران النائمة كجزء من هجوم انتقامي وواضح، كما كان مرشد الجمهورية الإسلامية السيد الخامنئي يقول في خطاباته بأن زمن "اضرب واهرب" قد ولى، وأن "تايتانيك" الأميركية في طريقها إلى الغرق في منطقتنا.