الكاظمي يرمي عود ثقاب في برميل بارود

وصل الكاظمي إلى السلطة لفترة انتقالية وكانت مهمّة حكومته إجراء انتخابات مبكرة واتخاذ أقصى التدابير لمواجهة فيروس كوفيد-19 لكن بدا أنَّ لرئيس الوزراء طموحاً سياسياً.

  • لم يخرج الكاظمي عن مسار سابقيه إذ خضع في تشكيل الكابينة الوزارية لمطالب الكتل السياسية وشروطها
    لم يخرج الكاظمي عن مسار سابقيه إذ خضع في تشكيل الكابينة الوزارية لمطالب الكتل السياسية وشروطها

كان مصطفى الكاظمي مديراً للمخابرات العراقية قبل تسلّمه منصب رئيس وزراء العراق بعد استقالة حكومة عادل عبدالمهدي، وعمل قبل ذلك صحافياً في شبكة الإعلام العراقي. ولا يمكن عزل الرجل عن المنظومة السياسية المعارضة التي جاءت من الخارج بعد الاحتلال في العام 2003.

شبهات عديدة حامت حول الكاظمي، منها ما جاء في بيان كتائب حزب الله حول تورّطه مع الجانب الأميركي في تنفيذ عملية مطار بغداد مطلع العام 2020، التي اغتيل فيها قائد قوة القدس الشهيد قاسم سليماني، ومعه نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، وآخرون.

جاء هذا الاتهام بالتّزامن مع ترشيحه لمنصب رئيس الحكومة، ولكنه رُفض من الشارع والقوى السياسية، وباتت صورته في الشارع تشي بأنه ورقة أميركا الرابحة في العراق. وبعد أحداث سياسية صاخبة وأداء سياسي متقلّب لأكبر الكتل في البرلمان، وعلى رأسها تحالف الفتح، عاد اسم الكاظمي مجدداً، ونال الثقة ليكون رئيساً للوزراء.

بدا الكاظمي منفتحاً على جميع الأطراف، وأبرزها الحشد الشعبي، وتحديداً كتائب حزب الله، التي وجَّهت الاتهامات إليه. وقد طلب الاجتماع بها، ولكن ذلك لم يثمر عن تغير في موقفها منه.

وفي الميدان السياسي، لم يخرج الكاظمي عن مسار سابقيه، إذ خضع في تشكيل الكابينة الوزارية لمطالب الكتل السياسية وشروطها.

تنصَّل الكاظمي إلى حد ما من التزام الحكومة السابقة بإخراج قوات التحالف الدولي والقوات الأميركية من العراق، وإن كان في ذلك تصويت بالإجماع من البرلمان العراقي. وقد جوبِه توجّه الحكومة العراقية إلى الحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، الذي يفترض أن يحدد مسار العلاقة والتواجد الأميركي في البلاد، بأكثر من علامة استفهام، أبرزها أن بعض أعضاء الوفد من مزدوجي الجنسية، وجنسيّتهم الأخرى هي الأميركية، ما دفع البعض إلى تسميته بالحوار الأميركي الأميركي، أو اعتبار أنه ليس حواراً، بل إملاء شروط على الجانب العراقي.

وصل الكاظمي إلى السلطة لفترة انتقالية، وكانت مهمّة حكومته إجراء انتخابات مبكرة، واتخاذ أقصى التدابير لمواجهة فيروس كوفيد-19، الذي يفتك بالعراق الآن أكثر من الدول المجاورة، لكن بدا أنَّ لرئيس الوزراء طموحاً سياسياً، بعد تشكّل تحالف لدعمه في البرلمان من قبل نواب كثر تحت مسمى "عراقيون". وهنا، ثمَّة مؤشر على محاولة للسيطرة على الحكم والبقاء في السلطة.

سبق إعلان هذا التحالف السياسي بأيام معدودات، حدث خطير على السلم الأهلي، تمثل في تنفيذ قوة من جهاز مكافحة الإرهاب مع المخابرات العراقية عملية دهم لمقر تابع للحشد الشعبي في منطقة "البوعيثة" في الدورة، جنوب بغداد، بتهمة التجهيز لاستهداف مؤسسات الدولة والبعثات الدبلوماسية بصواريخ. وقد حصل ذلك بأمر من رئيس الوزراء مع وجود مذكّرة قضائية.

هنا، عاشت بغداد ليلة من أصعب الليالي. كان شبح الاقتتال على الأبواب، فالكاظمي دفع جهازاً أمنياً قوياً مثل القوات الخاصة "جهاز مكافحة الإرهاب" إلى الاحتكاك مع قوة خاصة تابعة للدولة أيضاً هي "الحشد الشعبي"، بينما يفترض السياق الرسمي، إن كان ثمة مخالفة لدى الحشد، أن يتولى أمنه المسؤولية في حلها بتوجيه من رئيس الوزراء.

وقد أُفرج عن كلّ من اعتقلتهم تلك القوات بأمر من القاضي، لعدم وجود أدلّة، وأعلنوا ما هو أخطر في العمليّة، بقولهم إن قوات أميركية كانت متواجدة لحظة الاعتقال. ولم تردّ الحكومة عليهم بالنفي أو التأكيد.

ومهما عمل مقربون من الكاظمي على إعطاء الموضوع صيغة طبيعية وقانونية، فقد كانت حججهم ضعيفة، فالرواية القائلة إن القوات الأميركية كانت تنوي قصف الموقع، لكن الكاظمي استبق الحدث، وبادر إلى خطوة الاعتقال لحمايتهم من الاستهداف، رُدَّ عليها بأنَّ على الحكومة توفير الحماية لجميع القوات، وليس التماهي إلى هذه الدرجة مع الجانب الأميركي. كما أن الرواية القائلة إن الحشد، وتحديداً من تم اعتقالهم، كانوا يخطّطون لاستهداف البعثات الدبلوماسية بصواريخ، رُدّ عليها بأنها كاذبة، والدليل هو الإفراج عنهم، لعدم وجود أدلة. 

ويبقى الجواب على سبب هذه العملية محبوساً بين أفكار رئيس الوزراء العراقي.