طاقات الأمل لصناعة سوريا ديموقراطيّة اجتماعيّة

المجتمعات التي تطوّر داخلها قدرة أكبر على قبول التناقضات والتمايزات وتوجيهها مدنياً بدلاً من الخوف منها، تهيئ آليات قوية للتفاهم واستنباط حلول مقبولة.

  • طاقات الأمل لصناعة سوريا ديموقراطيّة اجتماعيّة
    تمثل الديموقراطية الاجتماعية مخرجاً داخلياً من أتون نيران الحرب

لا بدّ التوقّف ولو برهة، والتفكير بتعقل بما جناه التمترس للقتل والفتك، دفاعاً عن "الحق" الذي ينظر إليه من وجهة واحدة، على أمّ الجميع سوريا من دمار وهلاك وجوع، والنظر إلى أن في السياسة شيئاً آخر غير الحديد والنار. 

لقد كانت سوريا على مدى التاريخ ملجأً للفارين من نيران الحروب في الشرق والغرب، ما جعلها خليطاً من السلالات البشرية، فهل يعقل أن واحداً من مكوناتها بإمكانه، أو يحق له، محو تنوّعها بقرار وفعل عنيف. لذا، فإن الديموقراطية الاجتماعية تمثل مخرجاً داخلياً من أتون نيران الحرب.

العدالة الاجتماعية

تشكّل العدالة الاجتماعيّة المؤسّسة على صيانة الحريات مخرجاً معقولاً من المأزق. يقول جان جاك روسو إن "العدالة الاجتماعية شرط الحرية وشرط انسجام الإرادة الخاصة مع الإرادة العامة".

لذا، فالديموقراطية السياسية تبقى ناقصة من دون ديموقراطية اجتماعية، إذ إنّ الأولى تهتمّ بمصدر السيادة والسلطة وحقوق المواطن السياسية ومساهمته في الانتخابات وتشكيل الأحزاب وإبداء الرأي ونشره. أما الثانية فتهتم بتحسين أوضاع المواطن المادية، عن طريق مبدأ العدالة الاجتماعية في توزيع خيرات البلد على كل المواطنين، لأن للمواطن حقاً شرعياً في نصيب عادل منها، والمساواة بين الأفراد في المجتمعات المنظّمة تستند بشكل أساسي إلى هذه العدالة الاجتماعية.

هي معادلة من طرفين يجب فيها خلق التوازن بين أولوية لقمة العيش وأهمية المشاركة السياسية للوصول إلى العدالة المصونة بالحرية، ولا بد للطبقات الضعيفة اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً من أن تسهم بشكل جدي في الحياة السياسية، كي تنمو مهاراتها ومعرفتها بأمور الدولة وتسييرها وبالسلطة ومداخلاتها، وتتحمل مسؤولياتها في تحسين أوضاعها الاجتماعية.

تحقيق التنمية بالشراكة مع المجتمع 

الإنسان غاية في ذاته يجب احترامه ومساعدته على العيش الكريم، وهدف التنمية والتقدّم في الدولة هو حرية المواطن ورفاهيته بالدرجة الأولى. وتقوم الديموقراطية الاجتماعية بدور تسهيل مشاركة المواطنين في العمل السياسي بشكل فعّال، فتسدّ حاجاتهم المادية، وتعيد لهم اعتبارهم وكرامتهم، ويصبح للديموقراطية بشطريها السياسي والاجتماعي معنى واقعي ومتكامل.

الديموقراطية الاجتماعية والديموقراطية السياسية متكاملتان متلازمتان، وأيّ توعية سياسية، ولو كانت في حدود ضيّقة، تساعد الناس على معرفة مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية، وإشراكهم في العمل السياسي يحرك طاقاتهم، ويضعهم أمام مسؤولياتهم في رسم الطريق للوصول إلى مجتمع العدالة.

 ولا ينفع النظر إلى الديموقراطية كرؤية أو منظومة قيم موجّهة أو معلّبة يمكن استيرادها، بل النظر إليها كنظام سياسي اجتماعي يستخدمه أصحاب رؤى متعددة لتحقيق أغراضهم، فالقبول بالديموقراطية كقاعدة لممارسة الحرية الفردية، لا يعني وجود مفهوم واحد عند جميع الأطراف للحرية التي ينبغي لنظام الديموقراطية أن يتبنّاه.

تنظيم الصراع يولد السلم الاجتماعي

لا تنفي الديموقراطيات الصراع بين منظومات القيم المختلفة الموجودة، ولا تحسم مسألة الاختيار بين الثقافات المتنازعة، إنما تساعد على تعايشها وتقدم للجميع الأمل بأن تسود قيمهم الخاصة من خلال التنافس السلمي، فيصبح كل من الاقتصاد والسياسة ميادين صراع مدنية تخمد عوامل الصراع العسكرية بين هذه المنظومات.

إنَّ المجتمعات التي تطوّر داخلها قدرة أكبر على قبول التناقضات والتمايزات وتوجيهها مدنياً بدلاً من الخوف منها، تهيئ آليات قوية للتفاهم واستنباط حلول مقبولة ومتفق عليها عبر المفاوضات الاجتماعية، الأمر الذي يتقدم على فرض الحلول الجاهزة من قبل سلطة داخلية محلية أو سلطة خارجية. 

والنظام الديموقراطي بما يتضمنه من قواعد ثابتة وواضحة لتداول السلطة وتوزيعها وممارستها بطريقة سلمية، هو الوحيد الذي يسمح بتجاوز الطائفية، ويقلّل الحاجة إلى عواطفها وعصبياتها، من دون أن يلغي التمايزات الدينية والمذهبية والتميز الجماعي بين الجماعات.

مشاركة ومسؤولية لا عصا سحرية

الديموقراطية ليست صناديق انتخابية بعصا سحرية، بل هي عمل جدي من قبل الدولة والمجتمع لتوليد وتطوير تقاليد مستقرة لممارسة ديموقراطية تقوم على المشاركة المتساوية، والمساواة أمام القانون، والارتقاء بالوعي المدني على حساب الوعي الطائفي، وتعليم الناس معنى الحرية والمساواة والعدالة والمسؤولية العمومية، ليتحوّل المجتمع من مسرح للصراع إلى ميدان تعاون وتضامن ومشاركة في تطوير شروط الحياة لجميع السكّان معاً.

إنّ تطبيق أدوات الديموقراطية الاجتماعية ووسائلها ينشئ التقارب والتماهي بين المجتمعات، فتتحوّل من حالة التناقض إلى حالة التكامل، وتنتقل بممارستها الديموقراطية الداخلية إلى حالة قبول الآخر، ما يجعلها أكثر قدرة على التقارب الطبيعي.

أضع هذه الأفكار في وعي العقلاء من وطني، لعلَّها تساعدهم على وضع العمليّة السياسيّة في سوريا على سكّة الحلّ!