كورونا وقواعد الاشتباك الفقهي إعلامياً في الجزائر

اصطدام الشيخ شمس الدين مع وزارة الشؤون الدينية حول فتاوى فيروس كورونا، كان قد دشّنه برفضه إغلاق المساجد في الجزائر.

  • كورونا وقواعد الاشتباك الفقهي إعلامياً في الجزائر
    صورة أرشيفية من الجزائر

 

على مدار سنوات، شكَّل الشيخ شمس الدين بوروبي ظاهرة إعلامية خاصة في الجزائر. الرجل قدّم نموذجاً جزائرياً للبرامج الإعلامية الدينية. ورغم كثرة الانتقادات التي توجّهت إليه عبر بعض وسائل الإعلام التقليدية وصفحات التواصل الاجتماعي، فإن برنامج "انصحوني"، الذي يعدّه ويقدّمه على قناة "النهار" الجزائرية، يحظى بمتابعة معتبرة بين جمهور البرامج الدينية في الجزائر، بحسب العديد من استطلاعات الرأي.
أعلنت قناة "النهار"، يوم الخميس الماضي، إيقاف بث برنامج "انصحوني"، والسبب جاء في بيان اعتذار موجه إلى سلطة ضبط السمعي والبصري في الجزائر، وأيضاً إلى الرأي العام الجزائري. ومرد اعتذار القناة وإيقاف البرنامج هو أن وزارة الشؤون الدينية والأوقاف الجزائرية تقدمت بشكوى ضد القناة لدى سلطة ضبط السمعي البصري على خلفية حلقة يوم الإثنين، التي اعتبر خلالها الشيخ شمس الدين أنه لا يجوز تقديم زكاة عيد الفطر المبارك، وأن من قام بذلك يعتبر كمن قدم صدقة، وعليه إعادة إخراج زكاة الفطر مع اقتراب العيد، وهو الأمر الذي اعتبرته وزارة الشؤون الدينية الجزائرية ضرباً للتماسك الاجتماعي في الجزائر، على اعتبار أن لجنة الفتوى العليا في البلاد، وهي لجنة حكومية، تضم عدة علماء وشيوخ مشهود لهم، كانت قد أصدرت فتوى منذ حوالى أسبوعين تجيز فيها تقديم زكاة عيد الفطر، وذلك لتأثير فيروس كورونا في الوضع المعيشي لملايين الجزائريين.
قناة "النهار"، وتنفيذاً لملاحظات سلطة السمعي البصري، وبحسب البيان الذي أصدرته، طلبت من الشيخ شمس الدين التراجع عن موقفه وتقديم اعتذاره إلى اللجنة العليا للفتوى في الجزائر، إلا أنه رفض، وهو ما دفع مسؤولي القناة إلى إيقاف البرنامج والاعتذار إلى الجميع.
اصطدام الشيخ شمس الدين مع وزارة الشؤون الدينية حول فتاوى فيروس كورونا، كان قد دشّنه برفضه إغلاق المساجد في الجزائر، معللاً ذلك بأنه لا يقوم على أي أساس شرعي قوي، لكن على اعتبار أن غالبية العالم الإسلامي كان قد مضى في خطة إغلاق دور العبادة، لم يكن لكلامه بخصوص هذه الفتوى أي تأثير في الرأي العام، وبالتالي مرّت تلك الزوبعة على سلام، ولم تتحرك حينها سلطة ضبط السمعي البصري في الموضوع.
اللافت في أزمة الشيخ شمس الدين مع وزارة الشؤون الدينية والمسؤولين عن ضبط المشهد الإعلامي في الجزائر، هو حالة الانقسام الإعلامي والفكري والثقافي حول طريقة معالجة قضية إعلامية ذات طابع شرعي وفقهي، تعدّ أساساً مثار جدل علمي بين علماء المذهب المالكي، وهو المذهب المتّبع بين الغالبية العظمى من الجزائريين.
 ووجه تحفّظ بعض الأكاديميين والإعلاميين، ومنهم من هو مدافع شرس عن السلطة، أن ما حدث مع برنامج "انصحوني" للشيخ شمس الدين، قد يفتح الباب لسياسة إغلاق المشهد الإعلامي بالكامل في الجزائر، ويجعل أي عمل إعلامي يقوم على نقد ومراجعة خطابات الحكومة وقراراتها في قضايا الشأن العام يقع تحت سيف التحفّظ الذاتي، خوفاً من المنع أو المساءلة، وهو أمر يهدد التجربة الديموقراطية الوليدة في البلاد، على حد تعبير العديد من السياسيين والإعلاميين، حتى ممن كانوا ينتقدون بشدة قناة "النهار"، والشيخ شمس الدين على وجه التحديد.

أعلنت منظمة الصحة العالمية في 31 كانون الأول/ديسمبر 2019 تسجيل إصابات بمرض الالتهاب الرئوي (كورونا) في مدينة ووهان الصينية، ولاحقاً بدأ الفيروس باجتياح البلاد مع تسجيل حالات عدة في دول أخرى حول العالم.