سوريا: وقاية مضاعفة ضد فيروس لم يثبت وجوده
في دمشق والمدن الكبرى، تبدو الحركة شبه طبيعية، على الرغم من إجراءات حكومية صارمة، تمثلت بتعليق دوام المدارس والجامعات والمعاهد بكل أنواعها حتى الثاني من نيسان/أبريل القادم.
رسمياً، لا وجود لفيروس "كورونا" على الأراضي السورية، بعد أن أعلنت وزارة الصحة عن عشرات الاختبارات الطبية لحالات مشتبه بها جاءت نتائجها سلبية.
وقد أكدت منظمة الصحة العالمية الأمر أكثر من مرة عبر ممثلها المقيم في دمشق، نعمة سعيد، لتدعم تصريحات وبيانات صادرة عن مستشفيات رئيسية ومديريات الصحة في المحافظات.
أرخت تلك الحالة أجواء من الطمأنينة بين السوريين بعد حملات تشكيك بقدرة الجهاز الصحي السوري المنهك بعد 9 سنوات من الحرب على حمايتهم من الوباء، كما بددت أخباراً تناقلتها صفحات معارضة وبيانات جاء بها "المرصد السوري المعارض" عن وجود حالات مصابة في سوريا!
في دمشق والمدن الكبرى، تبدو الحركة شبه طبيعية، على الرغم من إجراءات حكومية صارمة، تمثلت بتعليق دوام المدارس والجامعات والمعاهد بكل أنواعها حتى الثاني من نيسان/أبريل القادم، تبعها تأجيل انتخابات مجلس الشعب المقررة في 13 نيسان/أبريل إلى 20 أيار/مايو، وتعليق صلاة وخطبة الجمعة وصلوات الجماعة في المساجد.
الإجراءات التي شكلت جرس إنذار مدوياً من مخاطر وصول الفيروس، لم تحدث الحجر الصحي المطلوب، ولكن الكثير من السوريين اتبعوا بعض الإجراءات الصحية المعمول بها في دول العالم، من مثل التقليل من المصافحة والتقبيل، والتعقيم الشخصي في المنازل والمكاتب، واستخدام الكمامات، لكن بصورة قليلة للغاية، نظراً إلى عدم توفرها بشكل كبير وضعف الإمكانيات المادية بصورة عامة.
في الشارع، تبدو الصورة مختلفة تماماً وشبه اعتيادية. حشود المتسوقين حافظت على زخمها في سوق الحميدية العريق وغيره من الأسواق والشوارع الأقل شهرة داخل العاصمة على وجه الخصوص، ومشهد الاكتظاظ في حافلات النقل الداخلي و"الميكروباصات" الصغيرة ظل واضحاً، وإن بمستوى أقل، نتيجة غياب طلبة الجامعات.
الخطوة الأكثر أهمية التي قامت بها شركات النقل العام، تمثلت بالتعقيم اليومي، وهو أقصى ما يمكن القيام به في ظل اعتماد السواد الأعظم من السوريين على وسائل النقل الجماعي.
حالة الازدحام لم تختلف كثيراً في مراكز التسوق التجارية، وأمام مؤسسات وزارة التموين "السورية للتجارة" للحصول على بضعة كيلوغرامات من الأغذية المدعوعة السعر، من مثل "السكر والأرز والزيت والشاي" عبر البطاقة الذكية.
حشود كبيرة تداول الكثيرون صورها على صفحات التواصل الاجتماعي، منتقدين ثغرة كبيرة في بيع تلك المواد الأساسية للسواد الأعظم من السوريين، في ظل حالة فقر عمّقتها سنوات الحرب، عبر منافذ بيع محددة.
وفي مقابل تلك الصورة، ظهرت إجراءات أكثر حزماً، إذ أعلنت وزارة الصحة عن إغلاق المطاعم والمقاهي في إطار المواجهة، لإجبار المواطنين على تخفيف تحركاتهم، فيما أغلقت محافظة دمشق المقاهي الشبابية المخصصة للإنترنت، وصالات الألعاب، وجميع الأندية الرياضية الخاصة، وصالات السينما والمسارح، وصالات المناسبات، وطرحت محافظة القنيطرة، جنوباً، فكرة بيع الخبز في البلدات والأحياء، من دون اضطرار المستهلكين إلى التوجه إلى الأفران وخلق التجمعات الحاشدة.
وضمن الإمكانيات المتاحة، تبدو الإجراءات الحكومية أفضل ما يمكن القيام به، بحسب مراقبين، بعد أن تبعها تحرك للمجتمع الأهلي يتوقع تبلوره خلال أيام تحت شعار "صار دورك"، ويتضمن، كما جاء في بيان الجمعيات المشاركة، "تقديم التوعية بخطر الفيروس، ونشر الإجراءات الوقائية، وتنفيذ عدد من المبادرات، في إطار مواجهة التهديد المستجد على المجتمع السوري".
هذه المواجهة تزداد إلحاحاً مع وصول الفيروس إلى كل الدول المجاورة: لبنان والأردن والأراضي الفلسطينية المحتلة والعراق وتركيا، وفي ظل تحسب جدي لأي تطور سلبي، وسط أوضاع غير اعتيادية تمر بها كل القطاعات في سوريا، بما فيها القطاع الصحي، الذي ضاهى قبل الحرب مثيلاته في الدول المتقدمة بأدائه واتساع خدماته قبل استهدافه المنظم، فقد تعرضت المستشفيات والمراكز الصحية لأضرار كبيرة جراء الحرب، وتشير التقديرات إلى تضرر 23% من المراكز والعيادات الصحية كلياً أو جزئياً، و36% من المستشفيات كلياً أو جزئياً، فيما زادت كلفة الأضرار في مؤسسات ومرافق القطاع الصحي على 759 مليار ليرة سورية لغاية حزيران/يونيو 2017، علماً أن عدد المراكز الصحية زاد على 1506 مراكز ونحو 493 مستشفى في العام 2010.
أما الأضرار الكبرى، فقد طالت الكادر الطبي بحدة، وتشير تقديرات نقابية إلى مغادرة نحو 15 ألف طبيب سورياً مع حلول العام 2015، أي ما يصل إلى 50% من عدد الأطباء المسجلين في العام 2009، فيما أثرت العقوبات الاقتصادية الغربية في القطاع الدوائي، لينخفض منسوب الاكتفاء الذاتي من 91% في العام 2010 إلى 87% في العام 2017، على الرغم من زيادة عدد معامل الأدوية من 70 معملاً في العام 2010 إلى 86 معملاً في العام 2017. وقد زاد إنتاج هذه المعامل من 6895 صنفاً دوائياً إلى 7824 صنفاً خلال فترة المقارنة ذاتها.
هذه المؤشرات تدل على حجم الضرر الذي أصاب القطاع الصحي، ولكنه رغم ذلك يستنفر اليوم طاقاته مجدداً في مواجهة تحدٍ عابر للحدود، وفي ظل إمكانيات محدودة تفرض التركيز على الوقاية المضاعفة درءاً لأي خطر.