هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون مبدعاً؟

يمكن للذكاء الاصطناعي إنتاج صور واقعية في غضون ثوانٍ، ما يؤدي إلى حجم هائل من الأعمال الفنية يومياً، ولكن هل يمكن لهذا الفن أن يجاري الإبداع البشري؟ وما الآثار المترتبة عليه؟

  • هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون مبدعاً؟
    هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون مبدعاً؟

لعلّكم اختبرتم توليد صورة عبر تطبيق الذكاء الاصطناعي، ولاحظتم على سبيل المثال "تشوهاً" في عدد أصابع يد الشخص الظاهر في الصورة. في مثال آخر، تكاد تبدو الصورة المولدة عبر تطبيق الذكاء الاصطناعي واقعية إلى درجة يصعب معها تمييز أصلها.

في الواقع، يشهد عالم الفن تحولات غير مسبوقة مع استمرار تطور الذكاء الاصطناعي. اليوم، يمكن لمولدات الصور التي تعمل بالذكاء الاصطناعي إنتاج صور واقعية في غضون ثوانٍ، ما يؤدي إلى حجم هائل من الأعمال الفنية التي يتم إنشاؤها يومياً، ولكن هل يمكن لهذا الفن أن يجاري الإبداع البشري؟ وما الآثار المترتبة عليه؟

كيف تعمل مولدات الصور بالذكاء الاصطناعي؟

عام 2014، ظهرت أول شبكة توليدية خصومية "GAN" (generative adversarial network). هذا النوع من الشبكات يندرج ضمن أصناف التعلّم الآلي، إذ تتطلب هذه التقنية إنشاء بيانات جديدة بالخصائص الإحصائية نفسها لمجموعة تدريب. 

على سبيل المثال، يمكن لـشبكة توليدية خصومية "مدرّبة" على الصور الفوتوغرافية إنشاء صور جديدة تبدو حقيقية بالنسبة إلى البشر، ولديها العديد من الخصائص الواقعية. 

وعلى الرغم من اقتراحه في الأصل كشكل من أشكال النماذج التوليدية للتعلم غير الخاضع للرقابة، فقد أثبتت شبكات "GAN" أيضاً أنها مفيدة للتعلم شبه الخاضع للإشراف، والتعلم الخاضع للإشراف الكامل، والتعلم المعزز. إذاً، تتكون شبكة الخصومة التوليدية من مكونين: شبكة توليدية، وشبكة تمييزية.

وانطلاقاً من مصفوفة من الأرقام العشوائية، تتولى الشبكة التوليدية إنشاء بيانات جديدة عبر عدد من التحويلات، فيما يكون دور الشبكة التمييزية هو التمييز بين البيانات الحقيقية والبيانات المفبركة التي تنتجها الشبكة التوليدية.

أحدثت شبكات "GAN" ثورة في الفن من خلال إنشاء صور جديدة تماماً بناءً على الصور الموجودة. وسرعان ما بدأ الفنانون استخدام هذه التكنولوجيا لإنشاء قطع فريدة من نوعها، ثم ظهر أخيراً جيل أحدث من نماذج الذكاء الاصطناعي باستخدام النصّ لإنشاء الصور، ما يسمح بمزيد من التحكّم في المحتوى الذي تم إنشاؤه. 

التحديات في توليد الأشكال المعقدة

وفي حين أحرزت نماذج الذكاء الاصطناعي تقدماً كبيراً، إلا أنَّها لا تزال تواجه قيوداً عندما يتعلَّق الأمر بتوليد تفاصيل معقدة. نظراً إلى عملية التدريب الخاصة بها، فإن هذه النماذج تعطي الأولوية لتحسين الصورة العامة. وبالتالي، فإن التفاصيل الصغيرة التي يلاحظها البشر من دون عناء، مثل يد بأربعة أصابع أو شخص ثلاثي الأرجل، غالباً ما تفلت من انتباه الذكاء الاصطناعي.

بالنسبة إلى الذكاء الاصطناعي، يتم التعامل مع هذه التفاصيل مثل أيّ عناصر خلفية أخرى. كذلك، فإن الاستحصال على صور تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي يتطلب موارد طاقة كبيرة. تتضمن عملية التدريب تشغيل النماذج على وحدات المعالجة الرسومية (GPUs) لأسابيع أثناء معالجة مليارات الصور.

علاوةً على ذلك، يجب تشغيل النماذج بشكل مستمرّ على وحدات معالجة الرسومات المستهلكة للطاقة مع ملايين المعالجات، ما يؤدي إلى استهلاك كبير للطاقة وعواقب بيئية. إن معالجة هذه المخاوف أمر بالغ الأهمية لضمان التنمية المستدامة لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي.

أضف إلى ذلك أنَّ نماذج الذكاء الاصطناعي جميعها تتعلَّم عبر التزود بكمٍّ هائل من البيانات المتاحة على الإنترنت، ما يجعلها عرضة للتحيز والمعلومات المضلّلة. لقد أصبح تحديد التحكّم في إدخال البيانات وتنظيمها تحدياً حاسماً، علماً أنَّ نقاشاً حاداً يدور بين العلماء حول ما إذا كان يجب حدّ قوائم البيانات التي يصل إليها الذكاء الاصطناعي أثناء عمله أو يجب تزويده ببيانات تعكس كل الآراء ووجهات النظر، وإن كانت غير دقيقة.

في كلتا الحالتين، يفتقر الوضع الحالي للذكاء الاصطناعي إلى القدرة على تمييز الحقائق. وإلى ذلك كله، تبرز مسألة حقوق الطبع والنشر في ما يتعلق بالصور التي تم إنشاؤها بواسطته.

يعتمد الجيل الحالي من أدوات الذكاء الاصطناعي بشكل كبير على نماذج التدريب مع ملايين الصور التي يتم الحصول عليها من الإنترنت من دون موافقة الفنانين الأصليين. وعلى الرغم من أن هذه الممارسة قد يكون مشكوكاً فيها أخلاقياً، فإنَّها لا تنتهك بالضرورة قوانين حقوق النشر، لأن الذكاء الاصطناعي ينشئ نسخاً تحويلية بدلاً من المشتقات المباشرة. 

ومع ذلك، على الفنانين استخدام صورهم الحقيقية كبيانات لتدريب الذكاء الاصطناعي بدلاً من الاعتماد على صور فنانين آخرين، وهي مسألة بالغة التعقيد في التطبيق.

الذكاء الاصطناعي في الفن: ظاهرة عابرة؟

يقتصر الجيل الحالي من الذكاء الاصطناعي بشكل أساسي على تكرار العمل البشري، ويفتقر إلى الإبداع والعاطفة المتأصلة المطلوبة لإنتاج فن عظيم، في حين أنه يمكن أن يكون بمنزلة أداة قوية يسيطر عليها البشر، ولكن لا يمكن أن يحل محل الوعي والتجربة الذاتية التي يضفيها البشر على العملية الفنية.

قد يساعد الذكاء الاصطناعي في إنشاء محتوى بناء على قواعد محددة مسبقاً، لكن الإبداع الحقيقي والأصالة يكمنان في براعة الإنسان.

شهدت السنوات الخمس الماضية صعود الذكاء الاصطناعي في الفن، ولكن عصر هذا الذكاء كحركة فنية قد لا يستمر طويلاً، فالذائقة البشرية تركز أكثر على توليد صور واقعية بعيداً من التأثيرات السريالية التي ميزت الأعمال الفنية المبكرة التي تم إنشاؤها بواسطته. المسار الحالي للذكاء الاصطناعي في الفن موجه أكثر نحو توليد صور واقعية.

من المؤكّد أن الذكاء الاصطناعي أداة قيّمة للفنانين، بما يعزّز إبداعهم ويوسّع إمكانياتهم، ولكنه في أشكاله الحالية والمنظورة لن يستبدل الإبداع الفني للبشر بما يحمل من عواطف وتجارب حسيّة يضفيها الفنان على عمله.