هل يتمّ التطبيع بين السعودية و"إسرائيل" خلال ولاية ترامب الثانية؟
لا شيء واضحاً حتى الآن في مسألة التطبيع بين السعودية و"إسرائيل"، بسبب الإصرار السعودي على حلّ الدولتين والرفض الإسرائيلي لذلك.
-
ترامب ربما كان يعتقد أنّ السعودية ما زالت هي نفسها التي تركها عام 2020!
بعد تنصيب الرئيس الأميركي دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، تزايد الحديث عن عملية تطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية و"إسرائيل"، خاصة أنّ ترامب سعى خلال ولايته الأولى إلى إبرام اتفاقيات أبراهام والتي أسفرت عن تطبيع العلاقات بين "إسرائيل" وأربع دول عربية هي الإمارات العربية المتحدة، البحرين، المغرب، والسودان.
ولو استمرّ ترامب أشهراً إضافية في رئاسته الأولى كان يمكن حصول التطبيع السعودي الإسرائيلي، خاصة أنّ التطبيع مع السعودية يثير اهتمام الإدارة الأميركية أكثر من أيّ بلد عربي آخر نظراً لمكانة المملكة العربية السعودية عربياً وإسلامياً ونفوذها الكبير في المنطقة.
لقد حاولت إدارة بايدن استكمال المباحثات التي كانت تجري مع الرياض بهدف تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية، وكان من المحتمل أن يحصل هذا التطبيع قبل نهاية العام 2023، إلا أن عملية طوفان الأقصى، والحرب التي شنتها "إسرائيل" على قطاع غزة عرقلة مسار التطبيع وجعلته أكثر صعوبة مع إصرار السعودية على أن تكون هناك دولة فلسطينية مستقلة، وتتوقّف العمليات العسكرية الإسرائيلية في القطاع.
وعلى الرغم من الجهود التي بذلتها إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، قبل انتهاء ولايته، لتطبيع العلاقات وتحقيق إنجاز يحسب لهذه الإدارة، إلا أنّ مسار المفاوضات لم يكتمل. والآن مع الرئيس دونالد ترامب تسعى الإدارة الجديدة إلى تحقيق عملية التطبيع، وهناك تأكيد من كلّ من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس ترامب على أنّ التطبيع سوف يحصل وتوقّع ترامب أن يكون ذلك قريباً وليس بعيداً جداً.
تسعى إدارة ترامب إلى السير قدماً بعملية التطبيع بين السعودية و"إسرائيل"، ولهذا الغرض زار مبعوث ترامب للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، كلّاً من الرياض و"تل أبيب"، وربما سيسعى ترامب، الذي من المتوقّع أن يزور الرياض أواخر الشهر الحالي، ويعقد قمة ثنائية مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، تتبعها قمة أميركية خليجية مع مجلس التعاون الخليجي وقمة ينضم إليها قادة مصر والأردن والعراق، وهي زيارة يشبه برنامجها الزيارة التي قام بها الرئيس السابق جو بايدن إلى الرياض عام 2022، للضغط على السعودية من أجل تطبيع العلاقات مع "إسرائيل".
إلا أنه على المقلب الآخر، يمكن في حال توتر العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة، بسبب إصرار الرياض على شروطها من تطبيع العلاقات مع "تل أبيب"، أن يؤجّل الرئيس ترامب زيارته للمملكة.
يعوّل الرئيس ترامب على علاقاته المميّزة مع ولي العهد محمد بن سلمان من أجل القبول بتطبيع العلاقات السعودية الاسرائيلية وإغراء ولي العهد بالمزيد من الاستثمارات الأميركية في السعودية، ودعم أكبر لرؤية السعودية 2030، وتعاون تكنولوجي وعسكري، فضلاً عن الدفع لعدم امتلاك إيران للسلاح النووي وهو الأمر الذي يثير قلق الرياض على الرغم من تحقيق المصالحة السعودية الإيرانية وتخفيف التوترات بين البلدين.
وقد حاول ترامب خلال الفترة الماضية الضغط على السعودية لكي تنصاع لمطالبه بتطبيع العلاقات، ولكنّ إصرار الرياض على إقامة دولة فلسطينية مستقلة مقابل علاقات دبلوماسية مع "إسرائيل"، يبدو أنه أزعج ترامب الذي أكد علناً، وخلال استقباله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بأنّ المملكة لا تُطالب بدولة فلسطينية مقابل اتفاق سلام مع "إسرائيل"، وهوما يُشكّل إحراجاً للسلطات السعودية أمام شعبها وأمام الشعوب العربية والإسلامية المُتعاطفة مع غزة، وتصريحها الدائم بأنها مع حلّ الدولتين وإقامة دولة فلسطينية وضمان حقوق الفلسطينيين، فجاء ردّ الرياض برفض إقامة علاقات دبلوماسية مع "إسرائيل" من دون قيام دولة فلسطينية مستقلة.
فترامب ربما كان يعتقد أنّ السعودية ما زالت هي نفسها التي تركها عام 2020، عندما انتهت ولايته الأولى وربما تفاجأ الآن بالإصرار السعودي على عدم التطبيع، إلا بإقامة دولة فلسطينية مستقلة وبالتالي رفض الانصياع لمطالبه.
وإصرار السعودية على إقامة دولة فلسطينية أزعجت أيضاً بنيامين نتنياهو الذي دعا الرياض ساخراً إلى إقامة دولة فلسطينية على الأراضي السعودية، فجاء الردّ السعودي بالإصرار على حلّ الدولتين وحماية حقوق الفلسطينيين، ووصفت تصريحات نتنياهو بأنها تستهدف صرف النظر عن الجرائم التي ترتكبها "إسرائيل" ضدّ الفلسطينيين.
بالمقابل هناك رفض قاطع من جانب "إسرائيل"، حكومة وشعباً، لإقامة دولة فلسطينية وهو ما يجعل جهود واشنطن لتطبيع العلاقات أمراً صعباً، فلا "إسرائيل" توافق على حلّ الدولتين ولا المملكة العربية السعودية توافق على تطبيع العلاقات مع "إسرائيل" من دون إقامة دولة فلسطينية وحماية حقوق الفلسطينيين.
ومما يزيد الأمر تعقيداً هو رغبة ترامب بتهجير أهل غزة إلى الأردن ومصر أو إلى أيّ دولة أخرى، وسيطرة الولايات المتحدة الأميركية على القطاع لإقامة مشاريع اقتصادية خاصة أنّ بحر غزة مليء بالبترول، كما ستكون غزة حلقة رئيسية مهمة من حلقات الممر الهندي الشرق أوسطي بتسهيلاتها اللوجستية وموانئها الاستراتيجية إضافة إلى الموانئ الإسرائيلية.
يريد ترامب زيادة مساحة "إسرائيل" وقد عبّر مراراً عن أنّ مساحة الكيان الصهيوني صغيرة وأنه يفكّر كيف يمكن توسيعها، وشبّه "اسرائيل" بأعلى القلم ومكتبه بالشرق الأوسط وذلك أثناء سؤاله عمّا إذا كان يؤيّد ضمّ "إسرائيل" المحتمل لأجزاء من الضفة الغربية.
ومن المحتمل أن يكون رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو قد اتفق مع ترامب على زيادة مساحة "إسرائيل" بضمّ الضفة الغربية إذ نعود هنا بالذاكرة إلى خريطة "إسرائيل" التي عرضها نتنياهو والتي ضمّت الضفة الغربية بشكل كامل، وخريطتين عرضهما أمام الجمعية العامّة تظهران الضفة الغربية وغزة كجزء من "إسرائيل".
وبالتالي فإنّ عملية تهجير الفلسطينيين وسيطرة الكيان الصهيوني على الضفة الغربية وغزة، أو سيطرة الولايات المتحدة الأميركية على غزة، كما صرّح ترامب، هو نسف لحلّ الدولتين إذ إنّ الدولة الفلسطينية تضمّ الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية وسبق لترامب في ولايته الأولى أن اعترف بالقدس الشرقية والغربية عاصمة لـ "إسرائيل"، ونسف حلّ الدولتين يتعارض مع مطالب السعودية بإقامة دولة فلسطينية مقابل تطبيع العلاقات مع "إسرائيل".
وقيام السعودية بتطبيع العلاقات من دون الالتزام بما تصرّح به دائماً من إقامة دولة فلسطينية يسبّب إحراجاً لها أمام الشعوب العربية والإسلامية المتعاطفة مع القضية الفلسطينية، ولا سيما بعد المجازر التي ارتكبها الكيان الصهيوني في قطاع غزة. كما يمكن أن يفتح الباب أمام تطبيع عدد آخر من الدول لعلاقاتها مع "إسرائيل"، ولا سيما أنّ إدارة الرئيس ترامب تسعى إلى دخول المزيد من الدول في اتفاقيات أبراهام حيث عبّر مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، عن أنه يعتقد أنّ جميع دول الشرق الأوسط "يمكن أن تلحق بركب الجهود الرامية إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل".
ولا بدّ هنا من الإشارة إلى الدور الذي أدّاه اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأميركية من دعم حملة دونالد ترامب الانتخابية، وما يقوم به من مباحثات مع إدارة ترامب للعمل على تطبيع العلاقات بين "إسرائيل" والسعودية وغيرها من الدول العربية، وسيطرة الكيان على الضفة الغربية والقضاء على حركة حماس ومنع إيران من الحصول على السلاح النووي.
تحاول الإدارة الأميركية الحالية تسريع وتيرة تطبيع العلاقات بين الرياض و"تل أبيب" إذ يعتبر الأميركيون ذلك من قبيل التغيير في الشرق الأوسط الذي يشمل إضعاف حماس وإنهاء المشروع النووي الإيراني وتعزيز الاستثمارات في الاقتصاد الأميركي. كما أنّ الرياض ترى أنه من مصلحتها تطبيع العلاقات مع "إسرائيل" مقابل ما ستحصل عليه من الولايات المتحدة الأميركية من التزام أميركا بأمن المملكة والموافقة على برنامج نووي مدني، وبيع أسلحة متقدّمة.
كما أنّ عملية التطبيع تسهّل حركة الممر الهندي الشرق أوسطي الأوروبي والذي تعدّ السعودية إحدى الدول التي يمرّ بها هذا الممرّ والذي أعلن عنه خلال قمة العشرين عام 2023، إنما يبقى شرطها بتطبيق حلّ الدولتين.
لا شيء واضحاً حتى الآن في مسألة التطبيع بين السعودية و"إسرائيل"، بسبب الإصرار السعودي على حلّ الدولتين والرفض الإسرائيلي لذلك.
وبالنظر إلى الأجواء المتوفّرة حالياً فليس هناك أيّ أفق لتحقيق التطبيع. ولكن ما زالت ولاية الرئيس ترامب في بداياتها، ونظراً لأنّ تصرفاته غير قابلة للتنبّؤ، فمن المحتمل أن يجد صيغة يتفاوض عليها مع السعوديين والإسرائيليين وترضي الجانبين تفضي في النهاية إلى انضمام السعودية لاتفاقيات أبراهام.