هل أصبح اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة فولكلوراً؟
الهدف من اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة هو رفع الوعي حول حجم العنف الذي تتعرض له المرأة، ولكن السؤال الذي يطرح هنا: هل أصبح هذا اليوم "فولكلوراً" في مجتمعنا؟
حدَّدت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 25 تشرين الثاني/نوفمبر اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، وانطلقت الحملة العالمية في مواقع التواصل الاجتماعي. من الواجب أن يكون الهدف هو رفع الوعي حول حجم العنف الذي تتعرض له المرأة، ولكن السؤال الذي يطرح هنا: هل أصبح هذا اليوم "فولكلوراً" في مجتمعنا؟ وهل نحتفل به يوماً واحداً ونتجاهله 364 يوماً من السنة؟
أولاً، يجب التذكير بأنّ هناك عدّة أوجه للعنف الأسريّ واضطهاد المرأة، سواء كانت زوجة أو أختاً أو ابنة أو عاملة منزلية. ويوجد العديد من السيناريوهات التي يبرر بها الرجل اضطهاده، والبعض يظنّ أن تفوّق بنية الرجل على المرأة هو سبب كافٍ لإسكاتها خوفاً منه.
تتعدّد أشكال العنف الأسري، وتتنوع أسبابها، فيشكّل الموروث الاجتماعي التقليدي، كعدم المساواة بين الإناث والذكور، سبباً جذرياً لدى الرجل، إذ يعتبر نفسه متفوقاً على المرأة، ولديه حقوق أكثر منها. ويؤدّي غياب ثقافة الحوار داخل العائلة دوراً أساسياً، إضافةً إلى الظروف المعيشية والبطالة وعدم الاستقرار الذي تؤثر سلباً في المجتمع.
تسليع المرأة عبر الرأسمالية!
الرأسمالية مرض يفتك بالعالم والشعوب، ويؤدي دوراً أساسياً في تسليع المرأة. يخرج الخطاب الرأسمالي متنكّراً بحرية المرأة، ويقوم بتشجيعها على الخروج من المنزل والعمل تحت رحمة هذا النظام. النسوية الجديدة وقعت في شباك النظام الرأسمالي وأدواته. اصطبغ الخطاب بها، وسخَّر نفسه في خدمة سوق العمل، وأصبح مفهوم "تحرير المرأة" يقع تحت أنظمة الرأسمالية.
اضطرار المرأة إلى الخروج إلى العمل لأسباب اجتماعية واقتصادية يجعلها عرضة للنظام، وتُعامل على أنَّها سلعة أو وسيلة لكسب مشروع مهم لمصلحة الشركة. عدم توظيف امرأة محجبة هو مثال على ذلك، فالمرأة المحجبة تمنع النظام الرأسمالي من استغلالها كسلعة، وتواجه العديد من المحجبات مشكلة في العثور على وظيفة، لعدم قدرتها على أن تكون أداة لجذب الزبائن أو مشروع مهم. وفي هذا الإطار، اضطرت شابة محجّبة إلى أن تنزع حجابها لتتمكَّن من العمل، نظراً إلى الظروف الاقتصادية والاجتماعية، بحسب روايتها.
من أدوات النظام الرأسمالي وأهمها هو الإعلام الرأسمالي الذي يمرر الخطاب الرأسمالي، إذ يظهر النساء كسلع يروج بها منتجاته. في الإعلانات مثلاً، يتم استخدام النساء بصورة نمطية، وتُخلق معايير جمال تخدم شركات مواد التجميل الرأسمالية وإرضاء الرجل.
أما بالنسبة إلى المجتمعات الغربية التي تدّعي الديمقراطية، فلا يزال تسليع المرأة في أوجه من ناحية إنتاج الأفلام والإعلانات التي تحقّر المرأة. وبالعودة إلى انتخابات الولايات المتحدة الأميركية في العام 2016، حشدت النساء لهيلاري كلينتون لوصولها إلى الرئاسة، وكان هناك اعتقاد بأنَّ وصول امرأة إلى البيت الأبيض سيكون إنجازاً لجميع النساء في كل مكان، وأنه نوع من النسوية المتدفقة.
تكشف نظرة تفصيلية إلى سجلّ إنجازات هيلاري كلينتون في مجالات الرعاية الاجتماعية، ووول ستريت، والعدالة الجنائية، والتعليم، والحرب، أنها طوّرت القوانين والسياسات التي ألحقت ضرراً حقيقياً بحياة النساء والأطفال في جميع أنحاء البلاد والعالم، بل كانت ربيبة النظام الرأسمالي.
بحسب الكاتبة كريس هارمان في كتابها "تحرر المرأة والاشتراكية الثورية"، تقول إن الأصل المادي لاضطهاد نساء الطبقة العاملة في ظل الرأسمالية اليوم يكمن في الطريقة التي تتبعها الأسرة النووية لإعادة إنتاج القوى العاملة، بمعنى أن عبء تربية الأطفال وعمل المنزل يشكلان عائقاً أمام اتصال نساء الطبقة العاملة بالعالم خارج البيت، ويجعلها معتمدة على رجال الطبقة العاملة. ولهذا، لا يمكن إنهاء اضطهاد نساء الطبقة العاملة.
ووفقاً لتقرير للأمم المتحدة، تساهم المرأة بنسبة 66% من ساعات العمل يومياً، وتكسب 10% فقط من دخل العالم، وتمتلك 1% فقط من ممتلكات العالم. أما بالنسبة إلى البنك الدولي، فالنساء هن الأكثر عرضة للخطر والفقر، رغم نسبتهنّ الكبيرة في سوق العمل، فهنَّ يشكّلن نحو 40% من القوى العاملة في العالم في الزراعة والصناعة، والثلث في الخدمات، إذ تزرع المزارعات في الدول النامية ما لا يقل عن 50% من غذاء العالم، وما يصل إلى 80% في بعض البلدان الأفريقية. ومع ذلك، فهن يمثّلن نحو 70% من فقراء العالم.
عيدة الحمودي السعيدو "فتاة الحسكة"، بأي ذنب قُتلت؟
تُعتبر قضية فتاة الحسكة وقتلها بدم بارد من أشنع الجرائم التي شهدها العالم العربي. بدأت القصة عندما رفضت عيدة الزواج من قريبها، وهربت لاحقاً مع شاب تحبه، قبل أن تلاحَق من قبل أفراد من عشيرتها. أُلقيت الفتاة على الأرض، واستُهدفت بالرصاص، قبل أن يعود أحدهم لإطلاق النار عليها مجدداً للإجهاز عليها، بعد أن اكتشف أنها ما زالت تحتضر.
الجدير بالذكر أن عيدة ابنة الـ18 عاماً تعرضت لأشد أنواع التعذيب قبل قتلها، إذ حرمت من الطعام والمياه لأيام عديدة قبل قتلها. وقد أصدرت وزارة العدل بياناً جاء فيه أنَّ النيابة العامة في الحسكة قامت بالبحث عن الجناة، وحصلت على أسمائهم، من مبدأ أداء الواجب بتطبيق القانون وتحقيق العدالة، رغم أنَّ الجريمة حصلت في المنطقة الواقعة تحت سيطرة المعارضة السورية.
خسرت عيدة حياتها في إطار "جريمة شرف". هي التي توسلت الرحمة من أقرب الناس إليها، ولكنهم قتلوها بدم بارد. وعلينا ذكر اسم عيدة وغيرها كل يوم، فهي ليست مجرد رقم في سلسلة العنف ضد المرأة.
فيروس كورونا: عندما يُقفل على الوحوش
بالعودة إلى يومنا هذا، فتح الحجر الصحي الذي فرضته الصحة العالمية للوقاية من فيروس كورونا باباً جديداً للعنف ضد المرأة، وأصبحت المنازل المكان الأخطر لبعض النساء. وكانت المنظمة قد نشرت تقريراً يشير إلى تعرّض ثلث نساء العالم للعنف الجسدي، ودعت الحكومات إلى التحرك.
أشارت كلوديا غارسيا-مورينو، من معدّي التقرير، إلى أنّ 641 مليون امرأة، أي 26% من اللواتي يبلغن من العمر 15 عاماً، هنَّ ضحايا العنف من قبل شركائهن.
تقول إحدى الناجيات: "كانت فترة الحجر الصحي الأصعب. كنا نعاني من مشاكل اقتصادية قبيل الجائحة، وزادت بعدها. أصبح زوجي يراقبني إن كنت أفرط في استعمال المواد المنزلية، ثم يغضب ويضربني، مستخدماً أدوات منزلية لتفريغ غضبه، بدلاً من الذهاب إلى القهوة لرؤية أصدقائه".
يعتبر المنزل الملاذ الوحيد، وهو مصدر الطمأنينة، ولكنه كابوس للكثيرات، لأنهنّ اضطررن إلى أن يعشن طوال الوقت مع معنّفهنّ.
حتى في يوم المرأة العالمي، تُسلّع المرأة، وتُقام "تخفيضات" على الخضار والفواكه والمساحيق التجميلية. ومن الواجب التذكير بأنّ هؤلاء النساء لسن أرقاماً. كلّ امرأة تحمل اسماً وعمراً وصورة وحلماً انتُزع منها.