ليزر في كل الجبهات.. هل يتحقق الحلم الإسرائيلي؟

أصبحت "إسرائيل" تضع البعد الاقتصادي أيضاً على الطاولة في إبّان أي مواجهة في وقت اعترفت بأن تكلفة الصاروخ الواحد من منظومة القبة الحديدة وصل إلى 30 ألف دولار.

  • منظومة الليزر الإسرائيلية.
    منظومة الليزر الإسرائيلية.

ما كشفه الإعلام الإسرائيلي بشأن بعض تفاصيل الخطة العسكرية متعددة الأعوام، والتي يعكف رئيس أركان الاحتلال الإسرائيلي هرتسي هليفي على إعدادها، وتحديداً تجاه إحدى أهم ركائزها المعروفة بمنظومة الليزر، أو ما يسمى إسرائيلياً "درع النور"، والتي يعكف على الانتهاء من تطويرها وبدء استخدامها عند الحدود مع قطاع غزة نهاية عام 2025، وعند الحدود مع لبنان نهاية 2027، والاعتراف الإسرائيلي الصريح بأن هذه المنظومة ستعمل على تغيير قواعد اللعبة، يعكس ارتفاع مؤشر حجم التهديدات الكبيرة من جانب المقاومتين اللبنانية والفلسطينية، كماً ونوعاً، والتي باتت تؤرق "إسرائيل" في جبهتي لبنان وقطاع غزة، وقدرة المقاومة على فرض معادلات القوة والرعب والردع معاً.

تقر "إسرائيل" بأن منظومة الصواريخ والطائرات المسيّرة التي تمتلكها المقاومتان اللبنانية والفلسطينية تشكل تحدياً أمنياً كبيراً لها، وتعمل وتسابق الزمن من أجل تطوير منظومة الليزر لاستخدامها في أي حرب محتملة، في وقت باتت الهواجس الإسرائيلية تزداد أكثر فأكثر من جراء الخشية الإسرائيلية الكبيرة من استمرار تزويد إيران حلفاءها في حزب الله والمقاومة الفلسطينية بأسراب كبيرة من الطائرات المسيّرة، وأجيال جديدة من الصواريخ.

تصحيحاً للرواية الإسرائيلية التي تروّجها قادة في الاحتلال الإسرائيلي، سابقين وحاليين، ومعهم الإعلام الإسرائيلي، فإن قيام الاحتلال الإسرائيلي بامتلاك أي نوع سلاح، أو تصنيعه، كان يندرج في إطار السلاح العدواني وليس الدفاعي، فـ "إسرائيل" "دولة" احتلال وتحلم ببناء جدار من الليزر يحيط بها في كل الجبهات بهدف تأمين المستوطنات من أي تهديد خارجي، وفي المقابل تبادر هي بالهجوم وتقصف غزة ولبنان وسوريا كيفما شاءت ووقتما شاءت من دون رادع أو مقاومة.

أثبتت الحروب الأربع التي شنتها "إسرائيل" على قطاع غزة، وخاضتها المقاومة الفلسطينية دفاعاً عن الشعب الفلسطيني، منذ عامي 2008 و2009، وصولاً إلى معركة سيف القدس الأخيرة في أيار/مايو2021، فشلاً ذريعاً لمنظومة القبة الحديدية التي تفاخرت "إسرائيل" بها أمام دول عربية، بينما سجلت المقاومة نجاحاً كبيراً في قدرتها على تجاوز منظومة القبة الحديدية مرات، وفي قدرتها على ضرب عمق الأراضي المحتلة في "تل أبيب" والقدس ومناطق أخرى.

سجلت المقاومة الفلسطينية في معركة سيف القدس تفوقاً عسكرياً حين تحدت الاحتلال الإسرائيلي، وأعلنت نيتها قصف "تل أبيب وحددت ساعة الصفر، في تحدٍّ كبير وواضح، وقامت بقصف "تل أبيب" بصاروخ من طراز جديد عُرف باسم J 80، وسجلت فيه قدرة على تجاوز منظومة القبة الحديدية من دون أي اعتراض، الأمر الذي أحدث صدمة كبيرة لدى الأوساط الأمنية والعسكرية في كيان الاحتلال.

وكان هذا بمثابة نموذج أول عن فشل منظومة القبة الحديدية التي تباهت فيها إسرائيل أمام دول المنطقة، أضيف إليه نجاح المقاومة في معركة وحدة الساحات عام 2022، حين استخدمت صاروخاً آخر عجزت عن اعتراضه القبة الحديدية، اضطرت "إسرائيل" حينها إلى استخدام منظومة تصدٍّ جديدة أطلقت عليها مقلاع داوود، وهي المنظومة التي قامت بتصنيعها للتصدي للصواريخ الدقيقة الموجهة، ناهيك بالخسائر الاقتصادية الفادحة التي ألحقتها المقاومة بالاحتلال الإسرائيلي في كل مواجهة.

حتى أصبحت "إسرائيل" تضع البعد الاقتصادي أيضاً على الطاولة في إبّان أي مواجهة في وقت اعترفت بأن تكلفة الصاروخ الواحد من منظومة القبة الحديدة وصل إلى 30 ألف دولار، وهذا ما جعلها بعد انتهاء معركة سيف القدس في حال استنزاف، عسكرياً واقتصادياً، واضطرت إلى طلب تعويض من الإدارة الأميركية وصلت قيمته إلى مليار دولار، نظراً إلى الخسائر الاقتصادية التي تكبّدتها على مدى 11 يوماً من المواجهة مع المقاومة الفلسطينية.

ثمة تقدير إسرائيلي تعترف به قيادات الاحتلال على الملأ، ينطلق من مقارنة الواقع الذي باتت تعيشه من جراء الخسائر العسكرية والأمنية في مواجهة محدودة لأيام وقعت في معركة سيف القدس، ومدى الخسائر التي يمكن أن تتكبّدها قياساً بمواجهة كبيرة وطويلة أو مفتوحة، سواءٌ على صعيد المواجهة مع المقاومة الفلسطينية، أو حتى مع ارتفاع مؤشرات مواجهة محتملة في حرب واسعة أو شاملة باتت تتحدث عنها مع حزب الله مؤخراً، وهذا معناه أن الحلم الإسرائيلي بكيان محاط بالليزر أصبح خيار الضرورة وليس مجرد الاحتياط.

"إسرائيل" باتت تنام وتستيقظ وهي تفكر في حبل المشنقة الذي يلتف حول رقبتها، أو كما يوصف بالتهديد الاستراتيجي الكبير، الذي بات يشكله محور المقاومة من فلسطين إلى لبنان وسوريا، وصولاً إلى اليمن والعراق وطهران، وتدرك أن أي مواجهة قادمة ليست في مصلحتها في وقت تدرك أكثر من غيرها أن ما يمتلكه محور المقاومة قادر على أن يشل الحياة عن بكرة أبيها، وسيُلحق ضرراً جسيماً بكل المفاصل والقطاعات في "إسرائيل"، وهذا السيناريو تعزز أكثر بعد المعادلة الأخيرة التي تحدث عنها الأمين العام لحزب الله اللبناني، السيد حسن نصر الله، وهي معادلة إعادة إسرائيل إلى العصر الحجري، وهو ما جعل قيادات الاحتلال تعاود الحديث مرة أخرى عن تقنية جدار الليزر.

صحيح أن الليزر في مختلف مجالاته العلمية والتكنولوجية والعسكرية سجل نجاحات وتفوقاً واضحاً، و"إسرائيل" خلال هذه المرحلة باتت تراهن عليه بصورة كبيرة، وهذا ما جاء على لسان رئيس جهاز الموساد، ديفيد بارنيع، في حديثه إلى موقع "بيزبورتال" الإسرائيلي بشأن احتمال تنفيذ هجوم إسرائيلي على إيران وتصاعد التوترات عند الحدود الشمالية مع حزب الله اللبناني، والذي أكد أن نظام الليزر سيكون المُكلَّف منع وقوع خسائر كبيرة في الأرواح، وأخرى اقتصادية، في حالة اندلاع حرب.

إلّا أن المخاوف الكبيرة لدى الأوساط الإسرائيلية بشأن إخفاقات متوقعة من مثل هذا النوع من السلاح حاضرة، إذ تقر بأن نظام الليزر ما زال له عيوب لم تستطع "إسرائيل" إيجاد حل لها، وهذه العيوب تتمثل بصعوبة عمل نظام الليزر في فصل الشتاء وأوقات سقوط الأمطار وحلول الضباب، وهذا يعني أن الرهان على مثل هذا الحلم لن يحقق لـ"إسرائيل" الأمن والأمان الكاملين في حال حدوث مواجهة عسكرية في ذروة فصل الشتاء على أي من الجبهات، إذ تعبّر الأوساط الإسرائيلية عن خشيتها من ذلك، وتدرك أن مثل هذا النوع من السلاح يبقى محدود الفعالية، ولا يستطيع اعتراض الصواريخ الثقيلة ذات الطراز الجديد، والتي تمتلكها المقاومتان اللبنانية والفلسطينية.

إشاعة الحديث الإسرائيلي مراراً وتكرارا عن هذا النوع من السلاح، تندرج في سياقاته أهدافٌ إسرائيلية اقتصادية تهدف إلى توفير الدعم الكبير الذي يصل إلى مليارات الدولارات، كي يصل هذا النوع من السلاح إلى النجاح الكامل، ويلقى في الوقت ذاته اهتماماً أميركياً بالغاً، في وقت باتت تدرك أن إيران تمتلك صواريخ فرط صوتية جديدة ومتطورة، أعلنتها مؤخراً، وتتلاقى الأهداف الإسرائيلية والأميركية معاً على قاعدة دعم تطوير مشروع الليزر في "إسرائيل"، على نحو يضمن استمرار تفوقها عسكرياً في المنطقة، وتصبح محاطة بالليزر من كل الاتجاهات من دون الالتفات إلى أي فصل من العام يمكنها خوض غمار مواجهة عسكرية.

فهل يتحقق الحلم الإسرائيلي، أم تبدده قوى المقاومة ومحورها، الذي يعمل أيضاً في الاتجاه ذاته على امتلاك أجيال جديدة من منظومة الصواريخ والطائرات كي يضمن تفوقه على "إسرائيل" عسكرياً، وهذا ما سيتضح عملياً في أي مواجهة عسكرية قد تحدث في أي من جبهات الاشتباك.