لماذا تؤرق وحدة الساحات "إسرائيل" أكثر من أي وقت مضى؟

نجحت المقاومة الفلسطينية في سلب "إسرائيل" تحديد وقت إعلان الحرب في ظل استمرار مقاومة الشعب الفلسطيني ومقارعته لقوات الاحتلال الإسرائيلي، وكذلك عنصر المباغتة.

0:00
  • ثمة مؤشرات كبيرة تقول إن المنطقة مقبلة على تصعيد عسكري كبير ومفتعل.
    ثمة مؤشرات كبيرة تقول إن المنطقة مقبلة على تصعيد عسكري كبير ومفتعل.

حاضرون في كل ساح، لن نلقي السلاح، بالنار و البارود سنردّ على هجمات "البيجر" وسياسة الاغتيالات لقادة "قوة الرضوان" والجرائم الأخرى، أما الشمال فلا رجعة إليه، بل ستشهدون مزيداً من الهروب وستصبح حيفا و"تل أبيب" مرمى لصواريخنا وستلحق بغيرها وتصبح مدينة أشباح، والرسالة الأقوى والأهم، لن نترك فلسطين وجبهة الإسناد لغزة لن تتوقف أو تنفصل، وحدة الساحات عنوان ثابت لهذه المعركة المستمرة لا تراجع فيها ولا رضوخ ولا استسلام، "طوفان الأقصى" انتقلت إلى مرحلة جديدة وفاتورة الحساب فتحت، وبدأ حزب الله الرد بقوة بعدما أضاءت صواريخه سماء حيفا ومن ثم "تل أبيب" بصاروخ "قادر واحد".

 فرض حزب الله قواعد اشتباك جديدة، وثبّت موازين ردع حاولت "إسرائيل" كسرها، فالمعادلات تغيّرت والخيارات باتت مفتوحة، ومرحلة جديدة من المواجهة عنوانها البقعة باتت تتسع أكثر فأكثر، أما في جبهة قطاع غزة فحرب الاستنزاف فيها مستمرة، وما زالت "إسرائيل" عالقة غارقة في رمالها، عاجزة عن حسم المعركة لصالحها، فشلت في تحقيق أي من أهداف الحرب الاستراتيجية، فيما لا يزال نتنياهو يعيش وهم البحث عن الانتصار وصورة نصر تنقذه من حسابات الفشل والمحاسبة و السجن. 

ما بدأت به مقالي، ليس بروباغندا إعلامية، بل هو توصيف دقيق للمشهد بعد ما يقرب العام من معركة "طوفان الأقصى"، في وقت يعمد فيه نتنياهو وحكومته إلى افتعال و إشعال حرب واسعة على الجبهة الشمالية بشكل تصاعدي و ملحوظ، فما السبب وراء ذلك؟ وماذا عن أهدافه في وقت بات حزب الله يخوض حرب استنزاف بوتيرة أعلى ويمارس الفعل ولا ينجر إلى رد الفعل، حتى أصبح أكثر من مليون مستوطن في الشمال والوسط في مرمى نيران صواريخ حزب الله. 

"إسرائيل" أُنشئت عام 1948 وفق العقيدة الأمنية على ثلاث ركائز أساسية تعدّ وفق العقل الإسرائيلي مرتكزات ثابتة لضمان بقاء الدولة ووجودها، أولها الردع، وثانيها الإنذار المبكر، وثالثها الحسم السريع. ومنذ السابع من أكتوبر وما تبعه من فتح حزب الله واليمن والعراق جبهات إسناد، استشعرت "إسرائيل" الخطر أن إرادة البقاء باتت مهددة بشكل كبير، إذ ضربت "طوفان الأقصى" هذه الشروط الثلاثة في مقتل، وشعرت "إسرائيل" ويزداد شعورها أكثر مع استمرار التهديد من حرب الاستنزاف والحساب المفتوح التي يقودها حزب الله في الجبهة الشمالية. 

أثبتت محطات الصراع ما بين المقاومتين الفلسطينية واللبنانية من جهة، و"إسرائيل" من جهة أخرى، أن الردع الإسرائيلي تصدّع بشكل كبير، ونجح حزب الله في فرض قواعد اشتباك عام 2006، فيما تضرر الردع بشكل أكبر في حرب عام 2014 على غزة، وزادت حدّته في معركة "سيف القدس" عام 2021 عندما خاضت حماس المعركة ومعها فصائل المقاومة الفلسطينية الأخرى دفاعاً عن المسجد الأقصى، ثم تهاوى الردع تماماً ولم يعد يذكر في مراكز الدراسات الإسرائيلية خلال الفترة القليلة الماضية، وتحديداً بعد عملية "طوفان الأقصى" وما تبعها من أحداث وتطورات على جبهتي الجنوب وشمال فلسطين المحتلة.

نجحت المقاومة الفلسطينية في سلب "إسرائيل" تحديد وقت إعلان الحرب في ظل استمرار مقاومة الشعب الفلسطيني ومقارعته لقوات الاحتلال الإسرائيلي، وكذلك عنصر المباغتة، فيما تمر "إسرائيل" بأسوأ محطات وجودها وهي تخوض مواجهة على جبهتين ساخنتين في آن واحد، إحداهما مع حماس في غزة والأخرى مع حزب الله في لبنان، وهي عاجزة عن حسم هذه الحرب لصالحها. 

يهدف تصاعد وتيرة العدوان الإسرائيلي وكثافته على لبنان إلى تحقيق هدفين أساسيين مكشوفين في هذه المرحلة بعدما وصلت "إسرائيل" في حربها على غزة إلى طريق مسدود، وفشلت استراتيجياً في تحقيق أهداف الحرب، وهي: 

الهدف الأول، فصل الجبهة الشمالية التي يقودها حزب الله إسناداً لقطاع غزة، ومحاولة التوصل إلى اتفاق دبلوماسي يحقق لها هدوءاً كاملاً للاستفراد بغزة والقضاء الكامل على المقاومة، وما جرى من قصف مركّز وموسّع للمقاومة الإسلامية في لبنان، وتحديداً على حيفا، يشكّل رداً مباشراً على "إسرائيل" بأن هذه السياسة مرفوضة وغير مقبولة، وأن المشهد الميداني تجاوز مرحلة الإسناد وانتقل إلى مرحلة جديدة عنوانها "الحساب المفتوح". 

الهدف الثاني، فرض قواعد اشتباك وردع جديدة على حزب الله تضمن إعادة سكان مستوطنات شمال فلسطين المحتلة إلى مستوطناتهم بالقوة العسكرية، وإذ بحزب الله يرد على هذا الهدف بتوسيع بقعة القصف، وتثبيت قواعد اشتباك وردع جديدة طالت حيفا وما بعد حيفا، واستهدفت مصانع للصناعات العسكرية.

ثمة مؤشرات كبيرة تقول إن المنطقة مقبلة على تصعيد عسكري كبير ومفتعل، وهذا ما يرغب به نتنياهو، لكن المهم في هذا التصعيد أنه لن يؤدي إلا إلى هزيمة "إسرائيل"، لعدة أسباب أهمها، الفشل الذريع في حسم المعركة وتحقيق أهدافها المعلنة في غزة بعد ما يقارب سنة من العدوان وحرب الإبادة الجماعية، وفشلها الثاني في عدم استطاعتها إعادة مستوطنيها في الشمال، ولا إلزام حزب الله بالتراجع إلى شمال الليطاني ولا فصل الساحات عن بعضها بعضاً، أما إذا ما فكرت بحرب برية فهي تكون بذلك قد ارتكبت مغامرة غير محسوبة النتائج، وبالتالي باتت أمام خيارات ثلاثة في ظل استحالة فك الارتباط بين جبهة غزة وجبهة لبنان:

الخيار الأول، إما أن تذهب إلى اتفاق سياسي يوقف الحرب لإعادة ما تبقى من أسراها الموجودين لدى حماس.

الخيار الثاني، استمرار حالة الاستنزاف وهذا سيقضي على ما تبقى لها من قوة عسكرية و"جيش" وتفوّق تكنولوجي، و سيعجّل في زوالها. 

الخيار الثالث، الذهاب إلى حافة الهاوية وافتعال حرب شاملة في المنطقة، وفي كل الخيارات ستكون هزيمتها محسومة ومحتومة، لكن في هذا الخيار لن تكون الهزيمة لـ"إسرائيل" وحدها بل لأميركا والغرب الذي دعمها وفتح لها جسور الإمداد العسكري لقتل الشعب الفلسطيني.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.