لماذا تستعرض واشنطن في مياه الخليج بوجه إيران؟
الإعلان الأميركي عن وصول القوات الجديدة إلى المنطقة يأتي بعد أيام من مناورات بحرية نفّذها الحرس الثوري الإيراني في مياه الخليج، جاءت رداً على مناورة تحالف الأمن البحري الدولي قرب مضيق هرمز.
في تغيير واضح للتوجّه الأميركي المتبع مؤخّراً والقاضي بتقليص الحضور العسكري بالمنطقة، أعلنت القيادة المركزية الأميركية وصول 3 آلاف جنديّ من البحرية الأميركية إلى البحر الأحمر بسفينتين حربيتين، في إطار نشر المزيد من القوات في الشرق الأوسط، بهدف "منع النظام الإيراني من الاستيلاء على ناقلات النفط أو تهديدها".
هذه القوات، كما ذكر بيان القيادة المركزية "تعزّز القدرة البحرية للأسطول الخامس للبحرية الأميركية في المنطقة".
يأتي الإعلان الأميركي بعد أيام من مناورات بحرية نفّذها الحرس الثوري الإيراني في مياه الخليج، جاءت رداً على مناورة تحالف الأمن البحري الدولي بعنوان "الدرع الحارس" قرب مضيق هرمز.
الخارجية الإيرانية على لسان ناصر كنعاني صرّحت أن الوجود الأميركي يزعزع أمن المنطقة، وأنّ أي استفزاز أميركي سيقابل برد إذا تمّ احتجاز سفن إيرانية. من الواضح أنّ واشنطن وإيران تتبادلان الاتهامات حول مضايقة السفن ومحاولات احتجاز ناقلات نفط. لكن الموضوع لا يقف عند هذا الحد بالنسبة لواشنطن التي كانت قد أعلنت سابقاً صياغة سياستها العالمية بالإعلان عن الرغبة في مغادرة الشرق الأوسط للتوجّه نحو آسيا للتصدّي لصعود الصين، وإعادة النظر بقرارها لأسباب تتعلّق بتوسّع النفوذ الصيني الذي عبّرت عنه زيارة الرئيس الصيني، شي جين بينغ، للرياض في كانون الأوّل/ديسمبر الماضي، وتعثّر الجهد الحربي الذي تقوده الولايات المتحدة ضدّ روسيا في أوكرانيا.
ما هي الرسائل التي تودّ واشنطن إرسالها ولمن؟
الرسائل الأميركية تذهب في عدة اتجاهات، فهي لا تطال الصين وحدها في وتيرة التقارب الصيني الخليجي التي أقلقت واشنطن، وهي ذهبت في خشيتها إلى اعتبار أنّ العلاقة مع الصين لن تطال التنمية الاقتصادية فقط، بل يمكن أن تقود إلى تمدّد عسكري صيني مستقبلاً، فهي أيقنت أن الاتفاق السعوديّ/الإيرانيّ في الصين أمر بالغ الأهمية في تأثيره على النظام السياسي العالمي، فالصين القوّة الاقتصاديّة الصاعدة بوجه الأميركيين، تفتح طريقاً إلى دول الخليج عبر المصالحة الإيرانية السعودية بالتعاون مع روسيا.
ورأت أنّ الضرر الذي يمكن أن يصيبها من جرّاء الاتفاق، يصيب "إسرائيل" أيضاً ومساعي الإدارة الأميركية لاستكمال إنجاز الاتفاق الإبراهيمي، وضمّ "إسرائيل" لتحالف وتقارب مع السعودية لمواجهة إيران، وكان متوقّعاً أن يكون هذا العام هو عام إنجاز التطبيع.
الأحداث الداخلية في "إسرائيل" التي حملت عنوان التعديلات القضائية سدّدت ضربة إلى المصالح والقيم المشتركة بين الولايات المتحدة و"إسرائيل"، كما يراها خبراء أميركيون، وأثارت قلق الإدارة الديمقراطية حيث يقوم بنيامين نتنياهو بإسقاط السياسة التي تسوّقها الولايات المتحدة دولياً، ويقوّض ما يسمّى التصوّر المشترك بشأن الضفة الغربية وحلّ الدولتين، الأمر الذي يثير مشكلة حقيقية للمصالح المشتركة ومشاريعهما، ويهدّد استقرار الأردن.
الدول العربية التي وقّعت اتفاقيات مع "إسرائيل" وعرفت بـ "اتفاقيات أبراهام" والتي تشهد الانتفاضات والعملية الفلسطينية بوجه الاحتلال أثبتت أن التطبيع لن ينهي حالة الحرب، وأثارت توجّساً أميركياً يمكنه أن يؤدي إلى تراجع الدول خطوة إلى الوراء. ويضيّع جهود واشنطن التي تدفع السعودية من أجل تطبيع العلاقات مع "إسرائيل".
ما يحدث يعزّز حجّة إيران التي تؤكد أن تطبيع السعودية مع "إسرائيل" لن يكون مفيداً للقضية الفلسطينية أو للسلام والاستقرار والأمن في المنطقة، بل سيساهم في تثبيت موقع الكيان في المنطقة من دون أي فائدة ترجى للدول العربية. هذه العوامل مجتمعة أدّت بواشنطن للاستنتاج أنّ قرارها الانسحاب أثّر على علاقتها مع دول الخليج، وهي تسعى عبر إرسال الأسطول والبوارج إلى ترميم العلاقات مع السعودية، وإثبات قوتها وطمأنة باقي دول الخليج، وإعادة الاعتبار إلى علاقتها التقليدية وتنفيذ مخططات سابقة في البحر الأحمر.
ما هي الرسائل الموجّهة لإيران؟
تبادلت واشنطن وطهران في السنوات الأخيرة الاتهامات على خلفية سلسلة حوادث في مياه الخليج، وتوترت العلاقات بين الطرفين منذ انسحاب واشنطن عام 2018 بشكل أحادي من الاتفاق حول النووي الإيراني، وإعادة فرضها عقوبات قاسية على إيران. لا شكّ أنّ المفاوضات غير المباشرة بين طهران وإدارة بايدن بشأن الملف النووي لم تصل لخواتيمها، وما زالت المحادثات جارية بين الطرفين من أجل تبادل الأسرى.
لم يكن الوقت مناسباً لطرح إيران فكرة حماية الخليج بواسطة دول المنطقة نفسها، ولكن بعد إعلان الرياض وطهران استئناف علاقاتهما الدبلوماسية تمّ طرح ضرورة التعاون فيما بينهما، وعدم الحاجة للوجود الأجنبي في الخليج وبحر العرب والبحر الأحمر. هذا التوجّه يمكن أن يساهم في تأمين المنطقة، وخاصة الممرات المائية وأمن الطاقة والنفط، في ظل التهديدات التي تعرّضت لها في الماضي.
لكن هناك قضايا ملحة يجب أنْ يتم التوافق حولها، وإيجاد حلول جذرية لها، ومن ضمنها مشكلات المنطقة والخلافات حولها بين الطرفين.
وكان كنعاني قد صرّح أنّ "إيران هي الدولة الأكثر فاعلية في توفير أمن الملاحة البحرية في الخليج والمياه الإقليمية والدولية، وقد ضمنت دائماً المرور الآمن للسفن عبر مضيق هرمز".
أتى الردّ من البيت الأبيض؛ بدأت واشنطن بإرسال تعزيزات عسكرية إلى الخليج متهمة إيران بتهديد الملاحة التجارية في مياه الخليج، وأن وزارة الدفاع الأميركية ستبدأ في تعزيز تمركزها الدفاعي بالمنطقة".
يبدو أن الغرض من التحشيد الأميركي في أحد جوانبه يظهر انزعاجاً أميركياً من التعاون الروسي الإيراني المزعوم في أوكرانيا في مجال التسليح، وفي الوقت عينه يحذر إيران من رفع نسبة تخصيب اليورانيوم، ويقلّل من أهمية صواريخها الباليستية، ويوحي للسعودية بأن الولايات المتحدة ما زالت قادرة على حماية الممرات البحرية.
وكانت وزارة الدفاع الأميركية قد أرسلت الشهر الماضي طائرات مقاتلة إضافية من طراز "أف-35″ و"أف-16" إلى جانب سفينة حربية إلى الشرق الأوسط، في مسعى لمراقبة الممرات المائية الرئيسية في المنطقة.
لن تخوض واشنطن حرباً في المياه الخليجية، فالجبهة الروسية الأوكرانية ما زالت مفتوحة، ولن يكون الأمر لصالحها على الرغم من عزمها نشر مشاة البحرية على متن السفن، وهي ناقلات نفط تجارية بمضيق هرمز، وهم درّبوا ليكونوا على متن السفن التجارية لكن تحت الطلب.
الأساطيل التي اتجهت نحو الشرق الأوسط قد تكون فعلياً بمثابة عرض عضلات أمام إيران والصين وخصوم بايدن الجمهوريّين.