لا عتاب، ولا نداء استغاثة فـ"هم" صُم بُكم عُمي

غزّة لا تستغيث ولا تعتب ولا تتوسل، فهي تقاوم وتواصل مسيرتها صوب فجر الحرية. وفي الفجر تصلّي وتدعو الله أن يمنحها رضاه وعنايته وينصر شعب فلسطين في غزة والضفة وكل فلسطين.

0:00
  • لا تتعلّم الإمبراطورية الأميركية من هزائمها، ولا تكف عن العدوان على الشعوب.
    لا تتعلّم الإمبراطورية الأميركية من هزائمها، ولا تكف عن العدوان على الشعوب.

"معهم" لا عتاب، ولا نداء استغاثة، ولا نشر صور وفيديوهات تنقل، صوتاً وصورةً، مذبحة لفلسطينيين مقطعي الأجساد، على أرض مغطاة بالأشلاء التي تغرق في بركة من الدم. والفلسطينيون، صغاراً وكباراً، ينقّلون عيونهم بنظراتها المشدوهة على ما لا يوصف في فجر مروّع لمصلين كانوا يتوجهون إلى الله مستغيثين به، بعد أن نفضوا أيديهم من "أقرباء" لا قرابة دم تجمعهم بهم، ولا جيرة بهم تنجد، فهم مطمئنون "سرّاً" وعلانية إلى "صداقة" هي تلطٍّ بالعدو الصهيوني تصون "حكمهم" من شعوب لا تُطمئن مهما أبدت من الولاء، وترداد أناشيد مليئة بالنفاق والكذب، ناهيك بأجهزة قمع شرسة عدوة للشعوب المبتلاة بهم وبمن يوجهونهم. 

 العدوان الصهيوني الأميركي على شعبنا الفلسطيني ما هو بجديد، فهو قديم وثابت ومتجدد، والكيانان الأميركي والصهيوني خطابهما لتبرير وجودهما واحد، وهو الادعاء أن الرب منحهما الأرض التي احتلاها. وإن كان الكيان الصهيوني يدّعي أن إلهه الخاص به وحده هو "يهوه"، وأن الأرض لهما بموجب "كوشان" بملكيّة منتحلة، وأنهما أفضل من "كُل" شعوب الأرض وأممها. لذا، ترى العلاقة بينهما معلنة في كل معركة مع شعب من الشعوب ينتفض لتحرير نفسه وما يملك من سطوة أميركا وهيمنتها وتابعها الكيان الصهيوني. 

أمضيت الوقت المبكّر متأملاً المشهد المروّع الذي لم يُشاهَد مثله في كل الحروب، منذ الحرب العالمية الأولى حتى الحرب العالمية الثانية، مروراً بحرب فيتنام التي هزّت العالم، ودفعت الشعوب إلى رفع الصوت والتظاهر في كل مدن العالم، حتى وصلت غضبة العالم إلى داخل أميركا نفسها، الأمر الذي اضطُر الحكّام والجنرالات لإمبراطورية النهب والسلب والإبادة، منذ تكونت على أرض العالم "الجديد"، وإبادة أهله بالملايين، التي بلغت 117 مليوناً من البشر، إلى الهرب تحت ضربات ثوّار فيتنام بهزيمة مذلة مخزية انتهت بمشهد فردة حذاء سفير أميركا في سايغون، عاصمة فيتنام الجنوبية، وهو يهرب نجاةً بجلده مذعوراً على جلده أكثر من جلد الحذاء!

لا تتعلّم الإمبراطورية الأميركية من هزائمها، ولا تكف عن العدوان على الشعوب، والكيان الصهيوني هو تلميذ الشيطان الأميركي، فأميركا تحاصر كوبا الثائرة منذ عام 1961 حصاراً خانقاً يهدف إلى تمويت شعبها العنيد في كبريائه جوعاً، الثابت على مبادئ كاسترو وغيفارا.

وكيانها الصهيوني يُنفذ سياسة التجويع والتعطيش والحرمان من الدواء حتى يستمر نزف جروح أطفال الفلسطينيين وأمهاتهم. والعالم يرى كل شيء في فيديوهات وعبر الشاشات مباشرة، وأميركا تواصل إرسال شحنات الأسلحة إلى الكيان من أجل قتل المزيد من الفلسطينيين وعجنهم عجناً برمال غزة، وعرب فلسطين يواصلون قتالهم ومقاومتهم بكبرياء على رغم كل التنكيل بأحدث أسلحة الإمبراطورية الأميركية. 

يوجع المقاومون الفلسطينيون العدو الصهيوني بما يوقعونه به من خسائر فادحة في جيشه الذي يخوض حرباً حقيقية للمرّة الأولى منذ تأسيس الكيان تمتد كل هذا الوقت، معركة طوفان الأقصى التي تذل جيشاً وكياناً اعتاد خوض حروب رخيصة التكلفة تدور دائماً في أرض "العدو"؛ يعني في الأرض العربية التي لم يحتلها بعد، في حين يواصل مجتمعه حياته المُريحة الممتعة في انتظار سماع بيان يطمئنه إلى انتصار "جيشه" على العرب مُجتمعين، مُزوّراً الحقائق والوقائع بانتصاراته الرخيصة! 

أُذكّر بحرب تموز 2006 وكيف توسل قادة الكيان وجيشه، بعد مذبحة دباباته الميركافا، في معركة وادي الحجير. فلنا انتصارات لا تُنسى سنفتخر بها دائماً. 

قادة أميركا يحتضنون الكيان الصهيوني ليبقى حارس أملاكهم في الشرق الأوسط، وتحديداً بلاد العرب: النفط والغاز، والموقع الاستراتيجي الذي لن تتخلّى أميركا عنه، هي التي تضع يدها على كل ثروات الوطن العربي، وتحديداً في الخليج العربي، ومن لا يستوعب هذا الأمر فهو إمّا جاهل بريء، وإمّا متجاهل لأن لا مصلحة له بالمعرفة.

فمصلحته الاحتماء بأميركا والصداقة مع الكيان الصهيوني، حفاظاً على البقاء وديمومة الحكم، الذي هو "تحكّم" في جزء من بلاد العرب. وهكذا تمضي الأمور مع سائر "حكّام الأجزاء" في بلاد العرب، والذي نراه حالياً يتجلّى فيه دور هذه "الأجزاء" في التآمر على فلسطين وعروبتها وموقعها ودورها، عبر العصور، منذ الحروب الصليبية حتى أيامنا، ودويلات النفط بحكامها مُحدثي النعمة النفطية لا تهمهم وحدة الأمة، ولا تحرير فلسطين لأن القتال لتحريرها يعني الاشتباك مع أولياء نعمتهم، وفلسطين لا تقبل منهم أقلّ من القتال لكنس الكيان الصهيوني، وتحرير آبار النفط من الهيمنة الأميركيّة، وتحويل بلدان الخليج من أشلاء دويلات إلى مكونات محترمة فاعلة في وطن عربي حر كبير. 

فجر السبت 10 آب/أغسطس اقترف العدو الصهيوني مذبحة أُخرى، وهي قطعاً لن تكون الأخيرة، وبالصواريخ الأميركية عجنت أعناق أكثر من مئة شهيد من مختلف الأعمار. ولأنه لا يرى المقاومين البواسل الذي يخرجون له من تحت الأرض لجأ إلى قصف مدرسة لجأ إليها فلسطينيون من قطاع غزة. ومتى؟ بعد صدور بيان أميركي قطري مصري يعد بمواصلة المفاوضات. وهكذا تواصل أميركا التضليل والكذب والتحايل على العالم كله، فهي تزوّد الكيان الصهيوني بأحدث الصواريخ والقنابل وأخطرها، وتضلله تغطية على جرائم الكيان الصهيوني، لكن: ما هي مصلحة الدولتين "الكبيرتين" الموقعتين: قطر ومصر، مع صديقتهما الإمبراطورية الأميركية؟! 

من يصدق تصريحات تصدر باسم دول "عربية" تدين، وتشجب، وتتسابق إلى رضا الإدارة الأميركية المجرمة بحق عرب فلسطين، بل كل العرب من المحيط إلى الخليج؟!

لا مبررات للجماهير العربية، في كل "الدول" العربية للصمت، أو الدعاء في المساجد، فعرب فلسطين يخوضون معركة مصير أمة، و"الدول" العربية متآمرة بوقاحة، وهي تتصرّف كأن الحرب على قطاع غزّة وحده، وليست على "كل" فلسطين وعرب فلسطين الذين ينزفون دمهم الطاهر لإنقاذ الحاضر والمستقبل للعرب أجمعين، لا مستقبلهم وحدهم، ومعهم يؤازرهم حزب الله الذي يجعل الكيان الصهيوني كله يقف على "رِجل ونصف"، وطرد مستوطنيه من الشمال، ويُذيقهم للمرة الأول قسوة اللجوء - وهم لجأوا من أرض ليست لهم إلى أرض ليست ولم تكن لهم يوما - الذي أيقظهم على مرارة ما ينتظرهم وهو آتٍ لا محالة. ومع حزب الله اليمن الشجاع بقيادته وجيشه وشعبه، ومجاهدو العراق. فالفلسطينيون ليسوا وحدهم، لكننا نذكّر بخونة العرب في هذه المعركة، وخيانتهم أفدح من خيانة حكّام نكبة عام 1948، وما جاء بعدها من كوارث وآلام في زمن النفط والغاز. 

غزّة لا تستغيث ولا تعتب ولا تتوسل، فهي تقاوم وتواصل مسيرتها صوب فجر الحرية. وفي الفجر تصلّي وتدعو الله أن يمنحها رضاه وعنايته وينصر شعب فلسطين في غزة والضفة وكل فلسطين وكل من يقاتلون مع طوفان الأقصى. ومع القدس وتحرير فلسطين: إخوة السلاح الذين يقدمون الشهداء، والكيان الصهيوني يرتجف منهم. 

 العرب عربان: عرب أحرار مقاومون شرفاء مؤمنون يصلون ويصومون ويقاومون، و"عُربان" يغدرون ويخونون وعقولهم وحناجرهم مع أميركا والكيان الصهيوني. وهؤلاء لا مغفرة لهم، ولا مستقبل لهم في بلاد العرب، وشعوبها لن تنسى غدرهم وخياناتهم أبداً.