سوريا الجديدة بعد سقوط نظام الأسد: التنافس الإقليمي ورؤية "إسرائيل" للتحوّلات

تحالف "إسرائيل" مع الكرد قد يعمّق الصراع مع الدول الإقليمية مثل تركيا والعراق، إذ تعدّ هذه الدول الكرد تهديداً لأمنها القومي، ما قد ينعكس سلباً على المصالح الإسرائيلية.

0:00
  • "إسرائيل" تحتاج إلى سياسة استراتيجية مرنة تستجيب لتغيرات الواقع.

سقوط نظام الرئيس بشار الأسد شكّل نقطة تحوّل رئيسية في الشرق الأوسط، إذ أتاح هذا التطور إعادة ترتيب الأوراق الإقليمية من جديد، مع بروز التنافس بين المحاور الإقليمية المركزية: المحور التركي- القطري المدعوم من جماعة الإخوان المسلمين، "إسرائيل"، ومحور دول "الاعتدال العربي"، ومحور المقاومة بقيادة إيران.

بالنسبة إلى "إسرائيل، تمثل هذه التحوّلات في سوريا تحديات وفرصاً استراتيجية، إذ تأمل في استثمار هذا التحوّل لصالحها بينما تتعامل مع المخاطر المحتملة.

بعد انهيار نظام الأسد، نشط التنافس بين المحاور في المنطقة مجدداً:

1. المحور التركي- القطري:

بعد التراجع الذي شهدته هذه المحاور إثر أزمة سوريا في 2018، ومن قبلها الثورة المصرية على الرئيس محمد مرسي عام 2013م التي أنهت حكم الإخوان في مصر، وتقليص "إسرائيل" للنفوذ التركي في شرق البحر المتوسط من خلال تحالفاتها في مشاريع الغاز مع كل من قبرص واليونان ومصر، عاد المحور التركي- القطري بقوة من البوابة السورية مجدداً للمنافسة.

2. "إسرائيل":

"إسرائيل" ترى في هذه التحوّلات فرصة لتوسيع نفوذها في سوريا، مستفيدة من الدعم الأميركي تحت إدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب، الأمر الذي يضمن لها شرعية أكبر في المنطقة، خصوصاً في ما يتعلق بسيطرتها على الجولان.

3. محور المقاومة بقيادة إيران:

على الرغم من الضغوط التي تعرض لها المحور الإيراني في الحرب مع "إسرائيل" إثر عملية "طوفان الأقصى"، حيث تلقى محور المقاومة ضربات موجعة، سواء في غزة أو لبنان، فإن إيران ومحور المقاومة لا يزالان قوة إقليمية هامة تسعى لاستعادة نفوذها في المنطقة، وقادرة على تشكيل تهديد لأمن الكيان بشكل كبير.

٤. دول الخليج العربي ومصر:

حاولت دول الخليج ومصر اللعب على التوازنات في المنطقة، وتخفيف التوتر مع المحاور الأخرى كافة، من خلال سياسة متوازنة وخصوصاً سياسة الانفتاح على الإيراني، والمصالحات الخليجية- القطرية، والمصالحات العربية مع تركيا، مع تعزيز علاقات التعاون مع "إسرائيل" في آن واحد.

لكنّ التغيير في سوريا فرض إعادة تموضع جديد، إذ تزامن مع تراجع محور المقاومة وإيران في سوريا، واندفاعة تركية وإسرائيلية في المنطقة، كلٌّ لأسبابه الخاصة.

في تصريح يعكس رؤية "إسرائيل" الاستراتيجية للتحوّلات في سوريا، قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو: "سقوط نظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد يخلق فرصاً جديدة وهامّة جداً لإسرائيل"، مؤكداً أن "إسرائيل" ستعمل على تعزيز سيطرتها على الحدود السورية، بما في ذلك الجولان، لضمان أمنها القومي.

هذا التصريح يعكس عزم "إسرائيل" على استغلال الوضع السياسي الجديد في سوريا لتحقيق مكاسب استراتيجية وتوسيع مناطق نفوذها، بل يعدّ هذا التصريح عنواناً واسعاً للتوجّه الإسرائيلي في المنطقة بعد الحرب على غزة ولبنان.

باتت للإسرائيلي فرص تعزيز التحالفات مع الأقليات في سوريا، التي طالما سعت إلى بناء تحالفات مع الأقليات في الدول المجاورة، وسوريا ليست استثناءً. بعد سقوط الأسد، ترى "إسرائيل" في الكرد شريكاً استراتيجياً يمكن الاعتماد عليه لتحقيق أهدافها في المنطقة، إذ تعمل "إسرائيل" على تعميق العلاقات مع الكرد الذين يسعون إلى تحقيق مكاسب سياسية في سوريا الجديدة، و "إسرائيل" يمكن أن تقدم الدعم السياسي والعسكري لهم، وهو ما يعزز قوتهم في مواجهة الأطراف الأخرى، بما في ذلك تركيا وإيران.

ناهيك بالتقاطع الاستراتيجي مع المصالح الإسرائيلية، فالكرد يمثلون حليفاً في مواجهة تمدّد النفوذ الإيراني والتركي، ما يجعل التعاون معهم يتماشى مع أهداف "إسرائيل" في تقليص دور إيران في المنطقة وضمان أمن حدودها.

هذه التغيرات تطرح قضية المكاسب والمخاطر على "الأمن القومي" الإسرائيلي؟

المكاسب:

1. شرعنة احتلال الجولان:

الدعم الأميركي المستمر، خصوصاً بعد اعتراف إدارة ترامب السابقة بالسيادة الإسرائيلية على الجولان عام 2019م، يعزز موقف "إسرائيل" في المنطقة، ما يمكّنها من شرعنة هذا الاحتلال أمام المجتمع الدولي.

2. إضعاف المحور الإيراني:

تقليص النفوذ الإيراني في سوريا يمثل مكسباً كبيراً لـ"إسرائيل"، إذ إن إضعاف قدرة إيران على دعم حزب الله يقلل من التهديدات الأمنية على الجبهة الشمالية لـ "إسرائيل"، وقطع الطريق لإعادة تسليح حزب الله بعد الحرب، والذي يعدّ من أهم الأهداف الإسرائيلية الاستراتيجية.

3. توسيع التحالفات الإقليمية:

في إطار توسيع "إسرائيل" المستمر لتحالفاتها الإقليمية، تشكل عودة ترامب إلى البيت الأبيض تطوراً هاماً بالنسبة لها. هذا التطور يعزز من خطط التطبيع العربي مع "إسرائيل"، لا سيما مع المملكة العربية السعودية التي بدأت تفتح المجال لتحسين علاقاتها مع "الدولة" العبرية.

بالإضافة إلى ذلك، يشكل هذا التطور فرصة تلاقي مصالح بين "إسرائيل" ودول الخليج، ما يفتح الأفق للتعاون الاستراتيجي في الملف السوري، حيث تلتقي مصالح هذه الدول في مواجهة النفوذ الإيراني.

من جهة أخرى، ستكون سوريا أيضاً نقطة تلاقي مصالح بين "إسرائيل" ومصر، خصوصاً في ظل المخاوف المصرية من التوسع التركي في منطقة شرق البحر المتوسط، ناهيك بمخاطر تحوّل سوريا إلى نقطة انطلاق للعمليات الإرهابية ضد الدولة المصرية، ففي الوقت الذي تسعى فيه تركيا إلى تعزيز نفوذها في هذه المنطقة، تبقى مصر و"إسرائيل" في موقع تتلاقى فيه المصالح في مواجهة هذه التهديدات. الأمر الذي قد يعزز من التعاون بين "إسرائيل" ودول مثل مصر ودول الخليج في سوريا.

من الجدير بالذكر أن تعزيز العلاقات مع الكرد وغيرهم من الأقليات في سوريا يمنح "إسرائيل" نفوذاً أكبر في الساحة السورية، ويشكل أداة جديدة في مواجهة التحديات الإقليمية.

المخاطر:

1. تعاظم الدور التركي:

تعاظم النفوذ التركي في شمال سوريا يشكل تحدياً مباشراً لـ"إسرائيل"، وخصوصاً مع نشر بعض الأخبار عن خطط تركية لبناء قواعد عسكرية ومطارات داخل الأراضي السورية.

2. استمرار الفوضى وتداعياتها السلبية:

 سقوط الأسد يفتح المجال لتغيير في ميزان القوى داخل سوريا، الأمر الذي يشير إلى أن نشوء حالة من الفوضى في سوريا سيناريو واقعي، الأمر الذي سيكون في صالح إيران، إذ يمكن أن تعمل على إعادة بناء شبكة من العلاقات في سوريا.

هذا قد يؤثر إيجاباً في قدرتها على نقل الأسلحة إلى حزب الله مجدداً وفتح جبهة قتال مع "إسرائيل" في جنوب سوريا وهضبة الجولان، ما يعيد تعقيد الوضع الأمني لـ"إسرائيل" على الجبهة الشمالية.

3. ردود فعل إقليمية:

تحالف "إسرائيل" مع الكرد قد يعمّق الصراع مع الدول الإقليمية مثل تركيا والعراق، إذ تعدّ هذه الدول الكرد تهديداً لأمنها القومي، ما قد ينعكس سلباً على المصالح الإسرائيلية.

في الختام، سقوط نظام الأسد يمثل بداية لفصل جديد في المشهد الإقليمي، إذ تسعى "إسرائيل" للاستفادة من التحوّلات السورية لتحقيق مصالحها الاستراتيجية.

ولكن، مع الفرص التي يقدّمها هذا الوضع، من المتوقع أن تواجه "إسرائيل" العديد من التحديات، خصوصاً مع تعاظم دور تركيا والتهديدات المستمرة من إيران.

في النهاية، فإن "إسرائيل" تحتاج إلى سياسة استراتيجية مرنة تستجيب لتغيرات الواقع المتسارعة في المنطقة لضمان أمنها، الأمر الذي تفقده القيادة الإسرائيلية الحالية المشغولة بشكل أساسي بقضاياها الداخلية.