القانون الأميركي الجديد حول التبت وردّة فعل الصين

قرار الولايات المتحدة الأميركية لقانون النزاع بين التبت والصين جاء مدفوعاً بالتنافس الصيني الأميركي، وبالتالي فالتبت ورقة ضغط أخرى تمسكها الولايات المتحدة الأميركية للضغط على الصين واستفزازها.

0:00
  • لماذا أثار توقيع الرئيس بايدن على القانون حفيظة الصين؟
    لماذا أثار توقيع الرئيس بايدن على القانون حفيظة الصين؟

وقّع مؤخراً الرئيس الأميركي جو بايدن على مشروع قانون "تعزيز حلّ النزاع بين التبت والصين"، والذي تضمّن عدة نقاط أبرزها السعي إلى تعزيز الحوار، من دون شروط مسبقة، بين الصين والدالاي لاما أو ممثّليه.

وسبق للصين والتبت أن دخلتا في حوار لمعالجة مسألة التبت بدءاً من العام 2002 ولكنها توقّفت في العام 2010. وبعد 9 جولات من المباحثات، لم يصل الطرفان إلى أيّ نتائج ملموسة. 

ومنذ ذلك الوقت انقطعت الاتصالات بين الصين والدالاي لاما الذي تعدّه الصين انفصالياً يدعو إلى استقلال التبت عن الصين، إلا أن المسؤولين التبتيّين يؤكدون أن هناك مباحثات غير معلنة تجري بين الصين وممثّلي الدالاي لاما. وقد أوردت صحيفة هندية أن الرئيس الصيني شي جين بينغ وافق في أثناء زيارته للهند عام 2014 على لقاء الدالاي لاما، إلا أن نيودلهي كانت حذرة حول الاجتماع لذلك لم يعقد.

كما يدعو القانون الجديد إلى مكافحة التضليل الإعلامي الذي تمارسه الصين فيما يتعلق بالتبت، بما في ذلك الخلفية التاريخية للتبت وشعبها والتي تقول الصين إن التبت كانت جزءاً من الصين في العصور القديمة.

ما يثير الاهتمام في هذا القانون أنه يعترف بما يسمّى بفكرة "التبت الكبرى" التي طرحتها جماعة الزعيم الروحي للتبت الدالاي لاما، وتشمل المناطق التي يسكنها التبتيّون في 4 أقاليم في الصين هي قانسو، تشينغهاي، سيتشوان، يونان، بالإضافة إلى منطقة التبت ذاتية الحكم، بينما الصين ترى أن حدود التبت، أو شيزانغ كما تسمّيها، هي فقط إقليم التبت ذاتي الحكم.

والنقطة الأخرى ذات الأهمية أيضاً أن القانون يدعو إلى حلّ النزاع بين الصين والتبت على أساس مبادئ وأحكام القانون الدولي لجهة الحقّ في تقرير المصير. وقد سبق للولايات المتحدة الأميركية أن أقرّت قوانين لها علاقة بالتبت، ففي العام 2002 وقّع الرئيس السابق جورج دبليو بوش على قانون السياسة التبتية، وفي العام 2020 وقّع الرئيس السابق دونالد ترامب على قانون سياسة التبت ودعمه.

أثار توقيع الرئيس بايدن على القانون حفيظة الصين التي رأت فيه تدخّلاً في شؤونها الداخلية على اعتبار أنّ التبت هي جزء من أراضيها. وتعهّدت باتخاذ إجراءات حازمة للدفاع عن مصالحها وسيادتها في حال لجأت واشنطن إلى تنفيذ القانون.

مما لا شكّ فيه أن إقرار الولايات المتحدة الأميركية لقانون النزاع بين التبت والصين جاء مدفوعاً بالتنافس الصيني الأميركي، وبالتالي فالتبت ورقة ضغط أخرى تمسكها الولايات المتحدة الأميركية للضغط على الصين واستفزازها، إلى جانب أوراق أخرى كقضية تايوان وشين جيانغ والتي تدّعي عبرها واشنطن أنها تدافع عن حقوق الإنسان والديمقراطية.

 تحاول الولايات المتحدة دعم الجماعات الانفصالية في هذه الأقاليم لإثارة التوترات وإلهاء الصين بمشكلاتها الداخلية، وليس بسبب قلق واشنطن على حقوق الإنسان وحفاظها على الديمقراطية، والدليل أنها تساعد "إسرائيل" على ارتكاب المجازر في قطاع غزة. 

تقوم الولايات المتحدة الأميركية بتغذية الانفصاليين في التبت والخارج، ودفعهم إلى الاستقلال، على الرغم من أنها تعترف بأن التبت هي جزء من أراضي الصين، حتى أن الرئيس بايدن قال عندما وقّع على القانون بأن الأخير لا يغيّر من سياسة الولايات المتحدة الأميركية تجاه الاعتراف بمنطقة التبت المتمتعة بالحكم الذاتي وغيرها من المناطق التبتية في الصين بأنها جزء من جمهورية الصين الشعبية.

ويمكن أن نقيس ذلك على ما تفعله الولايات المتحدة مع تايوان إذ تقوم بإمداد الانفصاليين في الجزيرة بالأسلحة، بالمقابل تصرّح دائماً أنها تعترف بمبدأ الصين الواحدة وأن تايوان جزء من الصين.

أما عن ردّة فعل الصين على قانون حلّ النزاع التبتي الصيني، فبالاستناد إلى ردود الفعل السابقة للصين على التدخّل في شؤونها الداخلية، فإنّ أول ما تقوم به هو الاحتجاج على الفعل أو التصرّف الذي يُعدّ انتهاكاً لشؤونها الداخلية، وهو ما أقدمت عليه بكين بالفعل إذ احتجت لدى الولايات المتحدة على توقيع القانون.

وفي حال أقدمت الولايات المتحدة على تنفيذه ودعم الدالاي لاما وأتباعه والإدارة المركزية للتبت في المنفى، فإن بكين ستتخذ إجراءات مضادة كردّة فعل على ذلك. فمن المحتمل أن تقوم بفرض قيود على بعض المسؤولين الأميركيين. فمثلاً في العام 2022 فرضت بكين عقوبات على أميركيين رداً على قيام أميركا بفرض عقوبات على صينيين بتهمة انتهاك حقوق الإنسان في التبت. وشملت العقوبات منعهما من دخول الصين والتواصل مع الصينيين وتجميد الأصول العائدة لهما. 

ويمكن أن تلجأ مثلاً إلى تعليق الاجتماعات أو المباحثات التي تجريها مع الأميركيين. فمؤخراً مثلاً علّقت الصين المباحثات التي كانت تجري مع الطرف الأميركي حول الحدّ من التسلّح والانتشار النووي بسبب إرسال واشنطن أسلحة إلى تايبيه. وبعد زيارة رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي إلى الجزيرة علّقت الصين المباحثات العسكرية رفيعة المستوى مع الجانب الأميركي. وأيضاً في العام 2007 ألغت الصين اجتماعاً كان مقرّراً عقده مع ألمانيا بسبب استقبال الأخيرة للدالاي لاما.

ومن الممكن أن يتوسعّ ردّ فعل الصين إلى حد تقييد أو حظر دخول بعض السلع الأميركية إلى الصين. كما أنّ زيادة التوتر بين الصين والولايات المتحدة الأميركية يدفع بكين إلى التقرّب من دول أخرى كروسيا وإيران لتشكيل محور مجابه للولايات المتحدة الأميركية.

وفي حال عودة دونالد ترامب لتولي رئاسة الولايات المتحدة الأميركية، فسيسعى إلى مواجهة الصين التي يعدّها التحدي الأساسي للولايات المتحدة الأميركية، وسيدعم الدالاي لاما والإدارة المركزية للتبت في المنفى، وبالتالي سيكون ملف التبت ورقة ضغط على الصين.

فترامب وقّع عام 2020 قانوناً يقضي بإنشاء قنصلية أميركية في لاسا عاصمة التبت، وعيّن منسّقاً خاصاً لشؤون التبت، كما دعا إلى إنشاء تحالف دولي لاختيار الدالاي لاما المقبل من قبل المجتمع التبتي وليس من قبل الصين التي ترى أن لها سلطة في اختياره.

تصريح الرئيس ترامب الأخير بأن على تايوان أن تدفع للولايات المتحدة الأميركية لقاء حمايتها، يجب أن يشكّل درساً للانفصاليين في الأقاليم الصينية التي تطالب بالانفصال، والجماعات والدول الأخرى حول العالم التي تعتمد على الولايات المتحدة، بأن الأخيرة تركّز فقط على مصالحها وهي على استعداد للتخلّي عنهم في أي وقت.