الشرق الأوسط: أي مستقبل بعد أحداث 2024
شكّل عام 2024 عاماً مفصلياً لمحور المقاومة، حيث تلقى ضربات كبرى تجلّت في الابادة في غزة، ثم "مجزرة البايجر" وصولاً الى اغتيال السيد حسن نصرالله وقادة حزب الله، وبعدها سقوط النظام في سوريا.
لا شكّ، تمّ خلط الأوراق في الشرق الأوسط بعد التطورات العديدة التي عاشتها منطقة الشرق الاوسط منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2023، ولغاية نهاية عام 2024.
خلال هذه الفترة، تعرّض "محور المقاومة" الى ضربات عديدة أبرزها سقوط النظام في سوريا وهو ركن أساسي من أركان المحور.
لكن خلط الأوراق هذا، وتبدل موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط ليس جديداً على المنطقة، التي تعيش تحديات عديدة وتحوّلات منذ مطلع القرن العشرين حين سقطت الإمبراطورية العثمانية. وبعدها، حصلت تحوّلات عديدة فانهارت الملكيات العربية، ونشأت القومية العربية وسواها من الحركات الفكرية والايديولوجية.
وكان الحدث الأبرز الذي أدخل المنطقة في عقود من عدم الاستقرار السياسي والأمني هو نشوء "اسرائيل" عام 1948، وتقسيم فلسطين بين العرب واليهود وهم الذين لم يكونوا سوى فئة قليلة جداً في مطلع القرن العشرين، لكن أعدادهم ازدادت باضطراد بنتيجة التواطئ الدولي لتعزيز الهجرة الاستيطانية اليهودية الى أرض فلسطين التاريخية.
ومنذ ما بعد خروج البريطانيين من المنطقة في السبعينات من القرن الماضي، وإحلال النفوذ الأميركي مكانه، ساهمت الاستراتيجيات الأميركية في خلط الأوراق وبدلت ديناميكيات المنطقة والتوازنات فيها، على الشكل التالي:
- عقد الثمانينات
فاجأت التطورات والثورة الاسلامية في إيران الأميركيين في المنطقة، إذ أزاحت حليفهم الشاه لصالح حكم اسلامي يدعو أميركا "الشيطان الأكبر".
مباشرة بعد الثورة في إيران عام 1979، بدأت الحرب العراقية الإيرانية عام 1980، والتي دعم الأميركيون فيها والعرب صدام حسين وذلك لاحتواء النظام الاسلامي الجديد واغراقه في حرب مدمرة يعجز معها عن تصدير ثورته الى المنطقة.
- عقد التسعينات
- بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، ودخول صدام حسن الى الكويت، أقام الأميركيون تحالفاً دولياً لتحرير الكويت، ورعوا اتفاقيات سلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين وفرضوا نفوذهم الأوحد في المنطقة، وطبقوا سياسة "الاحتواء المزدوج" لكل من العراق وإيران.
عاشت المنطقة خلال عقد التسعينات مرحلة استقرار نسبي، عبر التفرد الأميركي بالهيمنة الاقليمية.
- بعد 11 ايلول 2011
حصلت احداث 11 ايلول / سبتمبر الارهابية والتي ضربت برجي التجارة العالمية في نيويورك، فاعلن الأميركيون استراتيجية "الحرب على الإرهاب" التي كان نتيجتها حربي افغانستان 2001 والعراق 2003.
أدّت الحرب على الارهاب وسقوط نظام طالبان وصدام حسين الى فك عزلة ايران، وخروجها من سياسة الاحتواء الأميركية التي كانت مفروضة عليها لأكثر من عقدين من الزمن.
حوّل الايرانيون التهديد الأميركي – عبر التواجد في بلدين مجاورين- الى فرصة لتكريس وتوسيع نفوذهم الاقليمي، لكنها أدّت ايضاً الى تسعير الصراع السنّي الشيعي، عبر التخويف مما سمي " تشكّل الهلال الشيعي" بعدها .
مرحلة الربيع العربي
حاول الرئيس الأميركي باراك اوباما، خلط الأوراق مجدداً في الشرق الأوسط عبر دعم الثورات العربية التي تحوّلت في جزء منها الى صراع سنّي سنّي، ومحاولة لمدّ النفوذ التركي في أنحاء العالم العربي من المحيط الى الخليج.
مع بداية الربيع العربي، لاقت إيران التطورات بترحيب فأطلقت على تلك الثورات اسم "الصحوة الاسلامية"، واعتبرت أن "مبادئ الثورة الاسلامية" تنتشر في أرجاء العالم العربي.
لكن سرعان ما تبين لكل من إيران وحزب الله في لبنان، أن وصول الربيع العربي الى سوريا سوف يهدد محور المقاومة، وستستفيد اسرائيل من سقوط النظام في سوريا لعزل المقاومة في لبنان وقطع التواصل بينها وبين عمقها الاستراتيجي وصولاً الى العراق وايران.
الشرق الأوسط الجديد
شكّل عام 2024 عاماً مفصلياً لمحور المقاومة، حيث تلقى ضربات كبرى تجلّت في الابادة في غزة، ثم "مجزرة البايجر" وصولاً الى اغتيال السيد حسن نصرالله وقادة حزب الله، وبعدها سقوط النظام في سوريا.
وعليه، يبدو أننا قادمون الى مرحلة جديدة كلياً في المنطقة، بدأت بعض ملامحها الدولية بالظهور، حيث ستكون الهيمنة الأميركية في المنطقة طاغية، وأقرب الى مرحلة التسعينات من القرن العشرين.
لكن التوازنات الاقليمية وخريطة النفوذ الإقليمي ما زالت تحتاج الى وقت للتبلور، خاصة أنها سترتبط الى حدٍ بعيد بمسار المفاوضات الأميركية الايرانية خلال عهد ترامب، ومستقبل المشهد السوري، والتطورات داخل اسرائيل بعد انتهاء الحرب ومدى قدرة نتنياهو واليمين المتطرف على الاحتفاظ بالسلطة.