الثنائي ترامب وبوتين.. بين السعودية وتركيا

تحالف ترامب مع محمد بن سلمان واحتمالات التطبيع بين الرياض و "تل أبيب" ستكون لهما انعكاسات مثيرة على مجمل المعادلات الإقليمية.

0:00
  • اللقاء الوزاري الأميركي - الروسي كان الرئيس إردوغان يتمنّى له أن يكون في إسطنبول.
    اللقاء الوزاري الأميركي - الروسي كان الرئيس إردوغان يتمنّى له أن يكون في إسطنبول.

في الوقت الذي كان وزير الخارجية الروسي لافروف يلتقي نظيره الأميركي روبيو في قصر الدرعية بالرياض، كان الرئيس إردوغان في لقائه المطوّل مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي، الذي هدّده وتوعّده ترامب وقال عنه إنه فقد شرعيّته، واتهمه بالسرقة ونهب المساعدات الأميركية.

اللقاء الوزاري الأميركي - الروسي كان الرئيس إردوغان يتمنّى له أن يكون في إسطنبول لما له من علاقة وطيدة مع الرئيس بوتين على الصعيدين الشخصي والرسمي، كما أنّ تركيا هي الدولة الإسلامية الوحيدة داخل الحلف الأطلسي منذ 75 عاماً، وفيها العشرات من القواعد الأطلسية والأميركية.

ومع انتظار لقاء القمة القريب بين بوتين وترامب، في الرياض أيضاً، وفق كلام ترامب، تتحدّث المعلومات عن مساعي الرئيس إردوغان للحصول على دعوة رسمية له من البيت الأبيض؛ لوضع النقاط على الحروف في المسار المستقبلي لعلاقاته مع الرئيس ترامب، إذ يتمنّى إردوغان أن يدعمه على صعيد السياسة الداخلية والخارجية، خصوصاً بعد انتصاره في سوريا وإطاحة الرئيس الأسد.

وهو ما لم يكن كافياً بالنسبة إلى ترامب كي يرجّح تركيا على السعودية وولي عهدها محمد بن سلمان، الذي حظي بدعم مباشر من ترامب في فترة رئاسته الأولى.

وتجاهل ترامب آنذاك الحملة العالمية ضدّ ابن سلمان بسبب مقتل الصحافي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول عام 2018. فيما شنّ الرئيس إردوغان هجوماً عنيفاً ضد ابن سلمان وحمّله مسؤولية الجريمة التي تجاهلها ترامب مقابل المليارات من الدولارات، التي فتحت شهيّته وسال لعابه من أجلها عندما قال إنه سيقوم بأول زيارة خارجية له إلى السعودية مقابل 500 مليار دولار، ثم زادها إلى ألف مليار دولار.

وكانت كافية بالنسبة إلى ترامب عندما اتفق والرئيس بوتين على أن تكون الرياض مكاناً للقائهما الأول، وهو ما وافق عليه بوتين الذي قد يفكّر في الانتقام من إردوغان؛ بسبب دوره في إطاحة حليفه الاستراتيجي بشار الأسد في دمشق.

ونجح ولي العهد محمد بن سلمان في الاستفادة من تناقضات منافسه وعدوّه التاريخي العثماني التركي إردوغان، كما تفوّق على منافسه الخليجي التقليدي تميم آل ثاني الذي أدّى دور الوساطة بين واشنطن وطالبان قبل عودتها إلى كابول صيف 2021، كما أدّى ولا يزال دور الوساطة بين حماس و "تل أبيب".

وجاء اختيار قصر الدرعيّة مكاناً للقاء لافروف وروبيو بمنزلة الإشارة المهمة من الرياض التي أعلن آل سعود تمرّدهم ضد الدولة العثمانية من هذا القصر عام 1790، وها هم يعلنون تفوّقهم على إردوغان وريث الدولة العثمانية منه، كما يثبتون تفوّقهم على آل ثاني الذي أعلنه الرئيس السابق بايدن في 11 آذار/مارس 2022 حليفاً رئيسياً لأميركا من خارج الحلف الأطلسي بعد أن كشف عن تفاصيل التقرير السري الخاص بجريمة جمال خاشقجي.

تحالف ترامب مع محمد بن سلمان واحتمالات التطبيع بين الرياض و"تل أبيب" ستكون لهما انعكاسات مثيرة على مجمل المعادلات الإقليمية، ويريد ابن سلمان لهذا التحالف أن يحدّ من أهمية  الدور التركي-القطري وثقله،حيث سعى تميم آل ثاني لمواجهته مسبقاً بالزيارة الخاطفة التي قام بها إلى دمشق بعد يوم من إعلان أحمد الشرع نفسه رئيساً لسوريا في 29 كانون الثاني/يناير الماضي.

وجاء اختيار الشرع الرياض كأوّل بلد عربي يزوره محاولة لتحقيق التوازن في علاقاته الإقليمية والدولية، ومن دون أن يتجاهل الدعم التركي والأميركي الذي حظي به، ويفسّر ذلك زيارته إلى أنقرة بعد يوم من زيارته الرياض.

ويعرف الجميع أن الرياض تملك المزيد من الأوراق في منافستها لأنقرة التي تعاني من أزمات اقتصادية ومالية خطيرة، ولا معالجة لها إلا بدعم أنظمة الخليج بعد أن رفضت المؤسسات المالية العالمية والأميركية والأوروبية تقديم أيّ قروض لتركيا بسبب سياساتها الإقليمية والدولية التي تزعج مراكز القوى التقليدية.

وقد ارتاح البعض منها لهذه السياسات التي تريد لها أن تزعج موسكو مستقبلاً عبر علاقات أنقرة مع الجمهوريات الإسلامية ذات الأصل التركي في القوقاز وآسيا الوسطى، والأقليات المسلمة ضمن حدود روسيا الحالية بل وحتى الصين، إذ إن الآلاف من مقاتلي هذه الجمهوريات والأقليات موجودون الآن في دمشق وفي مناصب عسكرية واستخبارية مهمة تؤثّر فيها تركيا بشكل مباشر أو غير مباشر.

وفي جميع الحالات، وأياً كانت حسابات الرئيس ترامب في علاقاته المستقبلية مع الرئيس إردوغان، جاء اتصال بوتين بأحمد الشرع لمواجهة كلّ الاحتمالات في المنطقة، فقد بات واضحاً أنّ الرئيس ترامب يرى في التقارب وربما التحالف مع "تل أبيب" المعيار الرئيسي، إن لم نقل الوحيد، في تعيين شكل التقارب وحجمه من زعماء المنطقة، وفي مقدّمتهم من دون شكّ السعودية وعدوتها التاريخية تركيا بذكرياتها التي يسعى إردوغان لإحيائها عبر الوجود التركي العسكري في سوريا والعراق وليبيا والصومال والسودان وقطر وتشاد ومالي وأذربيجان وبعض دول آسيا الوسطى، وبشكل غير مباشر في دول المنطقة الأخرى.

ويبدو أنّ كلّ ذلك يزعج الرياض التي وعبر تحالفها مع الرئيس ترامب تسعى لإحياء دورها الإقليمي الريادي الذي نجحت الدوحة في اختطاف بعض منه خلال سنوات ما يسمّى بـ "الربيع العربي". وبات واضحاً أن هذا "الربيع" سيكتسب طابعاً جديداً بعد حرب غزة ولبنان وسقوط النظام في دمشق.

وكان الكيان الصهيوني المستفيد الوحيد، عسكرياً وسياسياً ونفسياً، من كلّ هذه التطوّرات التي يريد لها أن تساعده في تنفيذ مخطّطاته ضدّ إيران مروراً بالعراق، وهما جاران لتركيا كما هي الحال مع سوريا، كما أنها الدول الثلاث التي يعيش فيها الكرد.

وتريد أنقرة لهم أن يكونوا ورقتها الرابحة في مساوماتها مع الرياض التي قد يجمعها ترامب مع أنقرة في خندق واحد مع "تل أبيب" وضدّ العدو المشترك للجميع!