التحوّل الإسرائيلي الأميركي في سوريا يقلق تركيا

تشعر أنقرة بالخطر عقب ارتفاع الرغبة الإسرائيلية في تقسيم سوريا على خلفيّة مناصرة الأقليات الدينية والعرقية فيها.

  • أجهضت الطائرات الإسرائيلية محاولة تركيا التموضع وسط سوريا.
    أجهضت الطائرات الإسرائيلية محاولة تركيا التموضع وسط سوريا.

أجهضت الطائرات الإسرائيلية محاولة تركيا التموضع وسط سوريا. وهي ما زالت تحلّق في الأجواء السورية وترسل رسائل تحذير عبر القصف، وتراقب أيّ سلوك يمكن أن تقدم عليه دمشق يكون غير مؤاتٍ لها ويمكنها اعتباره تهديداً، وكانت دمشق طلبت مساعدة في التدريب والتعاون العسكري بما في ذلك الاستشارات وشراء المعدات، بحسب وزارة الدفاع التركية، وقّع وزيرا الدفاع التركي والسوري على "مذكّرة تفاهم مشتركة للتدريب والاستشارات" بسبب التحدّيات الأمنية التي تواجهها دمشق منذ سقوط حكومة بشار الأسد.

الاتفاق هو محاولة لتمكين سوريا من إعادة هيكلة قواتها المسلحة، ونقل الخبرات، والحصول على المعدات اللازمة لبناء جيش حديث قادر على مواجهة التهديدات الداخلية والخارجية على حد سواء. وكانت سوريا قد طلبت رسمياً المساعدة العسكرية من تركيا بعد استهدافها من قبل "إسرائيل" إبّان  العنف الطائفي بين البدو والدروز في السويداء جنوب سوريا وفشلها في معالجة العنف بشكل مناسب.

تجري أنقرة ودمشق محادثات بشأن اتفاق دفاعي أوسع نطاقاً يمكن أن يشمل نشر قوات تركية في ثلاث قواعد سورية رئيسية على الأقل. تتعرّض  السماء السورية الى الانتهاكات، لكنّ صراع النفوذ بينها وبين "إسرائيل" على الأراضي السورية، يمنعان من التصدّي، وكما أنّ المشاريع الإسرائيلية حريصة ألا يفقدها  الوجود العسكري والأمني التركي حرية التجوّل في سماء دمشق وهي تقف حائلاً دون تنفيذ  الاتفاقيات بالكامل.

 تتسم علاقة تركيا بـ "إسرائيل" بالتعقيد والتوتر، ولا سيما أنّ الرئيس التركي إردوغان يطلق تصاريح نارية ضد سياسة "إسرائيل" في غزة وسوريا لكن العلاقات الاقتصادية تستمر. تشعر أنقرة بالخطر عقب ارتفاع الرغبة  الإسرائيلية في تقسيم سوريا على خلفية مناصرة الأقليات الدينية والعرقية فيها، وتخشى من تمدّد هذا التقسيم إلى بلادها حيث  التنوّع المذهبي والعرقي المشابه وهي التي راهنت على وحدة سوريا بعد بسط الحكومة الانتقالية سلطتها.

أحداث محافظة السويداء، وردّة الفعل الإسرائيلية حملا أنقرة على رسم صورة واقعية لخطوط الاشتباك مع "تل أبيب"، بعد أن استطاعت "إسرائيل" إقناع السياسة الأميركية بخطواتها في السويداء مع أنّ واشنطن  لا تدعم مطالب الدروز بالحكم الذاتي في السويداء. 

صعّدت "إسرائيل" ضغوطها على الشرع لتسريع الاتفاق وإقامة مناطق منزوعة السلاح على طول حدودها مع سوريا  واحتلال مئات الكيلومترات المربّعة من الأراضي خارج مرتفعات الجولان المحتلة، وهي أنشأت  فعلياً أربع مناطق داخل الأراضي السورية. 

كثّفت "إسرائيل" ضرباتها العسكرية داخل سوريا بشكل ملحوظ لتفكيك ما تبقّى من البنية التحتية العسكرية السورية كما استغلت فراغ السلطة بتوسيع احتلالها للمنطقة العازلة منزوعة السلاح في مرتفعات الجولان، منتهكة بذلك اتفاقية فكّ الاشتباك لعام 1974.

نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري التركي  ناميك تان يطلق وابلاً من الاتتقادات على وزير الخارجية هاكان فيدان الذي يقول إنّ الأمور في سوريا أصبحت صعبة مرة أخرى على الرغم من النظام الجديد بقيادة أحمد شرع، وهو أصعب مما كان عليه في عهد بشار الأسد.

تدرك تركيا خطورة المواجهة مع "إسرائيل" وتحاول أن تحافظ على قدرتها في الحفاظ على مناطق  سيطرتها. اهتمامات أنقرة الرئيسية تتمحور حول أمن حدودها ومعالجة وضع الكرد السوريين. وقد أكدت أنّ أيّ تسوية سلمية ناجحة يجب أن تتناول القضية الكردية وإعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم.

تحتفظ تركيا بقوات في شمال سوريا، وقد نفّذت عمليات عسكرية لتأمين حدودها ضدّ الجماعات الكردية التي تعتبرها تهديداً وهي تسعى  إلى تحقيق مصالحها من خلال التعامل مع الحكومة السورية الجديدة وتسعى إلى توسيع نفوذها الإقليمي وتعزيز مكانتها الجيوسياسية، ولا سيما فيما يتعلّق بوجودها العسكري وسيطرتها على مناطق معيّنة.

ويشمل ذلك الدفع نحو اتفاقية بحرية مع حكومة دمشق الجديدة لتوسيع نطاق مطالبها في شرق البحر الأبيض المتوسط. أصبحت مجالات المشكلات أكثر وضوحاً، بدأت فترة واضحة. تركيا تتحمّل مسؤولية كبيرة هنا ويرى وزير خارجيتها هاكان فيدان أنّ هناك حاجة إلى تعديل جديد في سياسة أنقرة تجاه سوريا.

ما هو موقف الولايات المتحدة 

كانت الولايات المتحدة تُعطي الأولوية لدمج قسد في الحكومة السورية الجديدة للحفاظ على الاستقرار وسلامة الأراضي السورية، ولا ترغب في المخاطرة بتحالفها مع تركيا من خلال دعمها الصريح للحكم الذاتي للكرد أو الدروز.

وهذا ما دفع قوات سوريا الديمقراطية للاندماج مع الجيش السوري الجديد، وُقّعت اتفاقية بهذا الشأن في 10 آذار/مارس 2025 بين قوات سوريا الديمقراطية والحكومة الجديدة.

الموقف الأميركي الرسمي هو دعم سوريا موحّدة ومستقرة، بدلاً من دولة مجزّأة ذات مناطق حكم ذاتي. كان  أحد العناصر المهمة في الشؤون التركية في سوريا في عهد الأسد هو أنّ الفروع السورية لحزب العمال الكردستاني، التي نمت بدعم من الولايات المتحدة، حصلت على الاستقلال على الحدود التركية تحت مسمّى قوات سوريا الديمقراطية أو الحكم الذاتي، كما هو الحال في العراق.

الآن، تمّت إضافة عدوان إسرائيل التوسّعي واستفزاز ليس فقط الكرد، ولكن أيضاً الدروز والعلويين لتقطيع أوصال سوريا، والوعد بالدعم العسكري.

وقد صرّحت قوات سوريا الديمقراطية، التي شجّعها هذا الوضع، علناً أنها لن تلتزم باتفاقية الاندماج، وتحوّلت إلى المطالبة بالحكم الذاتي. كما بدأت سياسة الولايات المتحدة، تتماشى في المنطقة مع أولويات "إسرائيل"، في تغيير لغتها في هذه العملية.

يوضح التصريح الغامض لتوم برّاك، المبعوث الخاص للرئيس الأميركي إلى سوريا وهو السفير أيضاً في أنقرة، بأنّ "التنوّع الثقافي، إن لم يكن الفيدرالية"، هو التحوّل المستجدّ. ويتمّ نقل زعيم قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي إلى دمشق بواسطة طائرات هليكوبتر أميركية للقاء الشرع ومسؤولين آخرين.

كذلك تعبر القوات الأميركية من قاعدة عين الأسد في غرب العراق بهدف تعزيز وجود القوات الأميركية. تخشى تركيا أن ينعكس الأمر على مشروع تركيا بلا إرهاب بعد أن طالب حزب العمال الكردستاني حزب ديمقراطية الشعوب بإدراج عبد الله أوجلان بعد إطلاق سراحه في اللجنة التي أنشئت في الجمعية الوطنية الكبرى لتركيا، والتي أطلق عليها اسم "التضامن الوطني والأخوة والديمقراطية" وكان وزير الخارجية ورئيس الأركان غولر قد اعترضا على عدم تسليم كلّ الوحدات في حزب العمال الكردستاني سلاحها يبدو أننا أمام تراجع تركيا عن مشروعها.

واشنطن تحاول أن تمسك العصا، ستكون في نهاية المطاف الحكم في هذا الصراع بحيث ترسم المدى الحيوي للنفوذ التركي - الأطلسي في شمال وشمال غرب سوريا، وتحفظ لـ "إسرائيل" نفوذها في الجنوب السوري الذي سيصبح منزوع السلاح بالكامل بناء على الرغبة الإسرائيلية، وهي تطالب الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع بتوقيع اتفاق أمني سوري إسرائيلي تجهّز لتوقيعه على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في 25 أيلول/سبتمبر بعد خطاب الرئيس الشرع أمام الجمعية، وبالتالي يتمّ تحقيق نوع من الإنجاز الأميركي إلى حد كبير، بينما يسعى الشرع إلى الحصول على الشرعية القانونية والاعتراف الدولي بسلطته كرئيس للدولة السورية. 

ما هو رأي السعودية؟

تنافس السعودية على تشكيل سوريا ما بعد الأسد، تعتبر الإطاحة، ببشار الأسد، فوزاً استراتيجياً للمملكة العربية السعودية، وتعتبره فرصة لاستعادة النفوذ الإقليمي واحتواء إيران.

دعمت الرياض المعارضة السورية في بداية الحراك، وتعتبر موقف الحكومة الانتقالية الجديدة المناهض لإيران تطوّراً إيجابياً بالنسبة لها. وقد استبعدت السعودية إيران وروسيا من المحادثات الدبلوماسية التي قادتها بشأن سوريا.

تنظر المملكة إلى إيران باعتبارها التهديد الرئيسي،وتشعر بالقلق من النفوذ التركي المتزايد وتهدف إلى موازنة نفوذ أنقرة من خلال الاستفادة من قوتها الدبلوماسية والمالية. تستغلّ التنمية الاقتصادية من أجل دعم الاستقرار الإقليمي لكنها قلقة من تجزئة سوريا وتعهّدت بتقديم مساعدات كبيرة لإعادة الإعمار لضمان استقرار الحكومة الجديد، تهدف الرياض إلى إعادة تأكيد نفسها كلاعب إقليمي محوري وتجنّب دور سلبي مماثل لتجربة العراق بعد عام 2003، حيث وسّعت إيران نفوذها. وتعتبر موقف الحكومة الانتقالية الجديدة المناهض لإيران تطوّراً إيجابياً.

 تسعى السعودية إلى تحفيز اتفاق بين "إسرائيل" وسوريا. من الواضح أنّ تركيا ليست منحازة إلى الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية على الطريق نحو اتفاق بين "إسرائيل" وسوريا، لكنها شجّعت واشنطن والرياض على إقامة نظام إقليمي يتضمّن التعاون مع "إسرائيل"، في حين تسعى الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى إقامة نظام إقليمي يضمّ "إسرائيل" وتركيا ودول الخليج، لكن تفتقر هذه التحالفات إلى التنسيق المتماسك بسبب المصالح المتضاربة.