الإضرابات المفتوحة وكسر قيد الاعتقال الإداريّ

رغم أنَّ المعركة في غاية القسوة والألم، فإنّ الرضا بالذلّ والهوان أشد قسوةً، فنحن أمام أشخاص جبلت أرواحهم بالحرية، فلم يرضَ أحد منهم أن تطاله ماكينة العذاب الصهيونية من دون أن يقاومها.

  • الإضرابات المفتوحة وكسر قيد الاعتقال الإداريّ؟!
    لماذا لا تتحرك الفعاليات للوقوف مع الأسير المضرب عن الطعام إلا بعد أن يقترب من حافة الموت؟

أقام نادي الأسير الفلسطيني مشكوراً ورشة عمل جمع فيها ثلّة من أصحاب التجارب في الاعتقال الإداري والإضرابات المفتوحة عن الطعام، والتي خاضوها بشكل نخبوي أو فردي، وكان الهدف هو التفكير الجماعي في طريقة كسر هذا الاعتقال اللعين، إذ لا يخفى عن أحد خطورة هذا النوع من الاعتقالات، وهو يستهدف النّشاط السياسيّ والاجتماعي والثقافي في المجتمع الفلسطيني، من خلال سيف الاعتقال الإداري المسلّط على رقبة كلّ ناشط في الشأن العام، ما من شأنه أن يشكّل إرهاباً وفزاعة لكل من يريد أن يسهم في أيّ نشاط عام.

كنّا في حضرة أبطال حقيقيين في لحظة زمنيّة صعبة، قرّر كلّ واحد فيهم أن يكون قعقاع عصره بالمعنى الّذي قاله رسول الله: "لا يهزم جيش فيه القعقاع"، وأن ينتصر بمفرده على جيش قوامه مصلحة السجون الخبيثة والمزوّدة بأجهزة القمع وأدوات التدمير النفسي كافة، والأمن الإسرائيلي بكل أجهزته وتشكيلاته وخبراته، والحكومة الإسرائيلية التي تستنفر وتنزل إلى المعركة بكلّ ثقلها، وخصوصاً إذا ما وصل الإضراب إلى حالة تحريض كبيرة للشارع الفلسطيني، وأصبحت تقديراتهم تشير إلى أنَّ هناك ارتفاعاً في نسبة المخاطر على أمن جمهورهم!

وكان من أهمّ ما قاله أصحاب التّجارب، وخصوصاً الإضرابات التي سمّيت فردية، إنَّ المضرب، وإن كان وحده، إلا أنَّ النفع يعود على الجميع، وخصوصاً المعتقلين الإداريين، وما دفعهم إلى خوض هذه المعركة بمفردهم هو تعذّر الإضراب الجماعي، وحالة الظلم والقهر التي وصلت إلى درجة استحال فيها أن يبقى من تقع عليه السياط مكتوف اليدين.

ورغم أنَّ المعركة في غاية القسوة والألم، فإنّ الرضا بالذلّ والهوان أشد قسوةً وألماً، فنحن أمام شخصيات جبلت أرواحها بالحرية والكرامة وكل القيم التي تحترم الإنسان، فلم يرضَ أحد منهم أن تطاله ماكينة العذاب الصهيونية المهينة من دون أن يقاومها.

وقد قرروا الانتصار عليها، وهو ما حصل بالفعل، كما أجمعوا على هزلية المحاكم العسكرية التي يُعرض عليها المعتقل الإداري وضرورة العمل على مقاطعتها بشكل حاسم وقاطع، وعاتب بعضهم الإعلام المحلّي والجهود الفلسطينية على الصعيد العالمي...

ومما أكّده مدير مؤسّسة "الحقّ" شعوان جبارين أنَّ المجتمع الدولي متضامن مع القضية الفلسطينية وجاهز للتحرّك معنا، وخصوصاً بعد العدوان الأخير على غزّة، وأن صورة "دولة" الاحتلال في الزاوية وقريبة من نظام الأبرتهايد العنصري، ولا بدّ من تركيز الربط بينهما.

وكان مما طُرح أيضاً: لماذا لا تتحرك الفعاليات للوقوف مع الأسير المضرب إلا بعد أن يقترب من حافة الموت؟ ولماذا تقتصر هذه الفعاليات أحياناً على أهله أو فصيله والمقرّبين منه، رغم أن القضية عامة، ورغم أن الذي يقودها فرد أو مجموعة من الأسرى المضربين؟

وهنا، لا بدّ من أن نؤكّد أن الأسرى الفلسطينيين يقاتلون على عدة جبهات، وكلّها متّصلة بعضها ببعض من حيث التأثير والتداخل، من الجبهة الإعلامية، وجبهة حركة الشارع الفلسطيني، والجبهة الدولية، إلى جبهة المعتقلين مع سجانهم داخل السجن، وجبهة ثقافة المجتمع والمنسوب الثوري الَّذي يعلو ويهبط وفق الظروف السّياسية.

ولا بدّ من العمل على المدى البعيد على هذه الثقافة، لتؤتي أكلها، حين تكون ثمة حاجة لحركة الجماهير، فهي لا تتحرّك بكبسة زر، بل إنها نتاج عمل دؤوب مستمرّ، وهي مربط الفرس في الحراك كلّه، فإن لم يتحرّك الشارع الفلسطيني، فكيف يتحرّك الشّارع العربيّ والدوليّ؟ وكيف يتحرّك الإعلام؟ وكيف يستمر الأسرى من دون هذه الرئة التي يتنفّس نضالهم منها؟ 

على سبيل المثال، تتحرّك الآلاف المؤلفة من الناس لأداء صلواتهم كواجب ديني، فلماذا لا ينجح الأئمة في تحريك أكبر عدد منهم لأداء واجب دينيّ آخر، وهو الخروج في مسيرة تستهدف إنقاذ إخوة لهم مضربين عن الطعام في زنازين القهر والعذاب؟ 

هذا الأمر يحتاج إلى تواصل وتوعية للأئمة وكلّ من يعمل في الشأن العامّ من الناس بخصوص المعتقلين، وتعزيز الإنتاج الإعلامي والفني. ما زال من يقود هذا العمل في عالم الكلمات والبيانات الارتجالية التي لا تكلّف شيئاً، كما أن دخول العالم الرقمي ومواقع التواصل الإلكتروني يحتاج إلى محتوى فنّي قويّ قادر على التأثير.

إنَّ فكرة اجتماع هذه الثلّة التي خاض كل واحد منها المعركة وحده، وكان فيها جبلاً وقعقاعاً وجيشاً بأكمله كانت فكرة رائعة ورائدة، ويمكن البناء عليها للوصول إلى خطّة ناجحة يتوقّف فيها الاعتقال الإداري أو على الأقلّ يتقلّص إلى أكبر حدّ ممكن.