اتفاقيات شراكة أوسع بين طهران وموسكو.. ورسائل سياسية عابرة للقارات

الولايات المتحدة تخشى أن يؤدّي التعاون بين الدول التي تغرّد خارج مجال هيمنتها إلى ظهور نظام عالمي متعدّد الأقطاب يُضعف قدرتها على فرض سياساتها دولياً ويجعلها تواجه منافسة شديدة.

  • الرسائل المرتقبة من اتفاق الشراكة بين إيران وروسيا.
    الرسائل المرتقبة من اتفاق الشراكة بين إيران وروسيا.

تستعدّ إيران وروسيا لتوقيع اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة تستمرّ إلى عقدين، تهدف إلى تعزيز التعاون بين القُطبين الآسيويين في مجالات متعددة، تشمل مختلف النواحي الاقتصادية من التجارة التبادلية إلى الطاقة، إلى جانب النواحي العسكرية فيما يتعلق بمجالات الدفاع ومكافحة الإرهاب.

ويتمّ التوقيع على الاتفاقية خلال زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى موسكو للقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين في 17/1/2025، ومن المتوقّع أن تحلّ هذه الاتفاقية محلّ الاتفاق الحالي الذي تمّ توقيعه بين البلدين خلال عام 2001، وقد تمّ تمديده تلقائياً في عام 2020 لمدة خمس سنوات. 

ورغم تأكيد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنّ "الاتفاقية ليست موجّهة ضدّ أيّ دولة أخرى، وإنما تهدف إلى ضمان أمن البلدين وتعزيز قدراتهما في مختلف المجالات"، إلا أنّ دولاً أوروبية أعلنت احتجاجها مسبقاً على أي شكل من أشكال التعاون العسكري بين البلدين، خاصة في ظل المزاعم التي تتعلق باستخدام القوات الروسية للطائرات المسيّرة الإيرانية في الحرب الأوكرانية التي تقترب من دخول عامها الثالث.

وتسعى العواصم الغربية بشكلٍ متواصل للتصعيد من استخدام وسائل الضغط السياسية والاقتصادية كافة على دولٍ مثل إيران وروسيا والصين، لمنعها من تشييد جسور للعمل المشترك، بهدف الحيلولة دون تشكيل تحالفات أممية تكون لديها إمكانيات أوسع تؤهّلها لتحدّي الهيمنة الخارجية، فتشكيل اتحاد بين روسيا التي تمتلك موارد طبيعية هائلة، بالإضافة إلى القوة عسكرية، وبين الصين التي تُعدّ ثاني أكبر اقتصاد عالمي ولديها قدرة غير مسبوقة على التأثير التجاري، وبين إيران التي تتمتع بموقع استراتيجي يربط الشرق الأوسط بآسيا ونفوذ إقليمي هائل، إضافة إلى مواردها النفطية، سيؤدي إلى تكامل اقتصادي وجيوسياسي يعزّز نفوذها، ويُضعف أيّ محاولات خارجية تسعى إلى سلبها حرية قرارها.

المهم أيضاً في اتفاقية الشراكة بين روسيا وإيران أنها تجري بالتزامن مع عودة دونالد ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة، ما يُجسّد رغبة البلدين في تعزيز مواقفهما المشتركة في مواجهة الضغوط الغربية، ما يبعث بالعديد من الرسائل العابرة للقارات وصولاً إلى أميركا الشمالية، مفادها أنّ البلدين لديهما استعداد مُسبق وخطط جاهزة لمواجهة أي شكل من أشكال التصعيد الأميركي، سواء أكان عبر الوسائل الناعمة المتمثلة في العزل السياسي والعقوبات الاقتصادية أو عبر الوسائل الخشنة المتمثلة في المواجهة العسكرية المباشرة أو عبر الوكلاء.

الرسائل المرتقبة من اتفاق الشراكة بين إيران وروسيا

الاتفاقية الاستراتيجية بين طهران وموسكو تحمل حزمة من الرسائل إلى الإدارة الأميركية وعموم العالم الغربي، مفادها أن البلدين يسعيان لتعزيز التعاون وتشكيل شراكة عميقة لمواجهة الضغوط الغربية والعقوبات. وتشمل الرسائل النقاط الآتية:

1. الحدّ من النفوذ الأميركي:

تُظهر الاتفاقية رغبة البلدين في الحدّ من المحاولات الأميركية المتكررة للتدخّل السياسي والاقتصادي، وذلك من خلال تعزيز سبل التعاون كافة.

فهذا النوع من التحالفات يمكن أن يمثّل تحدّياً مباشراً للنظام العالمي القائم على القواعد التي وضعتها الولايات المتحدة وحلفاؤها بعد الحرب الباردة، مما يُضعف النفوذ الأميركي في السياسة الدولية.

2. تعزيز التحالفات الإقليمية:

الاتفاقية تؤكد أنّ البلدين يعملان على توسيع نفوذهما في الشرق الأوسط وعموم آسيا، مما يشير إلى تحدٍ للنظام العالمي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة.

كذلك ثمّة تحدّيات إقليمية تتعلّق بنشاط بعض المجموعات المتطرفة في وسط آسيا، والتي تعمل لخدمة أهداف أميركية عبر إدارة محلية، وهو ما يستدعي تنسيقاً عالي المستوى بين طهران وموسكو للتصدّي لهذا النوع من المخاطر.

3. الردّ على الحصار السياسي:

التعاون الوثيق بين حكومتي البلدين يمثّل رداً على الجهود الأميركية لعزل إيران وروسيا عن الساحة الدولية، على هذا الأساس يمكن القول بأن الاتفاقية تعكس توجّهاً عملياً نحو بناء نظام عالمي متعدد الأقطاب.

4. التوسّع في التعاون العسكري:

في ظلّ ما تضمّنته الاتفاقية من جوانب تتعلّق بالتعاون الدفاعي بين البلدين، يمكن أن تكون هذه الاتفاقية رسالة إلى واشنطن بشأن التزام إيران وروسيا بدعم قدراتهما العسكرية، رغم الاحتجاجات الغربية.

5. تحدٍ للهيمنة الأميركية والتفاف على العقوبات:

الاتفاقية تؤكّد أنّ الدولتين تعملان معاً لبناء علاقات استراتيجية طويلة الأمد تعزّز موقفيهما ضدّ محاولات الولايات المتحدة فرض أجندتها على الساحة الدولية.

وسواء أكانت إيران أو روسيا، فإنّ الدولتين تخضعان لعقوبات أميركية مشدّدة، وتعاونهما يمكن أن يساعدهما في الالتفاف على تلك العقوبات وتخفيف تأثيرها، مما يُفقد واشنطن أداة رئيسية للضغط.

6. تأثير في الطاقة العالمية:

روسيا وإيران من أكبر منتجي النفط والغاز. والتنسيق بينهما يمكن أن يعيد تشكيل أسواق الطاقة العالمية ويؤثّر على سياسات الطاقة الأميركية وحلفائها.

7. دعم الأنظمة المعارضة للولايات المتحدة:

عقد الاتفاقات من هذا المستوى الاستراتيجي يمكن أن يدعم الأنظمة والدول التي تعارض السياسات الأميركية، مما يُعزّز المحور المناهض للولايات المتحدة عالمياً.

8.  إضعاف الحلفاء الإقليميين:

وجود تحالف قوي بين هذه الدول قد يُضعف الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة مثل "إسرائيل"، اليابان، كوريا الجنوبية، وبعض الأنظمة العربية الخليجية، مما يزيد من تعقيد المصالح الأميركية في تلك المناطق.

خشية واشنطن من تشكيل تحالفات مضادة

تحدّث الزعماء الأميركيون عبر التاريخ عن قلقهم من تحالف دول العالم الثاني والثالث ضدّ الولايات المتحدة، سواء في سياق الحرب الباردة ما قبل سقوط الاتحاد السوفياتي، وحتى اليوم في سياق صعود عدد من الأقطاب الدولية والإقليمية، وقد أظهرت السياسات الأميركية دوماً أنّ البيت الأبيض كان لديه وعي حقيقي بأن تكتّل خصومه في جبهة واحدة وعقد الاتفاقات التي ترسّخ ذلك، هو حكم بإعدام الهيمنة الأميركية، سواء أكان من خلال الانحياز إلى قوى منافسة مثل الاتحاد السوفياتي سابقاً أو إيران والصين وروسيا حالياً.

فإعلان الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، مطلع سبعينيات القرن الماضي، عن أنّ "انضمام الدول النامية إلى المعسكر السوفياتي، يعني أنّ الهيمنة الغربية أصبحت في خطر"، وكذا تصريحات وزير الخارجية هنري كيسنجر  في الفترة ذاتها عن أنّ "العالم الثالث ليس مكاناً ليقف ضدّنا، بل لتطويره بما يتماشى مع النظام الدولي"، تتساوى شكلاً وموضوعاً مع تصريحات جو بايدن اليوم بخصوص عدم وقوف بلاده "مكتوفة الأيدي" في مواجهة تحالف الصين وروسيا وإيران، لأنه يعكس، باعتقاده، تحدّي النظام العالمي الذي قامت واشنطن ببنائه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

وإجمالاً فإنّ الولايات المتحدة تخشى أن يؤدّي التعاون بين الدول التي تغرّد خارج مجال هيمنتها إلى ظهور نظام عالمي متعدّد الأقطاب يُضعف قدرتها على فرض سياساتها دولياً ويجعلها تواجه منافسة شديدة في المجالات الاقتصادية، العسكرية، والسياسية، ومن المؤكّد أنّ اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين إيران وروسيا تُظهر إصرار البلدين على مواجهة التحدّيات المشتركة وتطوير بدائل استراتيجية، مما يشير إلى أنّ التحالف بينهما سيكون عاملاً رئيسياً في تشكيل ديناميكيات السياسة الدولية المقبلة.

ومن المؤكّد أن البيت الأبيض تحت قيادة دونالد ترامب سيكون لديه العديد من المخططات لإفشال أيّ محاولة لعقد ذلك المثال من الاتفاقات التي تمثّل أساساً لتشكيل تحالف مضاد للنفوذ الأميركي، وستشمل تلك المخططات مزيجاً من الضغوط الاقتصادية والتحرّكات الدبلوماسية وتعزيز التحالفات الإقليمية، فمن المحتمل أن تتوسّع واشنطن في فرض العقوبات التي تستهدف القطاعات الأساسية، مثل الطاقة والتكنولوجيا العسكرية.

كما ستسعى الإدارة الأميركية إلى تعزيز العزلة المالية من خلال استهداف البنوك والمؤسسات التي تسهّل التعاون بين البلدين، وستحاول واشنطن زيادة الدعم العسكري والسياسي لدول آسيا الوسطى التي قد تتأثّر من الاتفاق الإيراني-الروسي، بالإضافة إلى تعزيز الحضور في منطقة الشرق الأوسط، ومن الوارد أيضاً إعادة استخدام ورقة حقوق الإنسان، وإثارة الملفات المتعلّقة بها. لكنّ نجاح تلك الجهود مرهون بصمود طهران وموسكو، وقدرتهما معاً على خلق البدائل وجذب الأنصار واختراق محاولات عزلهما سياسياً أو إعلامياً أو اقتصادياً.