إعادة تركيب السلطة في سوريا بين البنتاغون وإردوغان
لا يزال التناقض في بيانات وزارة الخارجية الأميركية والبنتاغون ومستشار الأمن القومي في البيت الأبيض تشير إلى استمرار الدعم لقوات سوريا الديمقراطية، وإلى المخاوف الأمنية المشروعة لتركيا في الوقت نفسه.
أعرب الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يستعدّ لتولّي منصبه في العشرين من كانون الثاني/يناير، عن إحجامه عن الانخراط في سوريا، بالقول "ليس لدينا ما نفعله (في سوريا)"، وهو قال إنه يريد انتهاج سياسات أكثر إيجابية تتجنّب خلق تعقيدات إضافية للولايات المتحدة وسوريا وتركيا لأنّ هناك العديد من السيناريوهات التي تتمثّل بالقلق من الفرض المحتمل للأيديولوجية السلفية المتشدّدة على الهياكل السياسية والاجتماعية في سوريا، وخطر تحوّل الأقليات (الكرد والدروز والعلويين) إلى نقاط محورية للتفتت الإقليمي، ولا سيما أنّ التركيز الإسرائيلي الأخير ينصبّ على حماية الأقليات، وخاصة فيما يتصل بالكرد والدروز، بما له من أهمية استراتيجية، إضافة الى خطر عودة سوريا إلى الفوضى والصراع الأهلي.
تحدّى الجيش الأميركي ترامب بهذا الشأن، يقاوم البنتاغون دونالد ترامب حيث كشف المتحدّث باسم البنتاغون بات رايدر أنّ أعداد القوات الأميركية في سوريا وصلت إلى 2000 - أكثر من ضعف العدد الذي تمّ الإبلاغ عنه سابقاً وهو 900.
أثار هذا الإعلان المخاوف في أنقرة ـ والأمر اللافت أنه أشار إلى أنهم "علموا" للتوّ بزيادة القوات. ركّز ترامب في الحديث عن الانسحاب من سوريا على النفوذ التركي في المنطقة، مما حمل البنتاغون على إصدار "تحديث". وكشف أن القيادة المركزية الأميركية في قطر رفعت مستويات القوات إلى 2000 من دون إشعار مسبق.
تعمل القيادة المركزية الأميركية كقوة هائلة مقرّها قطر، وتشرف على منطقة شاسعة تبلغ مساحتها 4 ملايين كيلومتر مربّع وتمتدّ على 21 دولة من مصر إلى كازاخستان وباكستان ــ
وتتحكّم في الأساس في أهم ممرات إنتاج الطاقة والنقل في العالم. وكما يعمل البنتاغون كدولة شبه تابعة للحكومة الأميركية، تعمل القيادة المركزية الأميركية كقوة مستقلة داخل المؤسسة العسكرية، وتمارس نفوذها في مختلف أنحاء الشرق الأوسط كأقطاعي القرون الوسطى وتنبع قوتها إلى حد كبير من صناعة الأسلحة ومصالح جماعات الضغط في مجال الطاقة.
ومع أن حكومة حزب العدالة والتنمية استطاعت البروز كلاعب رئيسي في الشؤون السورية. يتطلّع المجتمع الدولي بشكل متزايد إلى ضرورة أن تؤدّي تركيا دوراً حاسماً في دعم التحوّل السياسي في سوريا، وتسهيل إعادة الإعمار، ومنع ظهور "داعش" من جديد، وإدارة عودة اللاجئين.
لا تزال قسد مشكلة تركية أميركية
يريدون الأميركيون فتح جبهة في شرق الفرات مع قسد فهي أداة يمكن استعمالها ضدّ هيئة تحرير الشام حين يحين الوقت. أما المجلس الوطني الكردي السوري الذي يفترض به جمع الكرد، فهو يقع على مقربة من جهاز الاستخبارات التركية، ولم يستجب لدعوة مظلوم عبدي للوحدة الكردية إنما وضع أمام عبدي شروطاً، أهمها مغادرة المناطق العربية مثل منبج والرقة، واعتبار نفسه متكلّماً باسم الكرد والتبرّؤ من حزب العمال الكردستاني وإخراج كوادر حزب العمال من"روج آفا " والتأكيد أنه ليس لديه عداء مع تركيا.
أظهرت تركيا التي زادت حشدها العسكري في شرق المدينة وغربها أنّ كوباني يمكن أن تكون الهدف بعد منبج. قدّم القائد العسكري مظلوم عبدي خلال المفاوضات بعض الاقتراحات. وعرض نقل قبر سليمان شاه إلى موقعه القديم مقابل وقف دائم لإطلاق النار، لم يتمّ قبول عرضه.
من الواضح أنّ تركيا تريد إنشاء قاعدة عسكرية حول الضريح. اقترح عبدي إنشاء منطقة منزوعة السلاح في مدينة كوباني مع إعادة توزيع القوات الأمنية تحت إشراف ووجود الولايات المتحدة لكن تركيا تريد منه الانسحاب من المدينة.
أرسل ممثّلو الإدارة الذاتية رسالة إلى ترامب وطلبوا منه الضغط على إردوغان. أصدر السيناتور ليندسي جراهام وكريس فان هولين اقتراح دعم مظلوم عبدي ووقف إطلاق النار وإلا ستتمّ معاقبة تركيا من الحزبين وهذا يعني تعليق تركيا احتلال كوباني ووقف إطلاق تركيا النار.
لا يزال التناقض في بيانات وزارة الخارجية الأميركية والبنتاغون ومستشار الأمن القومي في البيت الأبيض تشير إلى استمرار الدعم لقوات سوريا الديمقراطية، والى المخاوف الأمنية المشروعة لتركيا في الوقت نفسه.
إن القيادة المركزية الأميركية هي التي تتعاون مع قوات سوريا الديمقراطية، التي كان عمودها الفقري هو فرع حزب العمال الكردستاني السوري، وحدات حماية الشعب/حزب الاتحاد الديمقراطي، على مدى السنوات العشر الماضية، كقوة مشاة ضد "داعش"، بينما حافظت أيضاً على السيطرة على مناطق النفط السورية.
عندما خاض ترامب حملته الانتخابية على أساس الانسحاب من سوريا، أبدت القيادة المركزية الأميركية والبنتاغون معارضتهما. وفي نهاية المطاف، ساد موقف القيادة المركزية الأميركية على موقف الرئيس، وتضاعف الوجود العسكري الأميركي في سوريا من نحو 400 جندي إلى 800-900 جندي. والآن أعلنت أن هذا العدد وصل إلى 2000 جندي ــ حصل الأمر قبل سقوط الأسد الذي كانت تتوقّعه القيادة المركزية.
معظم أهداف الأميركيين الرئيسية في سوريا تحقّقت، أما باقي التعديلات فهم يريدونها بالتعاون مع أنقرة. تقول أنقرة إن الضغط العسكري التركي سيستمر حتى تنفيذ خطة وزير الخارجية هاكان فيدان لتعزيز يد القوات المتحالفة الموالية على طاولة المفاوضات في دمشق وانتشار الجيش الوطني.
وبينما كانت وسائل الإعلام الدولية تغطي استقبال الجولاني لفيدان، كان وزير الدفاع جولر يعقد مباحثات مع قادته في كيليس على طول الحدود السورية، لمناقشة خطط العمليات المحتملة. وكانت رسالته تعكس تصريح فيدان في دمشق: تركيا مستعدة للتعاون مع القيادة الجديدة في دمشق بشرط واحد - إزالة حزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب من منطقة الحدود.
إن القوة الوحيدة التي يُنظر إليها على أنها قادرة على ردع تركيا عن القيام بذلك هي حليفتها في حلف شمال الأطلسي، الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن الحاجة الأساسية لحلف شمال الأطلسي لتركيا لا تكمن في سوريا بل في الصراع الروسي الأوكراني.
إعلان وزارة الدفاع الأميركية عن زيادة أعداد القوات من 900 إلى 2000، هو تأكيد غياب خطط الانسحاب وقد يخدم هذا في طمأنة قوات سوريا الديمقراطية، التي تراجعت عن موقفها بشأن "المنطقة منزوعة السلاح" بعد إزالة ألواح الجدار الحدودي بالقرب من عين العرب (كوباني)..
إردوغان والتحدّيات المقبلة
من أصعب التحدّيات التي يمكن لإردوغان وتركيا مواجهتها هو تعنّت البنتاغون في حلّ قوات قسد وهي ليست المرة الأولى التي يتصدّى لهذا الموضوع، فلطالما اقترحت إدارة بايدن على إردوغان أن يتوافق مع قسد ضد النظام في سوريا وأن ينفتح على كرد تركيا ويحلّ المسألة الكردية، إلا أن إردوغان طالب حزب العمال الكردستاني بحلّ نفسه وبأن يخرج مقاتليه من جبال قنديل حيث هم موجودون ومن سوريا أيضاً، فما لا تريد تركيا رؤيته هو حكم ذاتي كردي في سوريا ينعكس وجوده على الداخل التركي .
أما الأصعب الذي ستواجهه سوريا فبدأ للتوّ. فقد قضت "إسرائيل" على القدرات العسكرية للبلاد تقريباً، واحتلت مرتفعات الجولان والموارد المائية والزراعية المحيطة بها.
سيستضيف الجولاني إردوغان في دمشق قريباً، وهو ما قد يحقّق طموح إردوغان بالصلاة في الجامع الأموي بعد رحيل الأسد. وإذا اختار حضور صلاة الجمعة، فإنّ السابع والعشرين من كانون الأول/ديسمبر سيكون موعد الزيارة، وهو آخر أسبوع من هذه السنة.
فيما أعلن وزير النقل التركي، عبد القادر أورال أوغلو، أنّ بلاده ستقوم بتنفيذ خطة من 5 مراحل، للمساعدة على إعادة إعمار سوريا، تتضمّن إصلاح وتأهيل منشآت النقل البرية والبحرية، بالإضافة إلى المطارات.
تستعجل تركيا الإعمار في سوريا فهي تريد تشغيل شركاتها ودعم اقتصادها المتعثّر وتراهن اليوم على إعادة الإعمار الذي تزيد تكاليفه عن 250 مليار دولار، كما أنّ لديها مشاريع تنعش من خلالها اقتصادها، لكن هل سيعود اللاجئون السوريون في تركيا بشكل سريع كما تتوقّع المعارضة التركية أم أنّ وضع تركيا باعتبارها الوسيط القوي الرئيسي في سوريا يحمل في طياته مخاطرة كامنة تتمثّل في تحمّل المسؤولية عن أيّ تطوّرات سلبية لاحقة تحدث داخل سوريا وتنعكس على تركيا؟