إردوغان وترامب مقايضات أم تفاهمات استراتيجية؟

التغييرات التي أدخلها ترامب إلى جانب نتنياهو عملت في جوهرها على إعادة فلسطين إلى الانتداب بعد قرن من الزمن، وهذه المرة تحت الانتداب البريطاني وتحت السيطرة الأميركية.

0:00
  • فحوى اجتماع ترامب مع إردوغان.
    فحوى اجتماع ترامب مع إردوغان.

ناقش الرئيس التركي رجب طيب إردوغان والرئيس الأميركي ترامب جهود السلام في غزة، والتي تم تقديمها في أواخر سبتمبر 2025.

وكان رئيس الاستخبارات التركي إبراهيم كالين ووزير الخارجية هاكان فيدان قد قدما مطالبهما إلى واشنطن من خلال اتصالات مباشرة ومن خلال السفير الأميركي لدى تركيا توم باراك. ومنها عقوبات كاتسا وخلق بنك تركيا.

وكانت تركيا قد استُبعدت من برنامج إف-35 وفُرضت عليها عقوبات بموجب قانون كاتسا عام 2020 بعد شرائها أنظمة الدفاع الصاروخي الروسية إس-400. ويضغط إردوغان من أجل رفع هذه العقوبات واحتمال عودتها إلى برنامج إف-35. وأشار ترامب إلى أن عقوبات كاتسا "يمكن رفعها فورًا إذا سارت الأمور على ما يرام".

 تتعلق قضية بنك خلق بمزاعم مساعدة البنك المملوك للدولة إيران للتهرب من العقوبات المفروضة عليها. رفضت محكمة استئناف فيدرالية دفاع بنك خلق وطلب الحصانة، وينتظر البنك قرارًا من المحكمة العليا الأميركية بشأن مراجعة هذا الحكم. ويُعتبر حل هذه القضية دفعة قوية للعلاقات الأميركية التركية. 

 أشاد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بقيادة دونالد ترامب بتقديم خطة من 20 نقطة لإنهاء الصراع في غزة. واعتبر أنه إذا استمر اقتراح السلام، فسوف يمنح تركيا نفوذاً كبيراً في الشؤون الفلسطينية وجهود إعادة الإعمار، وكانت قطر قد أعلنت أن تركيا ستنضم إلى محادثات الوساطة في الدوحة لمناقشة الاقتراح مع مسؤولي حماس. وبصفتها حليفاً لحماس، تعتبر مشاركة تركيا مفتاحاً للضغط.

قدّم ترامب مسودة الخطة، التي أعدها ويتكوف بمشاركة قادة مسلمين آخرين، إلى قادة ثماني دول ذات أغلبية مسلمة، بمن فيهم الرئيس إردوغان، في اجتماع عُقد على هامش قمة الأمم المتحدة في 23 سبتمبر/أيلول، حيث جلس معه على المقعد نفسه.

وأوضح إردوغان في رحلة عودته من واشنطن أن القضية نوقشت خلف أبواب مغلقة، ولم تكن أمام وسائل الإعلام، خلال اجتماع إردوغان وترامب في 25 سبتمبر/أيلول، ولكن نتنياهو سيكون له الكلمة الأخيرة.

التغييرات التي أدخلها الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض في 29 سبتمبر/أيلول،  عملت في جوهرها على إعادة فلسطين إلى الانتداب بعد قرن من الزمن، وهذه المرة تحت الانتداب البريطاني وتحت السيطرة الأميركية.

والآن، إذا قبلت حماس اقتراح ترامب، فسيتم إنشاء إدارة في غزة برئاسة رئيس الوزراء البريطاني الأسبق طوني بلير، وتحت إشراف الأمم المتحدة، التي كانت عصبة الأمم  في زمن النكبة الفلسطينية وعلى الحركة قبول الاتفاق وتحت سيطرة نادي مليارديرات العقارات.

أعلنت الخطة مصحوبة بمطالبات نتنياهو إدخال تغييرات تضمن مسؤولية قوة مهام إسلامية للسيطرة على حدود غزة، لكن الأردن و مصر رفضتا أن يكون لديهما جيش خاص بهما منتشر في غزة.  ورغم رفض الدولتين مقترحات نشر قواتهما، فإنهما انخرطتا في جهود دبلوماسية وعرضتا تدريب قوة أمنية فلسطينية جديدة.

ولا يزال الشكل النهائي للقوة الأمنية في غزة وتركيبتها قيد التفاوض، ويخضعان لخطط متنافسة متعددة. بعد موافقة  الرئيس الفلسطيني محمود عباس، تتجه الأنظار نحو حماس. 

فحوى اجتماع ترامب مع إردوغان 

في بداية الاجتماع، أشار الرئيس ترامب إلى أن العقوبات المفروضة على تركيا بسبب شرائها أنظمة دفاعية روسية من طراز S-400 يمكن رفعها إذا سار الاجتماع على ما يرام، وهذا من شأنه أن يفتح الباب أمام تركيا للانضمام مرة أخرى إلى برنامج الطائرات المقاتلة F-35.

أسفر الاجتماع عن إعادة ضبط سياسية للعلاقات، إذ أبدى الرجلان التفاؤل، وناقشا الصفقات المحتملة. أشار ترامب إلى رفع محتمل للحظر المفروض على بيع طائرات مقاتلة من طراز F-35 إلى تركيا. وقد عالج هذا التنازل السبب الرئيس للخلاف، وكان مرتبطاً بامتثال أنقرة للمطالب الأميركية الأخرى. 

قدمت الولايات المتحدة دعماً يتماشى مع أهداف أنقرة طويلة الأجل في سوريا. وقد مكن هذا النهج تركيا كلاعب إقليمي، وكان عاملاً أساسياً لتأمين مشاركتها في مبادرات السلام الأوسع نطاقاً في الشرق الأوسط.

هناك تحول محتمل في الديناميكيات الإقليمية يتفق كلا الزعيمين حول الحاجة إلى تحقيق الاستقرار في سوريا، حيث تسعى تركيا إلى إنهاء الصراع السوري من خلال تسوية سياسية تضعف قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد، التي تعتبرها تهديداً.

تريد إدارة ترامب التقدم من خلال توسيع الاتفاقيات الإبراهيمية واحتواء إيران من خلال شراكات قوية. واعتبر اجتماع البيت الأبيض انتصاراً استراتيجياً لإردوغان، إذ يضفي شرعية دولية على قيادته، وربما يحسن صورته في واشنطن.

ومع ذلك، لاحظ المراقبون أن هناك  العديد من القضايا المثيرة للجدل، بما في ذلك الصراع في غزة وعلاقات تركيا مع روسيا.

لم يتم الإعلان عن اتفاقات نهائية ملموسة، اكتسبت تركيا مزايا دبلوماسية كبيرة، وضمنت مناقشات جادة حول الأولويات الرئيسية. 

كانت أهداف إردوغان الأساسية هي تأمين صفقات عسكرية وتجارية وشراء أسطول من طائرات بوينغ. توقع ترامب تفاؤلاً بشأن هذه القضايا. رفع التعريفات الجمركية على الواردات الأميركية. وقد تم ذلك للمساعدة في إحياء الهدف السابق المتمثل في التجارة السنوية البالغة 100 بليون دولار.

عززت الزيارة تقديم إردوغان كشريك رئيسي على المسرح العالمي، وخصوصاً في ما يتعلق بالصراعات الإسرائيلية الفلسطينية والسورية. وكان الصراع الإيراني أحد مكونات المناقشات، لكن ‏الجزء الأكبر من المحادثات  تركز على تحقيق وقف لإطلاق النار والسلام الدائم في الصراع.‏

وفي 2 أكتوبر، قامت تركيا بتنفيذ عقوبات على إيران من خلال تجميد أصول العديد من الكيانات والأفراد المرتبطين ببرنامجها النووي. وتأتي هذه الخطوة في إطار ضغوط دولية متجددة من الولايات المتحدة والقوى الأوروبية بعد إعادة فرض الأمم المتحدة عقوباتها على طهران من خلال آلية "سناب باك". 

وقع الرئيس رجب طيب إردوغان مرسوماً رئاسياً يستهدف 18 كياناً و20 فرداً مرتبطين بالتطوير النووي الإيراني. تشمل الكيانات الخاضعة للعقوبات منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، وبنك سيباه، والعديد من مراكز الأبحاث، وشركات الشحن والطاقة والإنتاج المختلفة.

يتزامن المرسوم التركي مع موجة جديدة من العقوبات الأميركية، ويأتي بعد تفعيل آلية "سناب باك" التابعة للأمم المتحدة مؤخراً من قبل القوى الأوروبية، والتي أعادت فرض عقوبات الأمم المتحدة التي تم رفعها بموجب الاتفاق النووي مع إيران لعام 2015. 

تُمثل هذه العقوبات الأخيرة تحولاً ملحوظاً في السياسة العامة التركية تجاه إيران. تاريخياً، قاومت تركيا العقوبات الأميركية ضد إيران، ما يُبرز مكانتها كجارة مهمة تربطها بها علاقات تجارية وطيدة. ويشير هذا الإجراء الأخير إلى اصطفاف أنقرة مع حملة ضغط غربية أكثر تنسيقاً ضد طموحات إيران النووية.  

وخلال اجتماعهما في واشنطن في 25 سبتمبر/أيلول، دخلت تركيا فصلًا جديدًا في التوازن بين الطاقة والجيوسياسية. وتُعدّ الاتفاقية بين بوتاش شركة النفط الحكومية والمنتجين الأميركيين للطاقة أكثر من مجرد عقد توريد طويل الأجل؛ بل هي إشارة واضحة إلى عزم تركيا على تقليل اعتمادها على روسيا، وتنويع مصادر الطاقة، وتعزيز استقلاليتها الجيوسياسية.

وتزداد رسالة واشنطن وضوحًا: "قلّصوا، بل وألغوا، وارداتكم من الغاز والنفط الروسيين". من الممكن النظر إلى الطاقة كجزء من معادلة أوسع تشمل الموقع الجيوسياسي، والتغير التكنولوجي، والسيادة الاستراتيجية. أصبحت أداةً استراتيجيةً تُشكل السياسة الخارجية، وتُحدد القدرة التنافسية الصناعية، بل وتُؤثر حتى في مسار الحروب.