كيف تجري عمليتا "الهلال النفطي" وسرت وماذا بعد؟

بدون مؤشرات ميدانية أو إعلامية، بدأ وأنهى "ألجيش الوطني الليبي" عملية عسكرية تحت إسم "البرق الخاطف"، فبسط بساعات معدودة السيطرة على المثلث النفطي وسط البلاد. وبذلك يقلب الجيش مرة أخرى ميزان السيطرة العسكرية والسياسية ويخلط الأوراق الليبية التي كانت قد تعرضت لهزة كبيرة إثر العملية المفاجئة التي قامت بها قوات مصراته وطرابلس في اتجاه مدينة سرت، والتي اُطلق عليها "البنيان المرصوص".

أنهى الجيش الليبي عملية "البرق الخاطف"
مميزات هذه العملية سرّية الإجراءات التي سبقتها، فلم يتم تسريب أي معلومات حول قرب إطلاقها أو حتى بدء التجهيز لها. واستمر الجيش على التأكيد بأن الأولوية الحالية بالنسبة له هي إكمال العمليات في مدينة بنغازي، واستكمال النواقص وعمليات الصيانة التي تخضع لها تشكيلاته العسكرية عموماً وخصوصاً سلاح الجو. وقد استفاد قائد الجيش المشير خليفة حفتر من تدهور العلاقة بين القبائل الليبية في المنطقة الوسطي وقائد حرس المنشآت النفطية براهيم الجضران لذي كانت قواته تسيطر على المثلث النفطي منذ عام 2013. وعلى رأس هذه القبائل تأتي قبيلة "المغاربة" التي ينتمى لها الجضران حيث سحبت هي وقبائل أخرى دعمها له بشكل كامل وطلبت من عناصره عدم قتال الجيش، ما جعل قسماً كبيراً منها يحجم عن قتال القوات المهاجمة استجابة لهذه الدعوة. وهو ما سهّل بشكل كبير عملية السيطرة على المثلث. 

 

 الخطة أشرفت على تنفيذها غُرف العمليات الرئيسية للجيش الليبي ( سرت – أجدابيا – الكرامة)، وكانت "قاعدة بنينا" الجوية شرقي بنغازي هي القاعدة الأساسية لتقديم الدعم الجوي للقوات المهاجمة والتي اعتمدت بشكل رئيسي على الكتيبتين 302 و101. بدأ الهجوم على ثلاثة محاور هي محور ميناء الزويتينة الذي شهد الجانب الأكبر من المعارك، ومحور ميناء السدرة،ومحور ميناء راس لانوف، فتمكنت القوات المهاجمة خلال ساعات قليلة من السيطرة على الموانئ الثلاث، مضافاً اليها ميناء البريقة الذى دخلته دون قتال. شملت المناطق التي تمت السيطرة عليها مطار راس لانوف ومهبط للطائرات يقع غربها بجانب كل مقار الشركات النفطية الموجودة في المنطقة وقيادة قوات الجضران في راس لانوف والكتيبة 46 الموالية له. 

 

حاولت قوات الجضران المنسحبة أن تنفّذ مدعومة بقوات ما يعرف ب "سرايا الدفاع عن بنغازي" المرتبطة بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، هجوماَ معاكساً من ثلاثة محاور جنوباً وغرباً باتجاه السدرة وراس لانوف انطلاقاً من المواقع التي انسحبت اليها في بن جواد وهراوة والنوفلية، الا أن الهجوم فشل ونتج عنه تمدد سيطرة الجيش الوطني إلى المواضع الثلاث لانطلاق الهجوم المعاكس لتنتهي بصورة فعلية أي خطورة ممكن أن تشكلها قوات الجضران التي استسلم عدد كبير من أفرادها الى وحدات الجيش الليبي. 

نتج عن هذه العملية تثبيت الجيش الليبي على كامل المثلث النفطي من الزويتينه واجدابيا شرقاً، إلى بن جواد والسدرة غرباً.واقترب من تحقيق تماس فعلي مع قوات عملية البنيان المرصوص في سرت بعد أن سيطر على مناطق هراوة وأم القنديل وأنشأ خطاً دفاعياً في منطقة الوادي الأحمر الذي يبعد أقل من 70كم شرق سرت، كما سيطر ايضاً على مطار الجفرة جنوب سرت. 

انعكاس التطورات على بنغازي وسرت

"بنغازي باتت نهاية المعارك قريبة جداً في ظل السيطرة الكاملة للجيش على المدينة"
في بنغازي التي يخوض الجيش الليبي فيها منذ شهرين معارك مع خليط من عناصر تنظيم داعش ومجلس شوري ثوار بنغازي، باتت نهاية المعارك قريبة جداً في ظل السيطرة الكاملة للجيش على المدينة، ما عدا مجموعات قليلة محاصرة في نطاق 5كم بمناطق قنفوذة والقوارشة غرب المدينة، ومجموعات أخرى في منطقتي سوق الحوت والصابري. كان لافتاً إعلان بعض المجموعات المسلحة الموجودة في بنغازي الولاء للجيش الليبي من بينها "قوة المهام الخاصة"، وهو ما قد يسرع من وتيرة التقدم الذي يحرزه الجيش. وكانت آخر ملامحه سيطرة الكتيبة 309 على آخر غرفة عمليات لداعش في بنغازي بمنطقة بوضيب.

 

لكن في سرت فما زالت قوات عملية البنيان المرصوص تحاول إنهاء وجود عناصر داعش في المدينة حيث تحاصرهم في منطقة "الجيزة البحرية". نفذت هذه العناصر عملية التفافية في "وادي بي" الذي يقع على بعد 80كم جنوب قرية أبو قرين غرب سرت وسيطرت على بوابة النهر الصناعي وعل مناطق أخري بوادي جارف جنوب غرب المدينة. على الرغم من ان أولوية قوات البنيان المرصوص الميدانية تتعلق بإنهاء تواجد داعش في سرت ،الا أن اقتراب قوات الجيش الليبي من المدينة ربما يضع ضغوطاً متزايدة على القوات الموجودة في سرت وتجعل احتمالية الاشتباك المباشر متزايدة خصوصاً  بعد الغارات التي انطلقت من مصراته واستهدفت قوات الجيش على تخوم الجفرة. 

ردود الفعل على التطورات الميدانية

"المجلس الرئاسي التابع لحكومة الوفاق في طرابلس اعتبر أن العملية التي نفذها الجيش الليبي هي "تصعيد غير مبرر"
المجلس الرئاسي التابع لحكومة الوفاق في طرابلس اعتبر أن العملية التي نفذها الجيش الليبي هي "تصعيد غير مبرر".لكن اللهجة ظلت هادئة في بيانات المجلس في هذا الصدد. واللافت أن رد الفعل في البيان المشترك الذي اصدرته ست دول غربية هي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإيطاليا وألمانيا وإسبانيا وفرنسا وطالبت فيه بشكل صريح بانسحاب الجيش الليبي من المثلث النفطي.
كان هذا البيان غير المسبوق مؤشراً آخراً على حجم الصدى الذي لاقته العملية خارجياً. تعامل الجيش الليبي مع رد الفعل الغربي باستراتيجية هادئة ربما أجهضت ما بدا أنه محاولات جدية للتدخل الغربي المباشر في ليبيا "في ظل توارد أنباء عن وجود قوات ايطالية خاصة في مصراته"، قام الجيش بعد أيام من إحكام سيطرته على المثلث بتسليم المنشآت النفطية بداخله إلى المؤسسة الوطنية للنفط، وأوكل مهمة حماية هذه المنشآت إلى جهاز حرس المنشآت النفطية في المنطقة الشرقية والوسطي تحت قيادة العميد مفتاح المقريف ويعاونه في هذه المهمة أربعة كتائب تابعة للجيش. 

 

لم تتوقف محاولات تدويل الوضع في المثلث النفطي فحاول المبعوث الأممي" كوبل"  ودول غربية إصدار قرار من مجلس الأمن يدين عملية "البرق الخاطف" إلاّ أن عدة دول من بينها مصر وروسيا أجهضت هذه المحاولة مدعومة بقرار الجيش الليبي تسليم المنشات النفطية للمؤسسة الوطنية للنفط. في هذا الصدد أتى أيضاً قرار القوات البحرية المشاركة في العملية الدولية "صوفيا" لمكافحة الهجرة غير الشرعية وتدريب عناصر البحرية الليبية، حيث قررت توسيع عملياتها لتشمل أيضاً تفتيش السفن المتجهه الي السواحل الليبية بحثاً عن اية اسلحة او ذخائر. 

مستقبل الوضع الميداني في ليبيا

الجيش الليبي عينه على طرابلس لكنه لا يريد أن يدخلها من خلال معركة دموية قد تفتح مزيداً من الأبواب لتدخلات خارجية
نجاح عملية "البرق الخاطف"جعل الجيش الوطني الليبي في وضع أفضل على المستوي الميداني والإستراتيجي، بسط سيطرة البرلمان في طبرق على 95 بالمائة من الثروة النفطية الليبية، ونفذ عملية عسكرية نظيفة مكنته من تحقيق تقدم جغرافي يقدم للبرلمان أرضية صلبة من الممكن الوقوف عليها في أي تسوية سياسية قريبة.
هذه العملية أوصلت الجيش إلى موضع جغرافي أقرب ما يكون إلى مواقع تواجد القوات الموالية للمجلس الرئاسي والتي تنفذ عملية البنيان المرصوص في سرت. قريباً ينهي الجيش عملياته في بنغازي وتنهي قوات البنيان المرصوص عملياتها في سرت لتصبح القوات فعلياً في مواجهة بعضها البعض، وهي مواجهة لن يكون فيها طرف ثالث يوجه إليه الطرفان نيرانهما. التصريحات الأخيرة لقائد الجيش المشير حفتر ذكر فيها بوضوح أن الجيش الليبي عينه على طرابلس ولكنه في نفس الوقت لا يريد أن يدخلها من خلال معركة دموية قد تفتح مزيداً من الأبواب لتدخلات خارجية تنتظر فرصة سانحة. هذه الرغبة يقابلها رغبة مماثلة من القوات الموالية للمجلس الرئاسي والتي ترى أن إيجاد صيغة توافقية سياسية تمثل الفرصة الأفضل لكل الأطراف.