وتحررت الموصل..

إقليمياً ودولياً، أكبر المستفيدين من دحر داعش عن الموصل هي إيران في السر والعلن. يبدو أن الولايات المتحدة الأميركية مبتهجة في العلن من تحقق التحرير في الموصل، لكنها لا تخفي هواجسها الكبرى من إعادة إخراج قواتها من العراق على غرار ما جرى قبل ثماني سنوات.

وتحررت الموصل...

أنجزت المهمة عسكرياً، لم يبق سوى الإعلان الرسمي عن النصر على داعش في الموصل، هذا يتم الاثنين.

خلافة داعش باتت في خبر كان، ثبت أنها خلافةُ وهمٍ زائف وخرافة مزيّفة. هذا لا يعني أن داعش انتهى. المقصود هو نهاية ما سماها أصحابها بخلافة وتنصيب زعيمهم أبو بكر البغدادي خليفة وأميراً للمؤمنين، من هنا يكتسب تحرير الموصل بهزيمة داعش أهمية مضاعفة وخاصة.

 

رمزياً، يشكل تحرير الموصل بعداً خاصاً، ففي الموصل أُعلنت الخلافة وفيها تنتهي، في الموصل أطلَّ البغدادي منتحلاً صفة خليفة وفيها تُسحب منه لينتهي كلّياً دينياً وفقهياً. بهذا المعنى يصبح تحرير الموصل ضربة رمزية فعلية في الصميم الداعشي.

 

معنوياً وتعبوياً، تحرير الموصل يشكل خسارة فادحة لحملات داعش المستمرة في تجنيد الأتباع واحتواء الشباب العرب المضلَلين واليائسين والغاضبين، والباحثين عن تنظيم أو أي إطار يحتضنهم ويشبع غرائزهم في الانتقام والتمرد باسم الدين.. داعش انتهى كهيكل جذب يبعث على الاطمئنان كما حصل معه خلال السنوات الماضية بعد احتلال الموصل وبقاع أوسع من العراق وسوريا.

 

سياسياً، تحرير الموصل تشكل انتكاسة كبرى لمشاريع وقوى ودول راهنت وموّلت ودعمت ووفرت غطاءً إعلامياً وسياسياً لداعش في حربهم على العراق وسوريا، يزداد التحرير أهمية بالتزامن مع العاصفة الخليجية التي تضرب دولاً شكلت رافعة عملية وحقيقية لداعش، تشريعاً وفقهياً وتحريضاً إعلامياً وفتنة مذهبية وسنداً مالياً. 

عسكرياً، أثبت تحرير الموصل صواب الخيار العسكري في مواجهة داعش والتطرف والإرهاب. صواب ضروري من دون أن يلغي إلحاحية إيلاء أهمية لإصلاح أي خلل بنيوي وثغرات فكرية وثقافية ودينية كي لا يخرج داعش من الشباك ويعود من النافذة.

القوات العراقية المسلحة بتشكيلاتها المتعددة أثبتت جدارة عالية. لديها غرفة عمليات مشتركة مركزية، استفادت بقوة من إمكانات حلفائها وداعميها. تحرير الموصل لقي إجماعاً دولياً، لأن حرب التحرير من قبل الشرعية العراقية كانت لدحر تنظيم إرهابي، لذا فإنّ من حقّ الشرعية السورية ضرب داعش وأخواته في حرب تحرير ضد الإرهاب أيضاً. 

 

إقليمياً ودولياً، أكبر المستفيدين من دحر داعش عن الموصل هي إيران في السرّ والعلن. يبدو أن الولايات المتحدة الأميركية مبتهجة في العلن من تحقق التحرير في الموصل، لكنها لا تخفي هواجسها الكبرى من إعادة إخراج قواتها من العراق على غرار ما جرى قبل ثماني سنوات.

هنا تحديداً يأتي البعد الاستراتيجي في عملية تحرير الموصل، ماذا بعد تحرير الموصل ميدانياً وسياسياً واستراتيجياً على المستوى العراقي والإقليمي والأميركي والدولي .
 

تحرير الموصل هو مكمّل للانتصارات الناجزة الكبرى التي حققها الحشد الشعبي في بقاع شاسعة جداً في العراق المحتل من داعش ومَن وراءَه. لم تكن واشنطن راغبة في أدوار متقدمة وميدانية حقيقية على الأرض، لكن خيار واشنطن لم يتحقق وبات الحشد الشعبي قوة ورقماً صعباً في أية معادلة، عراقية محلية وربما إقليمية إيرانية. بما يعنيه ذلك من مكاسب لمحور المقاومة والمواجهة في المنطقة وانتكاسة للمحور الأميركي المقابل. كذلك ليس خافياً أن واشنطن لم تكن متحمسة مطلقاً في البداية بتحرير الموصل كاملة، وكانت تفضل الاكتفاء بتحرير الساحل الأيمن فقط للموصل لكن القوات العراقية رفضت هذا مطلقاً.

 

يبقى السؤال الأصعب: ماذا بعد داعش في الموصل؟ يتحضر العراق لتهدئة داخلية محلية يسميها البعض بالتسوية الكبرى، وهذا يلقى تشجيعاً عاماً، لكن اليوم يشكل لحظة نصر كبير تستحق التركيز عليها في طريق تحقيق الانتصار الكامل على داعش والإرهاب في العراق.