نظروا من الغربال ... سليمان فرنجية رئيساً
سليمان فرنجيّة حاجة استراتيجية كرئيس يعاد تشكيل المنطقة من جديد في عهده، وهو الأصلح لقيادة لبنان متناغماً مع المتغيّرات، محافظاً في الوقت نفسه على شكل لبنان ودوره الذي لن يكون هامشياً ولا وظيفياً.
بعيداً عن ضجيج الشخصانيّة والكيديّة، بعيداً عن المراهقة السياسيّة اللبنانية التي وللأسف أصبحت سمة العمل السياسيّ الداخلي لدى البعض، كذلك بعيداً عن أيّ محاباة أو انحياز شخصي، لنقف مع المنطق السياسيّ لحظة.
دائماً السياسة ونتائجها مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالتحوّلات وصيرورتها، حدث كبير، اختلال في توازن القوى، تشكيل توازنات قوى جديدة، التفاعل مع المتغيّرات، التأثير والتأثّر بما يجري داخلاً وخارجاً، عوامل عديدة تصنع نتائج "من دون الحديث عن الرهانات الأقرب إلى المراهنات منها إلى الخيارات الثابتة".
لكن وبمحض الخطأ التاريخيّ، قد يدخل أحد قاصداً العبث بالبديهيات، هؤلاء لا يمارسون السياسة من منطلقها الفكري المعرفي ذلك بالعودة الملزمة إلى جذر تفسير معنى كلمة سياسة، الذي هو أساساً أوّل تفسير لهذا المصطلح بأوّل مدرسة فلسفيّة طرحته كحالة ملزمة للعاملين في "الحقل العام"، المدرسة اليونانيّة الكلاسيكيّة كانت مهداً وجذراً لهذا المصطلح قائلةً فيه "السياسة، هي استصلاح الخلق وإرشادهم إلى الطريق المنجّي في العاجل والآجل"، هذا هو التفسير اللغوي والكينوني للسياسة.
ذلك طبعاً قبل أن تعتريه الممارسات والتأويلات المشوّهة له وأحياناً القاتلة للخلق ومستقبلهم وإرشادهم إلى الطريق المهلك بدل المنجّي، ذلك بالعناد وسوء الإدارة والغياب المعرفي عن آلية اتخاذ القرارات خصوصاً المصيرية منها، ربما اليونانيون طرحوا المصطلح بقالب طوباوي، لكن هذا لا يعفي ممارسة السياسة من منطلقها الفكري والأخلاقي، وأهمها المنجّي عبر المسلك العلمي المتفاعل بتناغم مع المتغيّرات الجذريّة. السياسة مسؤوليّة قبل أن تكون حالة كيديّة، التاريخ مليء بالعبث بماهيتها والتي أفرزت نتائج كارثية على العابثين بالقراءة الاستبصارية لها ولقراراتهم المؤدية إلى الهاوية، لهم ولمن اتبعهم كنتيجة حتميّة.
بعد هذا الاستهلال التعريفي، نعود إلى عنواننا، لكن قبل البدء، يجب التنويه الدال على صلب الموضوع، الرئيس ميشال عون كان خياراً استراتيجياً، ومسلك وصوله إلى بعبدا لم يكن لأنه "القوي" لأنّ القوة لم تكن ضمن استراتيجية وصوله، لا على مستوى مساحته التسويقيّة ولا على تمثيله الشعبي، الذي أوصل عون إلى الكرسي الرئاسي كانت تحالفاته وتقدّم خيارات قراراته على غيرها، وذلك أتى نتيجة لإفرازات مرتبطة بالتحوّلات التي كانت تحدث في الداخل والخارج، وما كانت المكابرة على الفراغ إلّا صلابةً أزالت الضباب عن بدء فوز خياراته السياسية الداخلية والخارجية، تلك المعادلة ثابتة، وسلخها أو محاولات إبعادها اليوم عن المشهد الرئاسي هو ضرب من ضروب الحماقة، وإذا أحسنّا الظن نقول إنها جهلٌ في البديهيات المشكّلة للسياسات ونتائجها.
ما أسلفت ذكره ليس ترفاً كتابياً، ولا تنظيراً من فراغ، إني أعتبره درساً لشخصيات وأحزاب أساساً لم تلتزم بتلك المعايير المعرفية، ما جعل أغلب خياراتها فاشلة، لا بل يمكن القول إنّ جعبة التاريخ اللبناني تفيض بإخفاقاتهم الكارثية عليهم وعلى مجتمعاتهم.
سليمان فرنجيّة ليس مضطراً أن يحذو حذوهم، لأنّ مدرسته تختلف وخياراته ثابتة لم تخضع يوماً لبازار سياسي، إضافة إلى أنّ تحالفاته بنت بيئتها وجذرها قناعاته وليس رهاناته، فرنجيّة مستعد للخسارة مع مشروع منجٍ على أن يفوز برهانات مهلكة، وإذا كان الموضوع الرئاسي مسيحياً حصراً لسليمان فرنجية اليوم في ظلّ الخواء السياسي الفكري والاصطفافات المدمّرة تاريخياً والتي يعيدون تكرارها بكلّ حماقة ووقاحة، هو المنجّي في العاجل والآجل، على المستويين المسيحي والوطني لا بل أبعد من ذلك.
لا أريد الإطالة متحدثاً عن التغيّرات الجذرية من حولنا وعندنا، والتي سيكون من نتائجها سليمان فرنجية حكماً الرئيس المقبل للجمهورية اللبنانية، لأني لا أناقش بديهيات صيرورة النتائج.
مع ملاحظة مبدئيّة للتذكير ليس إلّا، هي أن فرنجية كان ليكون رئيساً بدل عون بمجرد أن أمّنت كتلته النصاب في الانتخابات السابقة، إلّا أنّه لم يختر الطريق السهل، بل فضّل الطريق الصعب على أن يكون لا يشبه نفسه على كرسي سيعيش صراعاً معه.
هكذا نؤمّن رئيساً قوياً بالمعنى الكلي للكلمة والمؤتمن بالمعنى المنجّي لوطن شوّهته الشراذم المنسلخة عن الجغرافيا والتاريخ والسياسة.
سليمان فرنجيّة حاجة استراتيجية كرئيس يعاد تشكيل المنطقة من جديد في عهده، وهو الأصلح لقيادة لبنان متناغماً مع المتغيّرات، محافظاً في الوقت نفسه على شكل لبنان ودوره الذي لن يكون هامشياً ولا وظيفياً.