ما هي المحدّدات المستقبلية لوقف الحرب الروسية-الأطلسية؟
يدرك بوتين أن أمد الحرب طويل بفعل الدعم الأميركي والأوروبي لأوكرانيا. وطالب بوتين في خطابه أمام الجمعية الفيدرالية الروسية الشعب الروسي أن يتعايش مع الحرب والحصار الغربي.
أعلنت الولايات المتحدة الأميركية مؤخراً عن عزمها على إرسال قنابل عنقودية إلى أوكرانيا في خطوة هي الأخطر منذ بداية الحرب، في فترة تشهد تصريحات روسية متعددة المستويات بشأن إمكانية استخدام السلاح النووي، هذا التطوّر يمكن أن يقود حكماً إلى تدهور الأوضاع العسكرية نحو الأسوأ. يدعم هذا السيناريو قول ميدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن الروسي:" إن الحرب لن تنتهي إلا بحلّ سياسي أو بحرب نووية"، إذ إن مسارات تطوّر الأوضاع من المنظور الروسي واضحة، وتتمثّل بالحل السياسي عبر القضاء على المخاوف الأمنية الجيوستراتيجية الروسية، وتقديم الضمانات لذلك، أما المسار الثاني للحل فقد أشار إليه ميدفيديف بقوله صراحة "ضربة نووية".
سياسة الضربة النووية، وهي الطريقة ذاتها التي أنهت بها أميركا الحرب مع اليابان في الحرب العالمية الثانية، ولكن هذا وإن كان من باب التخويف والتحذير، فإنّه يبقى ردة فعل متوقفة على عدّة معطيات أبرزها تصاعد الدعم الأطلسي لأوكرانيا، وتهديد الأمن الروسي القومي كما في حال تزويدها بقنابل عنقودية.
إن التصرّف الأميركي يثبت من دون أي شك أنّها حرب مباشرة وليست بالوكالة. فـ"الناتو" واستخباراته وأسلحته وجنوده ومجنّدوه ومختبراته البيولوجية ومستشاروه السياسيون والعسكريون مستمرون في الدعم السياسي والاقتصادي والأمني، وجدّدوا الالتزام بذلك على لسان الأمين العام ستولتنبرغ لليوم الثاني في قمة "الناتو" في ليتوانيا.
وأعادت الولايات المتحدة الأميركية تأكيده على لسان رئيسها جو بايدن متوعدين بضمها إلى "الناتو" بعد "نهاية الحرب"، مسترسلاً بأقواله إلى درجة أن قال: "التزامنا بأوكرانيا لن يضعف. سندافع عن الحرية اليوم وغداً ومهما يستغرق الأمر".
الأميركي بصرف النظر عن شعاراته المؤدلجة المطروحة له مصالحه وأهدافه المتمثّلة في إضعاف روسيا وإجبار الأوروبي على البقاء تحت المظلة الأميركية، ومنع أي تفكك يصيب التحالفات التي بناها، وإجبار المزيد من الدول على الانضمام إلى "الناتو" والقضاء على أحلام لمّ شمل دول الاتحاد السوفياتي، وعودة القومية السوفياتية والأيديولوجيا الشيوعية. وكان وصف بوتين تفكك الاتحاد السوفياتي بأنّه كارثه أو خطأ تاريخي؛ الأمر الذي يشير إلى عودة هذه الطموحات لدى قادة روسيا.
أشكال الدور الأميركي كثيرة منها عرقلة الحل السياسي والدعم السياسي والاقتصادي والعسكري، ويحتاج كل شكل من الأشكال إلى إيراد بحثٍ كامل له لتبيان كمّه وحجمه.
الولايات المتحدة الأميركية مستفيدة من الوضع القائم في أوكرانيا، وتدلّ تصرفاتها أنّها صاحبه مصالح، والأدلة كثيرة مثل قيادتها لـ"الناتو" باتجاه دعم أوكرانيا، وتدعيم استخدام القوة العسكرية والمتاجرة الإعلامية بما يحدث في أوكرانيا، أما مصالحها من وراء هذا فهي موضوع مستقل بحد ذاته.
الولايات المتحدة لديها رغبة في استمرار الحرب، وعرقلة أي جهود سياسية لإيقافها في الوقت الراهن، الأمر الذي يعدّ هدفاً بحدّ ذاته. وصار مسار الغرب لإيقاف التفاوض مع روسيا أمراً معروفاً وقد شرحه سيرجي لافروف في عام 2022.
أما المصالح الأميركية من دعم أوكرانيا فهي بالتأكيد أعمق من ذلك والشائع هو تفريغ أسلحة المجمع الصناعي الأميركي وإضعاف روسيا واستنزافها وإخضاع الأوروبي، والقضاء على طموحاته الاستقلالية عن الأميركي ومصالح داخلية منها التظاهر بالدفاع عن قيمهم الليبرالية.
إن نسبة الدعم العسكري الأميركي لأوكرانيا تفوق نسبة أي دعم آخر، ما يعني أن المستفيد هو الجناح العسكري بما فيه المجمع الصناعي وشركات الأسلحة الأخرى في حال كانت صفقات مأجورة، أما في حال كانت مجانية على حساب الشعب الأميركي، فالهدف المباشر هو إشغال روسيا خاصّة والعالم أجمع في هذه الحرب.
والعمل على إضعاف روسيا عسكرياً وسياسياً علماً أن الكثير من الأدبيات السياسية والمقالات التحليلية قد أشارت إلى قدرة اللوبي العسكري على التدخل في رسم السياسة الخارجية الأميركية بدليل أن شركات تصنيع الأسلحة سبق لها أن دعت إلى توسّع "الناتو"، وهذا له دلالاته ومؤشراته.
وكرأي شخصي أجزم أنّ الإدارة الأميركية تخضع لضغوطات إزاء الملف الأوكراني من قبل الداخل، وما هذه الخطب والتصريحات إلّا حفظ ماء وجه، وتمثيل امتلاك زمام الأمور، ولكن الحال عكس ذلك والنقطة المهمّة هنا ازدياد أرباح شركات الأسلحة بعد انضمام المجر والتشيك وبولندا وفنلندا والسويد، لأن دول التحالف تعتمد على أنظمة الدفاع الأميركية و60% من قدرات الدفاع الأوروبية من خارج أوروبا.
يدرك بوتين أن أمد الحرب طويل بفعل الدعم الأميركي والأوروبي لأوكرانيا. وطالب بوتين في خطابه أمام الجمعية الفيدرالية الروسية الشعب الروسي أن يتعايش مع الحرب والحصار الغربي. ومن جهة أخرى، اتخذت روسيا مسبقاً التدابير الإجرائية الردعية من قبيل تعليق معاهدة ستارت؛ الأمر الذي يرفع القيود عن تطوير الأسلحة النووية الروسية واستخدامها، وهذا الإجراء الاحتياطي يعني الأخذ بالحسبان تدهور الأوضاع سوءاً.
واليوم، تمثل أوكرانيا مركز دائرة صراع جيوسياسي بين الأميركي وحلفائه من جهة وروسيا من جهة أخرى، وما تفعله أميركا هو ترك مسافة بعيده أمام الصواريخ الروسية حتى تصل إلى أراضيها عبر ارتطامها بالدرع الأمامي أوكرانيا والحقيقة تقول:" زيلينسكي مجرد دمية أميركية".
الدعم الغربي -الأميركي لأوكرانيا مستمر، وهذا بديهي ويطيل أمد الحرب التي لن تتوقّف إلا بالطرق الآتية حسب اعتقادنا:
1. مفاوضات مباشرة بين أميركا وروسيا، بناء على مقترحات دولية بداعي الحفاظ على استقرار أسواق الطاقة وإمدادات الغذاء العالمية وليس لأي سبب آخر.
2. استقلالية إدارة بايدن ومقاومة تأثير جماعات الضغط الداخلي، وفي مقدمتها المجمع الصناعي العسكري الأميركي
3. عودة تجربة صواريخ كوبا ونشرها، ونشر الأسلحة النووية أو استخدام جزء منها الأمر الذي يعدّ نقطة حرجة قد يصل إليها العالم.
4. وقوع أحداث داخلية روسية مفاجئة. الاستخبارات الأميركية تتحدّث عن تدبير عمليات اغتيال بوتين.
5. قيام تحرّكات داخلية من جانب الشعب الأميركي جرّاء المبالغ الهائلة التي تُصرف على تسليح أوكرانيا.
6. الأميركي يرفض الاعتراف بأن تحرّكات "الناتو" هي من هدد الأمن القومي لروسيا وليس العكس، كما يهتم بتصوير مساندة أميركا لأوكرانيا على أنّها مناصرة لشعبهم وقيمهم الليبرالية ضد العدوان والقمع الروسي، حسب رأيهم.
7. الحشوة الأيديولوجية: المواقف الأميركية تجاه روسيا قوامها الليبرالية الجديدة المتوحشة وهي مجرد ستار لا أكثر.
8. التخوفات الأميركية وتقديراتهم الاستراتيجية أنّ روسيا لن تقف عند حدود أوكرانيا بل ستستمر في حال عدم التصدّي لها، ومن هنا جاء دعمهم بصواريخ جافلين لوقف تقدّم الدبابات الروسية في كييف.
وفي الخلاصة، المشكلة الجوهرية تكمن في وجهة النظر الأميركية المعلنة حول رؤيتها للوضع في أوكرانيا: بنظرهم، إنّ روسيا اعتدت على أوكرانيا، وتبعاً لهذا قامت أميركا بتقديم مساعدات أمنية عسكرية اقتصادية لأوكرانيا وحاصرت روسيا اقتصادياً، وفرضت عليها عقوبات دولية وعزلها دولياً، ولكنها لم تشر أن أمن روسيا كان بخطر جراء رغبة أوكرانيا في الانضمام إلى حلف "الناتو" المعادي لروسيا تاريخياً منذ أيام الاتحاد السوفياتي، إذاً المسألة هي عدم تقدير الأميركي لاعتبارات حماية الأمن القومي الروسي وسبل تحقيقه وتمسّك الأميركي بوجهة نظره هو مجرّد تعسّف وضربة للأمن الروسي بحد ذاتها. إن كلّاً من أميركا وروسيا محق بتحرّكاته اتجاه الآخر؛ لأنّه ينطلق من اعتبارات حماية أمنه القومي الوجودي حاضراً ومستقبلاً، ولكن طريقتهما مختلفة واتجاههما معاكس وطبيعي أن تعملا ضد بعضهما البعض، ولا أستبعد حدوث صدام مباشر بينهما في المستقبل القريب.