ما مدى تأثير حضور سوريا القمة العربية في قراراتها؟

إن استعادة دمشق مقعدها في "الجامعة العربية" لن يغيّر في موقفها قيد أنملة، وهي تتعاطى بواقعية مع أشقائها العرب من موقعها في "الجامعة".

  • القمة العربية في غزة.
    القمة العربية في غزة.

أكد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في إطلالته الأخيرة دور سوريا المحوري والدائم في دعم حركات المقاومة في المنطقة واحتضانها، وفي طليعتها المقاومة الفلسطينية، منذ انطلاق هذه الحركات النضالية، وصولاً إلى المرحلة الراهنة؛ أي مساندة أهالي غزة في مواجهة حرب الإبادة التي يخوضها الاحتلال الأميركي- الإسرائيليّ لتصفية القضية الفلسطينية، من خلال قتل الغزيين وتهجير من تبقى منهم إلى خارج فلسطين وضرب كل مقومات الحياة في "القطاع". 

جاء تأكيد قائد المقاومة إثر محاولة بعض وسائل الإعلام المعادي ومن يقف خلفه أو بعض السذّج التشكيك في دور دمشق وموقفها من الحرب الهمجية على غزة؛ وبالتالي محاولة ضرب ثقة جمهور محور المقاومة بثبات موقفه، وترابط مكوناته التي تشكل سوريا عموده الفقري.

وما لبثت هذه المحاولات الفاشلة أن تهمد دون الوصول إلى أي نتيجةٍ تُذكر، حتى عادت بعض الأصوات لتسأل عن دور سوريا في القمة العربية الإسلاميّة التي انعقدت مؤخراً في العاصمة السعودية- الرياض، على اعتبار أن دمشق استعادت مقعدها في جامعة الدول العربية، "ويُفترض أن تكون مؤثرةً في القرار العربي".

البيان الختامي الذي خرجت به القمة العربية-الإسلامية لم يكن بعيداً عن موقف وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن الذي أطلقه في العاصمة الهندية نيودلهي في الأيام الفائتة، وقال فيه: "إن الولايات المتحدة بدأت العمل بوضع أسس لبناء دولتين منفصلتين لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على المدى الطويل ومنع توسيع المستوطنات...". أضف إلى ذلك أن البيان الختامي المذكور تم إقراره خلال اجتماع وزراء العرب التحضيري للقمة، ثم حمله إلى القمة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بوصفه المعني بالشأن الفلسطيني. 

بحسب بعض المعلومات، ورغم مشاركة سوريا في هذا الاجتماع، فإنها كانت شبه منفردة، ولم تحظَ بداعمين لموقفها من المقاومة. ويبقى التطور الإيجابي هنا أن الدول العربية بدأت بقبول "حق الاختلاف مع دمشق دون أن يفسد ذلك في الود قضية"، ولكن بكل وضوحٍ، لا يزال الموقف العربي الراهن غير مؤثرٍ نهائياً لدى موقع القرار في المحور الغربي، تحديداً لدى الولايات المتحدة، صاحبة القرار الحقيقي في وقف العدوان على غزة، بدليل إمعان العدو الصهيوني في قتل الغزيين وتدمير غزة خلال انعقاد القمة أكثر من أي وقتٍ مضى؛ أي أنه غير مكترثٍ على الإطلاق بالقمة العربية-الإسلامية وكل ما يخرج عنها. 

أمام هذا الواقع، أي (وضع الجامعة الراهن غير الفعّال)، تركز سوريا على العلاقات الثنائية مع الدول العربية، بحسب موقف كل دولة مما يحدث فيها، فهي لا تزال على موقفها التاريخي الداعم للمقاومة، ولا تزال الأراضي السورية تشكل موئلاً للمقاومة والمقاومين. وقد دفعت ولا تزال الأثمان الباهظة، نتيجة هذا الموقف، وهي تواجه حرباً إرهابيةً واقتصاديةً (قانون قيصر) واجتماعية غير مسبوقةٍ في التاريخ الحديث، لكونها لم تذعن للإملاءات الأميركية منذ التهديدات التي أطلقها وزير الخارجية الأميركية الأسبق والراحل كولن بول للرئيسين السوري بشار الأسد واللبناني الأسبق العماد إميل لحود عام 2003، إثر الاحتلال الأميركي للعراق، وما قبل ذلك أيضاً، للتخلي عن خِيار دعم المقاومة، فلم يأبه الرئيسان لتلك التهديدات.

إن استعادة دمشق مقعدها في "الجامعة العربية" لن يغيّر في موقفها قيد أنملة، وهي تتعاطى بواقعية مع أشقائها العرب من موقعها في "الجامعة"، وتحاول تعميق التضامن والتعاون العربي من داخل المجموعة العربية، لا من خارجها، وهذا أفضل لجميع العرب، خصوصاً بعد التقارب الإيرانيّ-السّعودي. 

والمهم اليوم استمرار الأجواء التصالحية بين العرب، دون المس بجوهر موقف أي دولةٍ عربية.