ما بعد أوكرانيا: ما هي فرص الصين لاستعادة تايوان؟

في تايوان، يدعو بعض القادة السياسيين تايبيه إلى تجنب الحرب والسعي إلى الحوار مع بكين، في حين يشير آخرون إلى أنَّ الصين وتايوان ستدفعان ثمناً باهظاً في حالة نشوب صراع.

  •  لا يوجد دليل واضح على أن الصراع في أوكرانيا غيّر رغبة الصين في استعادة تايوان
    لا يوجد دليل واضح على أن الصراع في أوكرانيا غيّر رغبة الصين في استعادة تايوان

أثارت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا مخاوف الناتو من خطط الصين لاستعادة تايوان، والتي ما فتئت تصرح بحتمية عودتها إلى البر الأم. ويتوقّع بعض الاستراتيجيين الأميركيين ازدياد احتمال استعادتها، في حين يجادل آخرون بأن الموقف الموحد للدول الغربية ضد روسيا، والإجراءات الاقتصادية القسرية، وتباطؤ العملية العسكرية الروسية، يحتم على الصينيين أن يكونوا أكثر حذراً في ما يتعلق بالجزيرة.

هذا الجدل الغربي يتضح من خلال طرح عدة أسئلة: هل سيغيّر الصراع الروسي - الغربي في أوكرانيا استعداد بكين لاستخدام القوة لاستعادة تايوان؟ وهل سيؤدي الصراع في أوكرانيا إلى تغيرات في تقييم بكين لقدرتها على شن عملية عسكرية برمائية ناجحة في تايوان؟ وهل سيستفيد الجيش الصيني من دروس العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.

يرى فريق من الاستراتيجيين الأميركيين أن استعداد الصين لاستخدام القوة هو قرار سياسي يتشكل من خلال أكثر من مجرد تقييمات للقدرات العسكرية. وحتى لو لم تكن الصين تثق بقدرتها على تنفيذ عملية عسكرية برمائية في تايوان بنجاح، فقد تعتقد أن التكاليف الجيوسياسية والداخلية لعدم استخدام القوة تفوق مخاطر الفشل العسكري. ويمكن أن تنخرط بكين في عملية عسكرية كبيرة من دون استعادة الجزيرة الرئيسية، مثل استعادة جزر مهمة في مضيق تايوان، أو تعديل خطط الاستعادة لزيادة فرصة الصين في النجاح السياسي، من خلال تقوية موقفها التفاوضي.

حتى الآن، لا يوجد دليل واضح على أن الصراع في أوكرانيا غيّر رغبة الصين في استعادة تايوان. وستظل بكين مستعدة لاستخدام القوة إذا تجاوزت تايبيه الخطوط الحمراء، رغم أن الأزمة في أوكرانيا لم تفرض قيام الصين بمراجعة أو إضافة خطوط حمراء، في الوقت الذي يستمر فارق القوة بين الصين وتايوان بالنمو لمصلحة بكين، ما يسمح للقيادة الصينية بعدم اتخاذ إجراءات فورية في تايوان.

تعتقد الإدارة الأميركية أن الصراع في أوكرانيا يمكن أن يؤدي إلى حالة من عدم اليقين في تقييمات الجيش الصيني لقدراته العسكرية. ومع ذلك، يمكنه التعلم من الصراع في أوكرانيا، ويمكنه تعديل خططه العسكرية في تايوان، لتكون أكثر فتكاً وأسرع وأكثر تصعيداً.

تراهن الإدارة الأميركية على أنَّ الإجراءات الاقتصادية الغربية السريعة والواسعة على روسيا ستكون مؤشراً على أن التكاليف الاقتصادية وحالة عدم الاستقرار التي يمكن أن تتحملها الصين في حال استخدام القوة العسكرية في تايوان يمكن أن تكونا أعلى بكثير - وأسرع بكثير - مما يمكن أن تتوقعه بكين.

ومع ذلك، إن الثقل الاقتصادي والمالي للصين يفوق بشكل كبير مثيله في روسيا. وقد تعتقد بكين أنَّ من الصعب تنفيذ العقوبات الاقتصادية ضد الصين من دون إلحاق أضرار جانبية كبيرة بالتجارة العالمية وسلاسل التوريد والمؤسسات المالية. ورغم ذلك، من المرجح أن تعمق بكين استثمارها في تدابير الاعتماد على الذات والأنظمة البديلة، لتقليل مثل هذه التكاليف المستقبلية المحتملة. كما أنَّ التركيز الأكبر على العامل القومي يعطي القيادة الصينية أساساً للشرعية السياسية في توحيد تايوان مع البر الرئيسي.

لقد أدّى الصراع في أوروبا أيضاً إلى زيادة الدعم الغربي لتايوان، وزيادة رغبة تايوان في زيادة تسليح الجزيرة، وهو اتجاه مقلق بالنسبة إلى الصين، لكنه يخفف جزئياً من تركيز الولايات المتحدة اهتمامها الكامل بتايوان.

من ناحية أخرى، ترى بكين في العملية العسكرية الروسية فرصة لتحذير تايوان من دعم الإجراءات التي تستفز الصين، وترسل الأخيرة مثل هذه الرسائل، وتقول إن تايوان لا ينبغي أن تكون بيدقاً بيد الولايات المتحدة لمواجهة الصين، كما هي حالة أوكرانيا بالنسبة إلى روسيا.

في تايوان، يدعو بعض القادة السياسيين تايبيه إلى تجنب الحرب والسعي إلى الحوار مع بكين، في حين يشير آخرون إلى أنَّ الصين وتايوان ستدفعان ثمناً باهظاً في حالة نشوب صراع. كما أن إحجام الولايات المتحدة وحلف الناتو عن إرسال قوات تقليدية إلى أوكرانيا أدّى إلى إضعاف ثقة القيادة التايوانية بالدعم العسكري الأميركي والياباني في حال قيام عملية عسكرية صينية، والذي من المرجح أن تدركه الصين تماماً.

تأمل الإدارة الأميركية أن يؤدي الصراع العسكري والاقتصادي في أوكرانيا إلى دفع الصين إلى التفكير جيداً في مخاطر استخدام القوة ضد تايوان، لأنَّ الصين لديها مجموعة من الخيارات للتعامل مع هذا الملف. وهناك عدة خيارات عسكرية أمام الصين، مثل حصار تايوان بدلاً من اجتياحها عسكرياً. ولذلك، تختلف خطط الصين لعملية عسكرية برمائية سريعة في تايوان اختلافاً كبيراً عن طريقة العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، ومن المرجح أن يستفيد القادة السياسيون والعسكريون الصينيون من دروس العملية العسكرية الروسية.

ويعتقد الأميركيون أنّ على الصين إعادة النظر في تقييماتها السابقة لإرادة تايوان وقدرتها على القتال، فقبل الصراع في أوكرانيا، افترض بعض القادة العسكريين والخبراء الصينيين أن الصين يمكن أن تحقق نصراً سريعاً على تايوان بسبب التفوق العسكري للصين، وافتقار الجزيرة الملحوظ إلى إرادة القتال، والاختراقات الاستخباراتية الصينية المتكررة للمؤسسات العسكرية والحكومية والمالية والبنية التحتية الحيوية في تايوان، لكن الرأي القائل إن الصين ستواجه مقاومة ضعيفة سيصطدم بالإمدادات العسكرية للولايات المتحدة لتايوان، ولا سيما بعد قيام التحالف العسكري الثلاثي أوكوس، والذي ستنضم إليه اليابان لاحقاً، وهو ما يشبه تقييمات روسيا بأنها ستكون قادرة على السيطرة بنجاح على أوكرانيا في غضون أيام. 

لذلك، تدرك بكين أن تايبيه وواشنطن تستخلصان دروساً من معارك أوكرانيا، وأن الصين يمكن أن تواجه بلداً أكثر صعوبة من أوكرانيا. ويلاحظ المعلقون الصينيون عمليات حرب المدن التي يقوم بها الجيش الأوكراني، وينتقدون أوكرانيا لاستخدامها الضحايا المدنيين لكسب الدعم الدولي.

كما أن تايوان تتعلم أيضاً من أوكرانيا، وتطرح مجموعة من الأسئلة الرئيسية التي قد يواجهها الجيش الصيني، مثل: هل من الممكن للصين الحد من سقوط الضحايا المدنيين في الجزيرة؟ وفي حال تمكن الجيش الصيني من السيطرة على تايبيه بسرعة، هل ستواجه الصين حرب شوارع طويلة في أجزاء أخرى من تايوان؟ هل يُظهر الأداء البطيء للجيش الروسي مخاطر أكبر على الجيش الصيني الذي خاض آخر حرب في العام 1979؟

من المرجّح أن تعزز هذه الأسئلة تحديد أولويات الصين في امتلاك المعلومات الضرورية عسكرياً، والتي تتضمن استخدام الحرب السياسية لتشكيل بيئة العمليات، واستخدام تدفق أسرع للمعلومات لتمكين اتخاذ القرارات بسرعة وقيادة العمليات العسكرية الفعالة، بما في ذلك تحسين القيادة والسيطرة والاتصالات والاستخبارات والمراقبة والاستطلاع والضربات الدقيقة الشبكية، والسيطرة على الأمن السيبراني والفضاء والمجالات الكهرومغناطيسية، إذ يؤكد المحللون الصينيون أن السيطرة المعلوماتية تمكن الجيوش الأضعف (مثل أوكرانيا وتايوان) من محاربة خصوم أقوى.

ويلاحظ المعلقون الصينيون أنَّ بطء العمليات الروسية يعود إلى عدم السيطرة في مجال الحرب السياسية وتفوق الآلة الإعلامية الغربية. وما لم تقم روسيا بتعطيل شبكات الاتصالات الأوكرانية، سيظل الرئيس الأوكراني زيلينسكي محتفظاً بوجود عام واضح، وسيواصل حشد قواته والضغط على المجتمع الغربي للحصول على الدعم. 

وقد قامت وسائل الإعلام الأوكرانية والغربية ووسائل التواصل الاجتماعي بتقييد المعلومات المفيدة لروسيا، ونشرت الخسائر الروسية في ساحة المعركة، وقامت بتضخيمها مع فبركة مجموعة من الانتصارات الأوكرانية الوهمية. ولذلك، قد يسعى الجيش الصيني إلى تدمير وقطع قدرة تايبيه على الحفاظ على الاتصالات الداخلية والخارجية لبث اليأس في نفوس الانفصاليين.

ويحدد المحللون الصينيون أيضاً كيفية تصاعد الحرب المعلوماتية في أوكرانيا، ويدرسون أهمية وجود نظام قيادة وتحكّم روسي معلوماتي يمكنه معالجة المعلومات الاستخبارية ونقلها بشكل فعال إلى القوات الروسية على الأرض، إضافة إلى القدرة على تحقيق الهيمنة الجوية، وحاجة روسيا إلى تحسين دفاعاتها ضد هجمات الطائرات الأوكرانية من دون طيار. هذه هي المجالات التي من المحتمل أن يقوم الجيش الصيني بتحسينها.

إضافةً إلى هيمنة المعلومات، يمكن أن يعزّز الصراع في أوكرانيا أيضاً رغبة الصين في التحرّك بشكل أسرع، واعتماد عنصر المفاجأة في عملياتها العسكرية. وقد لاحظت الصين البطء في تكديس روسيا قواتها العسكرية قرب أوكرانيا. هذا التراكم المرئي الذي امتدّ عدة أشهر أعطى الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي وقتاً لإعداد ردودهما وتزويد أوكرانيا بمزيد من الأسلحة.

الخبراء العسكريون الصينيون أعادوا نشر التقييمات الروسية بأنَّ أوكرانيا كانت مليئة بأسلحة الناتو والمستشارين العسكريين الغربيين قبل العملية العسكرية، ما سيشجّع الصين على التفكير في طرق لإخفاء استعداداتها لاستخدام القوة أو إرباك الولايات المتحدة والغرب. كما أنَّ عدم قدرة مجتمع الاستخبارات الأميركية على تقييم النيات العسكرية الروسية بدقة قد يزيد ثقة الصين بقدرتها على القيام بذلك.

قد يكون الرهان الأكثر أماناً هو أن يتحرك جيش التحرير الشعبي الصيني بشكل أسرع، ويقصر جداوله الزمنية للتعبئة والعمليات الأساسية الأولية. وسيسمح التفوق السريع للصين بتقليل احتمال التدخل الأميركي والأجنبي. وقد يكون هذا النجاح السريع مصحوباً بإظهار القدرات النووية الصينية. 

ومن المحتمل أن تكون الأزمة الأوكرانية عززت اعتقاد بكين بأنَّ الردع النووي يمكن أن يمنع نشوب صراع تقليدي، ويحد من التصعيد، ويردع التدخل الأجنبي. وقد شاهد العلماء الصينيون تدريبات الجيش الروسي ووضع قواته النووية في حالة تأهب قصوى، الأمر الذي ردع التدخل التقليدي للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في أوكرانيا.

ومع ذلك، تدرك الصين أنَّ تايوان ليست أوكرانيا، وأن الولايات المتحدة أكثر استعداداً لاستخدام القوة لمواجهة الصين في تايوان، ومن غير المؤكد إلى أيّ مدى تعتقد الصين أنّ الردع النووي سيمنع الولايات المتحدة من التدخل في تايوان، وستحتاج الصين إلى الاستعداد جيداً لمواجهة العمليات العسكرية الأميركية لمساعدة الجزيرة.

والأمر الأكثر تأكيداً نسبياً هو أنَّ من المرجّح أن تستمرّ الصين بالابتعاد عن سياسة الحدّ الأدنى من الردع النووي وسياسة عدم الاستخدام الأولي للسلاح النووي، وأن تواصل التوسع الهائل في ترسانتها النووية. وقد تكون بكين أكثر استعداداً لاستخدام (أو التهديد باستخدام) الأسلحة النووية في نزاعها مع الغرب في ما يخصّ تايوان.

ويتعلّم الجيش الصيني أيضاً كيفية العمل بشكل أفضل في ساحة المعركة، وتؤكد العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا خلال النهار، على سبيل المثال، تصميم الجيش الصيني على اعتماد العمليات الليلية.

لقد استثمر الجيش الصيني بشكل كبير في الإصلاح اللوجستي كجزء من إعادة الهيكلة العسكرية الضخمة بين العامين 2015-2016، ما أدى إلى إنشاء قوة الدعم اللوجستي المشتركة. ويراقب المعلقون الصينيون الإجراءات الغربية للحد من قدرة روسيا على شراء قطع غيار عسكرية في الخارج، ما قد يدفع الجيش الصيني إلى أن يكون أكثر اعتماداً على نفسه، مع التركيز على الإنتاج المحلي لمعداته العسكرية.

وسيستفيد قادة الجيش من الثقة العسكرية الروسية، ولا سيما مجموعات النخبة، مثل القوات الروسية المحمولة جواً. ومن المرجّح أن تطلب بكين المزيد من التدريب والاستثمارات لمصلحة الجيش الصيني.

أمام الصّين فرصة استراتيجية لاستيعاب الدروس الرئيسية المستفادة من أوكرانيا واستكمالها، وستحتاج الصين لترجمة هذه الدروس إلى استثمارات جديدة في الجيش. وأثناء قيام الصين بذلك، فإن الولايات المتحدة وتايوان وحلفاءهم وشركاءهم في أوكوس سيراقبون أية تغييرات في جيش التحرير الشعبي، وسيعملون على زيادة قدرتهم على ردع الجيش الصيني الذي يحتمل أن يكون أكثر خطورةً وفتكاً من الجيش الروسي.

حلف الناتو يحاول التمدد باتجاه الشرق قرب حدود روسيا، عن طريق ضم أوكرانيا، وروسيا الاتحادية ترفض ذلك وتطالب بضمانات أمنية، فتعترف بجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك، وتطلق عملية عسكرية في إقليم دونباس، بسبب قصف القوات الأوكرانية المتكرر على الإقليم.