قمة بريكس في جنوب أفريقيا ما لها وما عليها

حمل البيان الختامي لقمّة جوهانسبرغ العديد من الدلالات التي تتجاوز توسيع عضوية تجمّع بريكس، وتعزيز قدراته الاقتصادية.

  • أيّد قادة بريكس في إعلان جوهانسبرغ إجراء إصلاحات في الأمم المتحدة، بما في ذلك مجلس الأمن

انعقدت في مدينة جوهانسبرغ عاصمة جنوب أفريقيا القمة الــ 15 لتجمّع بريكس الذي يضمّ الاقتصاديات الناشئة تحت شعار "بريكس وأفريقيا" والتي استمرّت على مدار ثلاثة أيام خلال الفترة الممتدة من 22 إلى 24 آب/أغسطس 2023، وذلك بمشاركة كل من الرئيس المضيف الجنوب أفريقي سيريل رامافوزا، الرئيس الصيني شي جين بينغ، الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي. 

فيما لم يحضر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي اكتفى بالمشاركة في القمة افتراضياً، على خلفية مذكرة اعتقال أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحقه بتهمة ارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا، وقد مثّله في القمة وزير خارجيته سيرغي لافروف، كما حضر القمة العشرات من رؤساء وقادة الدول الأخرى من آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، وجلّ هذه الدول راغبة وساعية للانضمام إلى تجمّع بريكس.  

تركّزت مناقشات قادة تجمّع بريكس على بند أساسي ورئيسي يتعلّق بمسار المبادئ التوجيهية لعملية توسيع بريكس ومعاييرها وإجراءاتها لتعزيز حضورها كقوة تواجه الهيمنة الغربية على الشؤون الدولية، في وقت تتصاعد المواجهة الروسية الأطلسية في أوكرانيا، ويتزايد التنافس الصيني الأميركي في شرق آسيا، وتوجّه جدّي متنامٍ لدى أعضاء التجمّع للتخلي عن الدولار كعملة مهيمنة عالمياً.

أهمية القمة

شكّلت قمة جوهانسبرغ منعطفاً مهماً في مسيرة تجمّع بريكس بفعل تصاعد أهميته عالمياً، إضافة إلى المسائل والقضايا التي يعمل عليها التجمّع والتي تبلورت لتصبح أكثر وضوحاً منذ تأسيسها، وعليه يمكن إيجاز أهمية قمة بريكس في جوهانسبرغ بما يلي: 

1 ـــ تزايد فعالية التجمّع في الاقتصاد العالمي: 

ينظر إلى تجمّع بريكس باعتباره نقطة تحوّل فارقة في مسار الاقتصاد العالمي، نظراً للثقل الكبير الذي تشكّله دوله، والدول التي دعيت للانضمام إليه وهي 6 دول من 3 قارات تعتبر دولاً صاعدة اقتصادياً، وزانة سكانياً، وذات قدرات هائلة طاقوياً. 

فوفقاً لإحصاءات البنك الدولي، تمثّل دول البريكس ربع الاقتصاد العالمي، وتمثّل 40% من سكان العالم، إذ تشير التقديرات إلى أن التجمّع الذي يتوسّع سيستحوذ على نصف الناتج العالمي بحلول العام 2040 متفوّقاً على مجموعة السبع G7، ومن المتوقّع أن يصل عدد سكان "بريكس+" إلى ما يقرب من 4 مليارات شخص بحلول عام 2050، الأمر الذي سيضع التجمّع في المرتبة الأولى كقطب جيوـــ اقتصادي وجيوـــ سياسي مناهض للهيمنة الغربية على النظام العالمي.

2 ـــ تغيير النظام الدولي: 

يتفق أعضاء تجمّع بريكس حول الحاجة الماسة لتغيير النظام الدولي الحالي، وتحرّره من أحادية هيمنة الدول الغربية وفي طليعتها الولايات المتحدة الأميركية، وعقلية الحرب الباردة التي عادت لتتسيّد المشهد الدولي، والتوقّف عن الإجراءات الأحادية على حساب التعاون الجماعي الدولي لصالح  نظام دولي تعدّدي يأخذ بعين الاعتبار مصالح الدول النامية، وإصلاح الأمم المتحدة والهياكل ذات الصلة بما يحفظ السلم والأمن الدوليّين القائم على قواعد القانون الدولي، وليس على قواعد الأمن القومي لدولة بعينها والذي يشمل العالم بأسره من دون حدود، ومن دون أيّ قيمة للمؤسسات الدولية. 

وتظهر هذه التوجّهات والمبادئ في الخطاب السياسي لقادة التجمّع، فروسيا ترى أن الغرب فشل في عزلها واحتواء دورها عقب عمليتها العسكرية في أوكرانيا، والصين تتصدّر المشهد في منافسة الولايات المتحدة، وهي تتمدّد بفعل مبادرتها الحزام والطريق، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وترتبط بعلاقات وثيقة مع دول العالم كافة، والهند بدورها تحقّق نقلات كبيرة في اقتصادها ومعدلات نمو معتبرة، فضلاً عن كونها القوة البشرية الأولى عالمياً، وقوة تكنولوجية لا يستهان بها، والبرازيل هي الأخرى بما تمثّل من ثقل اقتصادي وسياسي في منطقة تنظر إليها الولايات المتحدة تاريخياً باعتبارها حديقتها الخلفية، وبالتالي تتلاقى رؤى قادة التجمّع بأنه يمكن إحداث توازن في النظام العالمي لإرسائه على أسس تعددية بعيداً عن الانفرادية والهيمنة الغربية. 

3 ــــ تصاعد الاهتمام الدولي بالانضمام إلى بريكس: 

تبدي الكثير من دول قارات العالم اهتماماً متصاعداً للانضمام إلى تجمّع بريكس، إذ أعلنت 60 دولة عن اهتمامها بالانضمام إلى التكتل، تقدّمت منها 23 دولة بطلبات رسمية للانضمام، ما يجعل من التجمّع نادياً للجنوب العالمي في مشهد يعيد التذكير بتكتل دول عدم الانحياز، الذي أدّى دوراً مهماً في الحرب الباردة. 

كلّ ذلك يجري على إيقاع تزايد شهية الكثير من الدول الساعية إلى الانعتاق من هيمنة الدول الغربية على المنظمات الدولية، والمؤسسات الاقتصادية والتجارية والمالية الدولية كمنظمة التجارة العالمية، وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي اللذين يمنحان القروض والمساعدات المالية والاقتصادية بشروط قاسية وصعبة، وعليه تشكّل بريكس فضاء اقتصادياً ومالياً ترى فيه العديد من الدول مساحة لتجنّب الخضوع لإملاءات وأجندات الدول الغربية.

4 ـــ نظام مالي عالمي جديد بعيداً عن هيمنة الدولار: 

العقوبات الغربية غير المسبوقة على روسيا، والإجراءات الأحادية التي تتخذها الدول الغربية ضد الدول التي تعاندها، والسياسات الحمائية والتجارية الصارمة في مواجهات القوى المنافسة والصاعدة، وإجبار الدول على اتباع سياسات يعتبرونها هوجاء وعدوانية وغير قانونية، وقبل كل ذلك استخدام الدولار كسلاح، واستغلال مكانته كعملة احتياط وتجارة دولية سائدة، سرّعت من حركة تجمّع بريكس نحو التصدّي لهذه المشكلة، والعمل على اتخاذ إجراءات واعتماد سياسات لإزالة الدولرة في تعاملاتها الاقتصادية والتجارية والمالية، إذ تشكّل الدول الخمس في التجمّع ما مجموعه 19% من حجم التجارة الدولية. 

هذا فضلاً عن الأفكار التي ينكبّ التجمّع على دراستها لتطوير عملة مشتركة في ما بينها، ونظام للدفع خاص بها، للتخلّص من سطوة الدولار الأميركي. هذه الأفكار تلقى رواجاً كبيراً من دول كثيرة ترغب وتسعى وتعمل على تنويع سلة احتياطاتها المالية بعيداً عن الدولار، والتخلّص من سطوته على تعاملاتها الاقتصادية والتجارية والمالية.

وبالفعل بدأت دول تجمّع بريكس تسوية العديد من تعاملاتها التجارية بالعملات المحلية حيث وقّعت الهند وروسيا اتفاقية تقضي باعتماد الروبل والروبية في صفقاتهما التجارية والطاقوية، كما وقّعت الصين والبرازيل اتفاقاً مماثلاً يقضي باعتماد عملتي البلدين في تعاملاتهما الاقتصادية. اللافت في هذا السياق أن دول بريكس باشرت في تقويم بعض تعاملاتها المالية والتجارية مع دول خارج التجمّع بعيداً عن الدولار الأميركي كما يحصل بين الهند وماليزيا، وحتى بعيداً عن نظام سويفت الذي يخضع للرقابة الأميركية.

وفي السياق عينه يتوسّع نشاط بنك التنمية الجديد الذي أسسه التجمّع في العام 2015، حيث يجري العمل على تحويل قروضه من الدولار إلى العملات المحلية وفق ما أعلنت رئيسة البنك الرئيسة البرازيلية السابقة ديلما روسيف. 

عهد بريكس الجديد

حمل البيان الختامي لقمّة جوهانسبرغ العديد من الدلالات التي تتجاوز توسيع عضوية تجمّع بريكس، وتعزيز قدراته الاقتصادية، إلى إعادة بناء وتشكيل هيكل القوة السياسية للتجمّع، من منظور جيوستراتيجي، وإعادة بناء نظام دولي أكثر عدلاً، وعليه تتلخّص أهم مخرجات ونتائج القمة بما يلي: 

1 ـــ توسيع عضوية بريكس، التمدّد الجيوستراتيجي: 

تضمّن إعلان جوهانسبرغ دعوة 6 دول جديدة للانضمام إلى تجمّع بريكس للاقتصادات الناشئة، وهي السعودية والإمارات ومصر وإيران والأرجنتين وإثيوبيا، لكي تصبح أعضاء كاملة العضوية في بريكس، على أن تبدأ عضويتها في الأول من كانون الثاني/يناير 2024.

ويتمتع الأعضاء الجدد في المجموعة بمكانة جغرافية ذات أهمية كبرى في مسارات التجارة العالمية، إذ تطلّ كلّ من إيران والإمارات والسعودية ومصر على ممرات بحرية مهمة، وهي: الخليج والمحيط الهندي والبحرين الأحمر والمتوسط، إلى جانب مكانتها الإقليمية كمراكز توزيع تجاري، وهي سمة تشترك فيها أيضاً كل من إثيوبيا داخل قارة أفريقيا، والأرجنتين في أميركا اللاتينية. 

ومع هذا التوسّع الذي يعد الأول منذ 2010 حين انضمت جنوب أفريقيا إلى التجمّع، سيزيد عدد الدول المنضوية فيه إلى 11 عضواً، كما سيصبح متحكّماً في نحو ثلث الاقتصاد العالمي. كما يسهم هذا التنوّع الجغرافي في بناء ركائز للتكامل الاقتصادي مستقبلاً، بما يتجاوز مسألة الاتصال الجغرافي، كركيزة لبناء تكتل على غرار الاتحاد الأوروبي، إلى توسيع نفوذ التكتل على مستوى العالم، ما يساعد في فتح أسواق جديدة لمنتجات دول بريكس، وزيادة حصتها من السوق العالمية.

وأشار رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا في اختتام فعاليات القمة إلى وجود شبه إجماع وتوافق حول عملية توسيع التجمّع، مبدياً تقديره لاهتمام الدول الراغبة في بناء علاقات شراكة وتعاون مع تجمّع بريكس، حيث سيستمرّ التكتل بتطوير أشكال ونماذج لما يسمى بالدول الشريكة أو تلك المحتملة. 

بدورها ذكرت وزيرة خارجية جنوب أفريقيا ناليدي باندور، أن التجمّع يسعى إلى إنشاء تحالف قوي من الدول النامية يمكنه من وضع مصالح الجنوب العالمي بشكل أفضل على جدول أعمال العالم، وقالت باندور في حديثها عن إعلان جوهانسبرغ الثاني الذي تبنّته القمة في ختام أعمالها، إن التجمّع يقدّر الاهتمام الكبير الذي أبدته دول الجنوب العالمي بعضوية بريكس.

2 ـــ تعزيز الروابط الاقتصادية والصناعية بين أعضاء التكتل: 

دعا إعلان جوهانسبرغ إلى المزيد من التعاون بين أعضاء تجمّع بريكس بتعزيز الترابط بين سلاسل التوريد، وتطوير نظم الدفع والتسويات لتنشيط عجلة التجارة وتدفّقات الاستثمار فيما بينها، واعتماد الانفتاح والكفاءة والاستقرار لانتعاش اقتصاديات الأعضاء. وتضمّن الإعلان تأكيد قادة تجمّع بريكس دعمهم إرساء نظام تجاري متعدد الأطراف مفتوح وشفّاف وعادل يمكن التنبّؤ به، وشامل ومنصف وغير تمييزي، وقائم على القواعد، وفي جوهره منظمة التجارة العالمية. 

كذلك الدفع باتجاه اعتماد العملات الوطنية في التعاملات التجارية والمالية سواء داخل دول البريكس، أو مع الشركاء التجاريّين خارج التجمّع، وتشجيع عمليات التصنيع المشترك، وخلق فرص جديدة لتسريع التنمية الصناعية فيها من أجل الوصول إلى عملية التصنيع الشامل والمستدام.

3 ـــ نظام دولي متعدّد الأطراف: 

أيّد قادة بريكس في إعلان جوهانسبرغ إجراء إصلاحات في الأمم المتحدة، بما في ذلك مجلس الأمن، من أجل إضفاء المزيد من الديمقراطية والفعالية على المنظمة. كما أعربوا عن قلقهم بشأن استخدام التدابير أحادية الجانب التي تؤثّر سلباً على الدول النامية. وأكد البيان تجديد الدول الأعضاء التزامها بتعزيز وتحسين الحوكمة العالمية من خلال تشجيع نظام أكثر مرونة وفعّالية وكفاءة، نظام دولي متعدّد الأطراف ديمقراطي وخاضع للمساءلة. كما دعا قادة بريكس إلى ضرورة زيادة مشاركة الأسواق الناشئة والدول النامية في المنظمات الدولية والمنتديات متعدّدة الأطراف.

4 ـــ ضمان الأمن الغذائي: 

أجمع قادة تجمّع بريكس على الالتزام بتعزيز التنمية الريفية والتعاون الزراعي على أسس مستدامة بالاستناد إلى خطة العمل 2021 – 2024 للتعاون الزراعي لدول بريكس، وضمان الأمن الغذائي العالمي من خلال الاستجابة الفاعلة وضمان الوصول إلى المدخلات الزراعية، وتوفير سلاسل إمدادات الغذاء ذات القدرة المتينة في مواجهة أزمات الغذاء العالمية. 

5 ـــ بيئة آمنة ومستدامة للسلام والتنمية: 

أكد إعلان جوهانسبرغ أن تجمّع بريكس يتمسّك باعتماد الحلول السلمية في حل الخلافات والنزاعات والأزمات والصراعات، عبر الحوار والتعاون، ويأتي في مقدّمتها الأزمة الروسية الأوكرانية، مقدّرين المساعي الحميدة والدبلوماسية والوساطة للتوصّل إلى حل سلمي للأزمة. 

كما رحّب إعلان جوهانسبرغ بالجهود المبذولة والتطوّرات الإيجابية التي يبذلها أعضاء التجمّع لتحقيق الاستقرار، وإرساء أسس التنمية وتحصين الأمن في منطقة الشرق الأوسط، وتأتي في طليعة هذه التطورات إعادة العلاقات الدبلوماسية بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمملكة العربية السعودية، ودعم استمرار وقف إطلاق النار في اليمن، والوصول إلى حل سياسي دائم ينهي الصراع فيه، كما رحّب قادة التجمّع بعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.

كما دعا إعلان جوهانسبرغ إلى إحياء المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية من أجل التوصّل إلى حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، معربين عن قلقهم الكبير حيال الوضع الإنساني المتدهور في الأراضي الفلسطينية المحتلة بفعل استمرار الاحتلال الإسرائيلي وبناء المستوطنات غير القانونية، ما يشكّل انتهاكاً للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني والقرارات الدولية ذات الصلة.

تحديات متعدّدة

على الرغم من تعاظم قدرات تجمّع بريكس، وأهمية الخطوات النوعية التي اتخذتها قمة جوهانسبرغ، إلّا أنّ التجمّع يواجه مجموعة من التحديات التي تعيق تحقيق أهدافه نوجزها بما يلي:  

1 ـــ ضعف التجانس وتباين الرؤى: 

يشكّل التباين في الرؤى بين أعضاء التكتل أبرز التحديات التي تعيق النهوض ببريكس كفاعل دولي، فثمة خلافات حدودية وانقسامات حول أمن قارة آسيا بين الهند والصين، فضلاً عن التباين في العلاقات مع الدول الغربية، فالصين تسعى لتأكيد مكانتها العالمية وقدرتها كقوة كبرى فاعلة على تحدّي القوة الأميركية وحلفائها في أوروبا عبر تشكيل وقيادة معسكر من دول الجنوب، وفي آسيا أيضاً، وتحديداً اليابان وكوريا الجنوبية، وذلك في سياق الصراع على النفوذ والهيمنة دولياً. 

الهند من جهتها لديها تطلّعاتها الجيوسياسية العالمية الخاصة تعمل للحفاظ على علاقات مهمة مع الغرب، وعدم دخول التكتل في صدام وعداء معه، وهي التي تحتفظ بعضويتها في التحالف الرباعي "كواد"، وتتخوّف من هيمنة الصين على تكتل بريكس، فضلاً عن انخراطها في توتر متأصل مع بكين، حيث الصراع على الحدود، وانعدام الثقة حول التكنولوجيا الصينية، وبالتالي لن ترضى نيودلهي بدور صغير داخل التكتل، ولن تكون سعيدة بالاضطلاع بدور محدود في تشكيل وصياغة سياسات المجموعة.

روسيا من جهتها تعمل على توظيف تجمّع بريكس وتوسيع عضويته بشكل أكبر وبوتيرة أسرع، لمواجهة الهيمنة الغربية وكسر طوق العقوبات الذي فرضته الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون عليها بعيد بدء عمليتها العسكرية في أوكرانيا، والعمل على تسريع التخلّص من الدولار الذي تعتبرها سلاحاً تشهره واشنطن ضد خصومها ومنافسيها. 

فيما البرازيل وجنوب أفريقيا يحاولان الحفاظ على التجمّع لتعزيز وتطوير قدراتهما الاستراتيجية المختلفة، لبلورة مكانة كل منهما في النظام الدولي، كقطب فاعل، وليس كقوة كبرى ذات تأثير له حدود أقل من طموحاتها لتحقيق مصالحها، إضافة إلى رغبتهما بعدم الدخول في قطيعة شاملة مع الغرب.

وعلينا ألّا ننسى طغيان النزعة التنافسية بين دول بريكس على المناطق الاستراتيجية ومنها على سبيل المثال لا الحصر التنافس الروسي الصيني حول منطقة آسيا الوسطى ذات الإمكانيات الاقتصادية والعسكرية الكبيرة، فضلاً عن موقعها الجيوستراتيجي المهم والمؤثّر لارتباطها بأكثر من قارة، ولوقوعها على الطرق الرئيسية التي تربط آسيا وأوروبا.

2 ـــ عملة بريكس الموحّدة: 

تشكّل فكرة اعتماد عملة موحّدة لتجمّع بريكس أحد أبرز مظاهر القوة الاقتصادية في النظام الدولي، كما تعتبرها دول بريكس بداية لمواجهة هيمنة الدولار الأميركي. بيد أن القمة الأخيرة في جوهانسبرغ لم تخرج بتصوّرات متكاملة لعملة بريكس الموحّدة، أو لاعتماد العملات المحلية في التبادلات التجارية فيما بينها، إذ تشير الإحصائيات إلى أن حجم التجارة البينية بين دول بريكس باستخدام عملاتها المحلية، يتراوح بين 30% إلى 35% من جميع المعاملات، مع استمرار الجزء الأكبر في استخدام الدولار الأميركي واليورو. 

بيد أن التجربة العملية تشير إلى أن مسألة إطلاق عملة موحّدة للتجمّع تحتاج إلى مفاوضات مكثّفة وخطوات إجرائية اقتصادية معقّدة وطويلة، بهدف إعادة تأهيل اقتصاديات الدول الأعضاء، مثلما هو الحال في منطقة اليورو، لإنشاء آليات تحدّد أسعار الصرف وأنظمة الدفع وتنظيم الأسواق المالية الخاصة بها.

3 ـــ التباعد الجغرافي بين دول بريكس: 

أدى التباعد الجغرافي إلى ضعف التجارة البينية بين دول التجمّع، فالجغرافيا من أهم الثوابت التي تحكم العلاقات الاقتصادية بين دول بريكس، إذ يرتفع حجم التبادل التجاري بين الدول المتجاورة جغرافياً (روسيا، الصين، والهند) بصورة أفضل عن تجارتها مع الدول البعيدة جغرافياً مثل البرازيل وجنوب أفريقيا، فضلاً عن الاختلالات التجارية الكبيرة فيما بينها، إذ تعد الصين المحور الرئيسي في التجارة البينية لدول البريكس، وهذا ما يراه بعض أعضاء بريكس وتحديداً الهند نفوذاً متزايداً للصين داخل التجمّع.

ختاماً، يمكن القول إن قرار تجمّع بريكس التاريخي في قمة جوهانسبرغ بتوسيع عضويته من شأنه أن يعزّز من نفوذه دولياً على المستويين الاقتصادي والسياسي، ويعزّز التوجّه نحو إقامة نظام دولي متعدّد الأقطاب. فعلى الرغم من التباينات بين أعضاء التجمّع سياسياً واقتصادياً، إلا أنه يعلن صراحة عن شكوكه الكبيرة بالنظام الليبرالي الذي تتزعمه الولايات المتحدة وهيمنتها عليه، وهذا ما نعتبره بداية لحقبة جديدة من التنافس الدولي بين القطبين تجمع بريكس ومجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، وبالتالي سيكون تجمّع بريكس أمام استحقاقات مفصلية يتوجّب عليه التعامل معها برصانة وحكمة. 

هذا في وقت تتزايد فيه الانقسامات والاصطفافات ومخاطر الفوضى الجيوسياسية، وانخراط القوى العظمى في صراعات غير مقيّدة أو منضبطة، فالقواعد التي سادت العالم وحكمته لعقود باتت غير قادرة على إدارة الشؤون الدولية، وهذا ما ينذر بدخول العالم عصر الاضطرابات السياسية والاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية والبيئية والثقافية الكبرى.