فشل العدوان الأميركي على غزة وهزيمة الكيان الإسرائيلي الوظيفي
فشل العدوان في تحقيق أيٍّ من أهدافه المعلنة، وتمّ فضح وانكشاف حقيقة عشرات المخططات والمشاريع الخبيثة التي كانت معدّة مسبقاً، وتبيّن أنها بمجملها تقوم على تهجير وتدمير القطاع والقضاء على المقاومة الفلسطينية.
بعد مضي أكثر من 160 يوماً للعدوان الأميركي الإسرائيلي الغربي على قطاع غزة، على وقع ارتكابه المجازر والإبادة الجماعية، وتطبيق أبشع أنواع الحصار اللاأخلاقي واللاإنساني على أهالي القطاع، ووسط تعنّت ورفض الكيان الإسرائيلي الوظيفي المدعوم بالرفض والفيتو الأميركي لوقف إطلاق النار والاتفاق على هدنة إنسانية.
يبدو أنه من الأهمية بمكان، تكرار تأكيد أنّ المقاومة الفلسطينية تواجه العدوان الأميركي الغربي وجهاً لوجه، والذي تقوم بتنفيذه قوات وحكومة ومستوطنو الكيان الإسرائيلي، بعدما تأكّد للعالم أن الولايات المتحدة هي التي تدير العدوان منذ لحظاته الأولى، وأثبتت بأنها العدو الحقيقي، وبأنها المعنيّ الأول بالقضاء على المقاومة في فلسطين والمنطقة برمّتها، بعدما نجحت في انتزاع عقيدة عديد الجيوش العربية، وأقنعت أنظمة دولها بأنها الضامن الوحيد لبقائهم ولأمنهم السياسي والاقتصادي.
لكنّ واشنطن فوجئت بفكرة المقاومة وكيف تحوّلت إلى عقيدة ومحور قوي يستند إلى وحدة ساحاته وجبهاته والتفاف الجماهير حوله، وبأنّ الكلمة العليا في المنطقة باتت للمقاومة، وليست للكيان الوظيفي الذي انكشف ضعفه وبأنه لا يعدو أكثر من قاعدة عسكرية أميركية – غربية، لتحقيق أهداف الولايات المتحدة، وفرض هيمنتها على قرار ومقدّرات ومصير ومستقبل دول المنطقة.
واستمرت بدعم هذه القاعدة العسكرية منذ بدايات القرن الماضي، وصولاً إلى العدوان الحالي، بالمساعدات العسكرية والمالية والسياسية والاقتصادية والإعلامية، ومع ذلك يعتبر البعض أنّ الصراع في غزة هو بين طرفين أو جانبين هما الجانب الإسرائيلي وفصائل المقاومة الفلسطينية، متجاهلين هوية داعمي الكيان وحجم ما يُقدّم إليه منذ عقود، وفي غفلة عن اعتراف رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق شيمون بيريز بقوله: "أعطتنا أميركا المال، وأعطتنا فرنسا السلاح مقابل المال، فيما أعطتنا ألمانيا المال والسلاح". الأمر الذي تطوّر اليوم وأصبح جميع الغربيين يقدّمون المال والسلاح للكيان بالمجان.
ومع ذلك، فشل العدوان في تحقيق أيٍّ من أهدافه المعلنة، وتمّ فضح وانكشاف حقيقة عشرات المخططات والمشاريع الخبيثة التي كانت معدّة مسبقاً، وتبيّن أنها بمجملها تقوم على تهجير وتدمير القطاع والقضاء على المقاومة الفلسطينية، والانتقال نحو لبنان للقضاء على مقاومته، وعلى ما تدعوها سلطات الكيان بـ "تهديدات" الجبهة الشمالية، وكلّ مشروع وحزب وفصيل مقاوم لمشاريعها ومخططاتها في المنطقة.
وبالرغم من سقوط وفضيحة الرواية الإسرائيلية والأميركية، واستمرار التظاهرات المليونية حول العالم المطالبة بوقف إطلاق النار، إضافة إلى الدعم الدولي الكبير الذي حظيت به محكمة العدل الدولية لمقاضاة "إسرائيل"، ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأميركية، والهزائم العسكرية الإسرائيلية والأثمان الباهظة التي تتكبّدها قواتها البرية، وأمام ضغط الشارع الإسرائيلي حيال موضوع تحرير الأسرى، والخلافات داخل الحكومة الإسرائيلية وحتى داخل الولايات المتحدة، احتاجت إدارة بايدن وحكومة نتنياهو إلى الوقت، لتدارك الأمر ولإبعاد شبح الهزيمة المشتركة.
فقد تمّ استغلال الخلافات بين بايدن ونتنياهو، لإطالة أمد العدوان وزيادة الضغط على المقاومة، وجرى تضخيمها بشكل دراماتيكي، في الوقت الذي ينحصر الخلاف بينهما على كيفية الوصول لأهداف العدوان وليس على وقف العدوان نفسه، في وقتٍ رحّب فيه بايدن بكلام زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ الأميركي "تشاك شومر"، الذي دعا إلى إسقاط حكومة نتنياهو وإلى اجراء انتخابات مبكرة، واعتبر أن نتنياهو يقود "إسرائيل لتكون دولة منبوذة".
على الرغم من ذلك فإنّ إدارة بايدن لا تريد إبعاد نتنياهو، ولو أرادت لفعلت، لكنها تدرك أنّ إبعاده أو التوصّل إلى الهدنة سيفجّر الداخل الإسرائيلي على الفور، وتحاول جلبه نحو القبول بأسلوبها السياسيّ وباستعمال الدبلوماسية والضغوط أكثر فأكثر، وترى بأن نتنياهو فشل في تحقيق أهداف الولايات المتحدة، ولم يستطع القضاء على المقاومة، وعلى تحالف محور المقاومة الممتد إلى باب المندب ورأس الرجاء الصالح.
صحيح أنهما تبادلا الانتقادات، لكنّ بايدن وجد نفسه مضطراً لتأكيد دعمه المطلق والثابت لـ "إسرائيل"، ولتوبيخ نتنياهو بشكل علني لأنه "يضرّ إسرائيل أكثر مما ينفعها"، في حين أن الأمر يبدو مفيداً لكليهما، إذ يعزّز تعنّت نتنياهو مواقفه أمام اليمين الإسرائيلي المتطرف، ويحسّن صورة بايدن الصهيوني غير اليهودي أمام ناخبيه، وهو الساعي لدعم "إسرائيل" من دون أيّ خطوط حمر.
وما تؤكده جولات المفاوضات حتى الآن، أنه ليس لدى بايدن ونتنياهو أيّ نية لوقف إطلاق النار، بعد أن تم إفشال اللقاء الأول في مصر بإرسال نتنياهو وفداً بلا صلاحيات، ثم انتقلت المفاوضات إلى باريس 1 ومن ثم باريس 2، وعادت إلى مصر بغياب الوفد الإسرائيلي، وطالب الوسطاء حماس بالرد على الموقف الإسرائيلي في باريس 2، وبذلك نقلوا الكرة إلى ملعب حماس، وبأنها مسؤولة عن هدر الوقت، وعن استمرار التجويع والحصار والهدنة والاتفاق.
ومع حلول شهر رمضان المبارك، ذهبت وعود بايدن بالتوصّل إلى اتفاق الهدنة أدراج الرياح، وانتهت مسرحيات إلقاء المساعدات جواً، وجاء بايدن بمشروع الميناء العائم في بحر غزة الذي يحتاج إلى مدة شهرين لإنشائه، بعدما أراده عنواناً إنسانياً لكنه في حقيقته يمثّل بوابة رئيسية ليس لتهجير الغزاويين فقط، بل لإنهاء القضية الفلسطينية برمّتها.
لم تكن المقاومة الفلسطينية يوماً متروكة لوحدها ولن تكون، وستحظى دائماً بدعم وإسناد محور المقاومة، ترجمةً لمفهوم ومبدأ "وحدة الساحات"، وقد تجلّت الأفعال بوضوح شديد، بدأ منذ الـ 8 من تشرين الأول/أكتوبر، ومساندة حزب الله عبر الجبهة اللبنانية، والمساندة الكبيرة من اليمنيين، وكذلك من العراقيين والسوريين، وبالدعم الإيراني المرئي وغير المرئي، وبات واضحاً أن جبهات المساندة أرقت مضجع الأميركيين والإسرائيليين، وبات عليهم تفادي لحظة انطلاقها بتوقيت موحّد.
هذا الأمر ترجمه الرئيس بايدن مراراً وتكراراً بكلامه عن عدم رغبته بتوسيع الجبهات والمواجهة، على الرغم من أنه ونتنياهو لم يتوقّفا عن الدفع بالمشاريع الخبيثة التي تطال دول وشعوب المنطقة العربية مجتمعة، أمورٌ بمجملها جعلت الجبهة اللبنانية واليمنية تستحوذ على الهم والاهتمام الإسرائيلي والأميركي والغربي الأكبر.
وعلى الرغم من سخونة هاتين الجبهتين، إلّا أنها المرة الأولى التي توسّع الصواريخ اليمنية تطبيق حصارها إلى رأس الرجاء الصالح، وبالتوازي تعود "إسرائيل" إلى التمسّك بتراجع قوة الرضوان في حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني بهدف إقامة منطقة منزوعة السلاح، في أعقاب قيامها بتوسيع هجماتها وضرب مواقع جديدة لحزب الله أكثر عمقاً، وانتهاك قواعد الاشتباك التي فرضتها المقاومة.
لكنّ المقاومة أمطرت المواقع الإسرائيلية في الجولان السوري المحتل بعدد كبير من الصواريخ، لإجبارها على العودة إلى قواعد الاشتباك على الحدود، وسط زيارات الموفد الأميركي هوكستين، الذي سبق له وأن فصل بين الساحتين اللبنانية والفلسطينية، ورفض الاعتراف بوحدة الساحات، وبأنّ وقف إطلاق النار في غزة لا يعني توقّفه على الجبهة الشمالية مع لبنان، لكنّ رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري ردّ عليه بحزم، وبوجوب تنفيذ القرار 1701 كاملاً، أو سيعود لبنان إلى "تفاهم نيسان" لعام 1996، الذي يجيز للمقاومة الرد على كل اعتداء إسرائيلي.
في ظلّ المعطيات الحالية، تبدو العقبات والعثرات كبيرة أمام التوصّل لاتفاق أو هدنة، وسط إصرار نتنياهو على اجتياح رفح، الذي يعتبر أنّ عدم الذهاب نحو رفح هو خسارة للحرب، وعلى الرغم من مصادقة مجلس الحرب الإسرائيلي على خطة التوغل البري في رفح، إلّا أنّ الشكوك كبيرة في قدرته على تحقيق أيّ من أهدافه في رفح.
على الرغم من رمي الكرة في ملعب حماس، لكنها رفضت الوقوع في الفخ وتقديم ردّ رسمي، لكنها قدّمت للوسطاء مقترحاً شاملاً للاتفاق يرتكز على "المبادئ والأسس، ويشمل وقف الحرب على القطاع، وتقديم الإغاثة والمساعدات الفورية، وعودة النازحين إلى بيوتهم، وانسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع، في وقتٍ وصف فيه نتنياهو مطالب حماس بـ "غير الواقعية"، ولا يزال الطرفان يتبادلان عبر الوسطاء المقترحات حول إطلاق الأسرى وطبيعتهم وأعدادهم وفق مقترح حماس.
ومع ذلك، لا يُتوقّع لزيارة الإسرائيليين إلى قطر وبحضور رئيس الموساد الإسرائيلي، أن تحمل أي جديد، وستفشل كسابقاتها، فالمقاومة ثابتة وقادرة، ولن يستطيع أحد التأثير على قرارها وثوابتها، في وقتٍ لم تثبت فيه الإدارة الأميركية نضج مواقفها، وقبولها بعدم تحقيق أهداف عدوانها، والاعتراف بهزيمة ذراعها العسكرية في الكيان الوظيفي بزعامة نتنياهو، وبات عليها الاختيار بين التخلّي عن أهدافها أو تأجيلها، لكن في كلا الحالتين، لم تعد تملك أي مبرّر لتعويمها واحتفاظها بـ نتنياهو.