عجز إعلامي تلاه استسلام.. واستجداء للنظام التركي من موسكو

لن تقبل الحكومة السورية لا أكثر من حقها ولا أقل منه، ولو بمقدار شعرة واحدة.

  • عجز إعلامي تلاه استسلام.. واستجداء للنظام التركي من موسكو
    عجز إعلامي تلاه استسلام.. واستجداء للنظام التركي من موسكو

لم يعد النظام التركي في عهد إردوغان محط ثقة لكثير من الدول، بسبب سياسة الخبث التي ينتهجها تجاه الحلفاء قبل الأعداء. ولا حتى "روب" المحاماة الذي تسربل به دفاعاً عن الأقصى المبارك وعن الشعب العربي الفلسطيني بات مقنعاً أمام الرأي العام العربي، فنظام تمتلئ جعبته بدماء آلاف الأبرياء في سوريا وليبيا والعراق دليل فاضح على عدم شرعية هذا الكيان، التي يقودها عقربٌ ينفث سُمّه في القريب قبل البعيد. 

كثف الإعلام التركي تركيزه في الآونة الأخيرة على احتمال اجتماع إردوغان بالرئيس السوري بشار الأسد، والذي وصفه الأول بالطلب التركي من روسيا بعقد لقاء ثلاثي يضم دمشق وموسكو وأنقرة، في خطوة رآها كثيرون من المحللين والمراقبين للشأن التركي، أنها سياسة العودة إلى أي مستقبل لهذه الدولة، إذ إن الرهان على الطموح الجامح التركي انتهى، وعودة أمجاد الدولة العثمانية البائدة، بعد تلكؤ في السياسية الخارجية، وضعت إردوغان أمام دائرة ضيقة، لا ظل له يحميه من مغبة أفعاله إلّا تحت العباءة الروسية.

بحث إردوغان هاتفياً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن حل لتسريع عملية اللقاء السوري التركي، لبحث سبل الحل لعدة ملفات، على رأسها ملف اللاجئين السوريين في تركيا، وملف مكافحة ميليشيا "قسد"، التي تعدّها أنقرة تهديداً لأمنها القومي، وملف المسلحين من منطقة خفض التصعيد في الشمال السوري، في حين تقابل دمشق هذا الاستعجال بالتأني المصحوب بالحكمة لعدة أسباب، أولها عدم الثقة بهذا النظام المنافق الذي يبدي رغبته في الصلح ولكن نيات الطعن في الظهر حاضرة دائماً، وهذا ما أبدته قوات الاحتلال التركي بقصف نقاط للجيش العربي السوري بالقرب من مدينة عفرين في محافظة حلب، والتي ردت عليها قواتنا الباسلة بضرب قواعد وجود جنود الاحتلال التركي ومقار الإرهابيين في إدلب. 

لن تقبل الحكومة السورية لا أكثر من حقها ولا أقل منه، ولو بمقدار شعرة واحدة. فانسحاب قوى الاحتلال التركي، والاعتذار الرسمي إلى سوريا، شعباً وجيشاً وقائداً، ووقف دعم الإرهاب في مناطق إدلب وريف حلب الشمالي، هي الفاتحة التي تتلوها مراراً دمشق. في المقابل لن تسمح الأخيرة للدول التي حاربتها بأن تعطيها ما ترجو. وأخص بالقول مسألة إعادة الإعمار، وهذا ما أكده الرئيس الأسد، في قوله إن الدول التي حاربت ضدنا لن تشارك في الإعمار. والدول التي ساعدتنا، وكانت صديقة لنا خلال الحرب، ستكون فقط شريكة لنا في إعادة الإعمار. 

ملف ميليشيا "قسد" يتأرجح بين عودة سليمة إلى جادة الصوات، والبقاء تحت الهيمنة الأميركية التي جعلت منها مطية تساق للسرقة والعبث بالديموغرافية السكانية، من خلال تهجير السكان العرب من المناطق الشرقية، وسَوق الشباب إلى التجنيد الإلزامي تحت رعاية أميركية وإسرائيلية. وهذا ما يرفضه السكان العرب.

وعندما استشعرت الميليشيا بدء نمو فكرة المقاومة الشعبية، وهذا ما شاهدناه عبر اعتراض للآليات التابعة للاحتلال الأميركي من جانب الأهالي، راحت الميليشيا تعتقل الشبان وكبار القوم بتهمة التعامل مع تنظيم "داعش" الإرهابي. وحذت الميليشيا بشأن إعادة فكرة وجود التنظيم الإرهابي في المنطقة، والذي يشكل خطراً على الأهالي، الخطوات ذاتها التي صاغها الأميركي في تبرير وجوده على الأراضي السورية لمواصلة النهب والسلب وإمداد المسلحين بالتعليمات، وحرمان الشعب السوري من أبسط حقوقه من المشتقات النفطية والحبوب، التي تشتهر المنطقة بزراعتها ووفرة إنتاجها، وبتربيتها للمواشي والدواجن. وهذا في حد ذاته خزان اقتصادي مهم. ومن حق الشعب السوري وليس لغيره.

الشمال السوري على صفيح ساخن وتخبط في صفوف المسلحين، بسبب إلحاح الجانب التركي على عقد لقاء يجمع الرئيسين لإيجاد الحلول فيما يخص المسائل التي ذكرناها، وهذا الأمر يُظهر التخلي التركي عن دعم المسلحين وإيقاف تمويلهم مادياً ومعنوياً، وبدا واضحاً وجلياً العبء الذي أثقل أنقرة التي لم تجد حلاً إلا بقذف المرتزقة في المناطق الساخنة، مثل ليبيا، وإقليم ناغورنو كاراباخ، للقتال إلى جانب القوات الأذرية، ومؤخراً إرسالهم إلى أوكرانيا للقتال.

فسياسة التصفية المتباطئة لآلاف المقاتلين هي عملية إقصاء التهم الموجهة إلى هذا النظام، الذي ساهم وساعد على إدخال آلاف الإرهابيين من مختلف أنحاء العالم عن طريق مطاراته ومنافذه الحدودية المشتركة مع سوريا ومحاولة إبعاد شبهة العلاقة الحميمة بينه وبين تنظيم "داعش"، الذي كان يتجول زعيمه البائد البغدادي بين سوريا وتركيا والعراق، على معرفة من أجهزة المخابرات التركية، وفق تعليماتٍ يتلقاها من مشغليه الأتراك. وعندما أدرك إردوغان بنكث البغدادي وتمرده عليه أشعل فتيل اجتثاثه من داخل أروقة "السي آي أيه"، بعملية سماها ترامب عملية كايلا مولر.

خلاصة القول إن هذه المرحلة تبدو حساسة جداً كونها نقطة التقاء وتقاطع المصالح بين الأطراف السورية والتركية والأميركية، على أن يتنازل التركي عن دعم الإرهابيين وأن تنسحب القوات الأميركية من الأراضي السورية، وعودة "قسد" إلى دمشق ضمن حل يدحض فكرة التمدد التركي والأميركي في سوريا، وعدم السماح لأنقرة بمتابعة ساستها السلبية التي تضر بالمنطقة