طلاب يفككون القيود.. ويفضحون التماهي الصهيو-أميركي
لم يعد غريباً أن تنكشف يوماً بعد يوم، حالة التماهي التام بين الصهيونية ونظام الولايات المتحدة الأميركية على مختلف المستويات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية حتى باتت تسميتها بـ"الصهيو-أميركية" أمراً بديهياً.
ما إن أعلن فتى الدولة العميقة المدلّل، والابن الروحي لزعيم آل روتشيلد المتوفى منذ شهرين، جاكوب روتشيلد- رئيس حكومة دولة الاغتصاب لفلسطين- ناثانيال نتنياهو امتعاضه من التحركات الطلابية في الجامعات الأميركية المناهضة للحرب على غزة، حتى اندفعت الشرطة الأميركية تحاول قمع التظاهرات، ومنع تمدّدها، وكان من أشنع صورها اعتداء شرطيين أميركيين، بوحشية مقزِّزة، على أستاذة في جامعة "تافتس" لمعارضتها دعم سلطات بلادها مجزرة غزة.
كأن نتنياهو باعتراضه على التحركات الطلابية بحجج معاداة السامية، أعطى الأوامر للشرطة الأميركية لقمع الانتفاضة في زهاء أربعين جامعة. كان الرأي العام يستمع، ولا يشعر بحقيقة ما تحدّث عنه مؤسّس فضائية "ترونيوز" الأميركية ريك ويلز،القسّ الأميركي المعادي للصهيونية، أنه ممنوع انتقاد الصهيونية في الولايات المتحدة.
ولم يعد غريباً أن تنكشف يوماً بعد يوم، حالة التماهي التام بين الصهيونية ونظام الولايات المتحدة الأميركية على مختلف المستويات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية حتى باتت تسميتها بـ"الصهيو-أميركية" أمراً بديهياً.
حقائق مذهلة نجحت هذه الحالة في التعمية عليها بما تملكه من إمبراطوريات إعلامية، ومراكز أبحاث، مكّنتها من حرف الأنظار عن حقيقتها منذ أكثر من قرن، ما أمّن لها مزيداً من الارتياح، والطمأنينة، وتحويل المجابهة معها إلى وجهات مضلِّلة، ومكّنها من الاستمرار، والسيطرة، والتلاعب بمصير العالم، وبكل مستويات الوحشية التاريخية التي مارستها، خصوصاً بين تاريخيْن شكّلا وصمة عار على جبينها من دون أن يرفّ لها جفن.
التاريخان الشقيقان هما، أوّلاً، قصف هيروشيما وناغازاكي بالنووي وإبادتهما قبيل نهاية الحرب العالمية الثانية، والثاني، حرب الإبادة الحالية المستمرة على غزة التي تفوق بوحشيتها كلّ تصوّر.
وليس أقلّ وحشية بين التاريخيْن إقامة الحالة الصهيونية في فلسطين، وما نجم عنها من تداعيات لا إنسانية، كارثية، لم يستطع العالم الوقوف في وجهها، ووضع حدٍّ لها.
ناهيك بالحروب المعروفة في أنحاء مختلفة من العالم، أبرزها حروب أفغانستان والعراق، والعدّ يتسع، ولا ينتهي.
وتحلّ أزمات اقتصادية في مختلف دول العالم بفعل الخضوع لهذه الدولة، التي استخدمت دولارها لإذلال شعوب الأرض بعد خططها الخبيثة التي ضربت العملات الوطنية، التي فقدت ملاذها الآمن، الذهب، ليحلّ الدولار محله.
حرب غزة، حرب أوكرانيا، حرب العراق، أحداث السودان، حروب ليبيا، وسوريا، ولبنان، كلّها لم تكن كافية لإشباع نهمها المتنامي للسيطرة، والهيمنة، والتوحش بهدف الربح، والحفاظ على موقع قيادة العالم الوحدانيّ الصفة.
وتشاء التطورات أن تكشف مزيداً مما كان مختبئاً في ثنايا التاريخ، لتظهر ألعاب هذه الدولة في المحطات الكبرى التي شهدها العالم، منها على سبيل المثال، أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، وما شكّلته من تبريرات للهجوم الوحشي في كلّ اتجاه، أهمها حربا أفغانستان والعراق، و لاحقاً، الهجوم على العالم بالأسلحة البيولوجية، آخرها كورونا، لوضعه في مزيد من الدمار، والخراب، والانهيار، حفاظاً على سيطرتها.
في مطلع سبعينيات القرن الماضي، ساد جدلٌ فكري- ثقافي عمّن يدير الثاني، هل الولايات المتحدة الأميركية، أم اللوبي الصهيوني وربيبته "دولة" الاحتلال في فلسطين، وكانت النقاشات تتعمّق وتحتدم بين المتجادلين، فكان التيار القومي يميل إلى سيطرة اللوبي الصهيوني على سياسة الولايات المتحدة الأميركية، بينما التيار الماركسي-الشيوعي يميل إلى العكس، أي أن الولايات المتّحدة الأميركية هي التي توجّه السياسة الصهيونية في فلسطين المحتلة، لتتوضح اليوم حقيقة اللغز وهي أنهما حالة متماهية، ومتطابقة بتسميتيْن مختلفتيْن.
جاكوب روتشيلد،صاحب تكتل آل روتشيلد، أغنى أغنياء العالم المالكين لثروات بعشرات تريليونات الدولارات، ومعهم تكتلات عائلية أخرى لا تقل عنهم غنى، أمثال آل روكفلر ومورغن وديبون وسواهم، لا يخجلون من دعمهم قيام "دولة" الكيان الغاصب لفلسطين، ودعم رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو الذي كان يظهر برفقتهم في جولات عالمية. ومن هنا، يمكن معرفة ضرب مقررات الأمم المتحدة عرض الحائط، ويستطيع نتنياهو رفض سياسة الولايات المتحدة الأميركية عندما لا تروق له مواقفها، وإن كان مجرد خلاف تكتيكي آني عادة، مقارنة بالدعم الهائل، مالياً وعسكرياً وسياسياً لـ" الدولة" الغاصبة.
اليوم، لم يعد من السهل مقاومة القناعة أن ليس هناك "ولايات متحدة أميركية" ودولة أخرى هي الكيان الغاصب في فلسطين. كشفت الكثير من التطورات بدايةً من حرب أوكرانيا، وصولاً إلى مجزرة غزة المستمرة، أن ليس هناك دولتان، لكلٍّ منهما سياستها. هناك دولة واحدة تتحكّم الصهيونية العالمية بسياستها هي الولايات المتحدة الأميركية، والكيان الغاصب في فلسطين. كأن الثاني ولاية من ولايات الأولى، وليس من فصلٍ بينهما، إلّا في مخيّلاتنا جميعاً التي خضعت للتضليل لقرون من الزمن.
وتتطوّر الأحداث مؤخراً لتؤكد هذه الحقائق، وتتمثل في انتفاضة الجامعات الأميركية لدى طلاب لم تطلهم لوثة الصهيونية، وعبارات التضليل ك"معاداة الساميّة"، و"الهولوكوست"، وما شابه.
بمجابهة هذا الحراك الطلابي الأميركي، تتجلّى بوضوح قاطع حقيقة وحدانية الحقيقة التاريخية التي لا يجوز وصفها إلا ب"الصهيو-أميركية"، حيث يشاهد العالم التماسك الصهيوني في السلطتين الأميركية والإسرائيلية بمواجهة الحركة الطلابية.
لماذا الاستغراب؟ ألم يعلن الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن صهيونيته مراراً!
أما لماذا استطاعت الحركة الطلابية الراهنة التفلت من القيود التاريخية الصهيونية في الولايات المتحدة، فلذلك أسباب عديدة، لكن يبرز في ظلّها تساؤل عن حقيقة بداية تراجع قوة الدولة العميقة، وتأثيرها، خصوصاً عقب وفاة زعيمها "جاكوب" الذي كان ممسكاً باللوبي العائلي المتحكّم بالسياسة الأميركية.
من المبكّر الحديث في هذا الشأن، لكنّ ما يجري حالياً يطرح علامات استفهام عديدة حول شعور الطلاب بضعف القيد، والانطلاق في تحرك واسع غير منتظر، بالترافق مع انكشاف المزيد من الحقائق عن تماهي الحالة "الصهيو-أميركية"، وعن سيطرتها ليس فقط على العالم الخارجي، وإنما بشكل أساسي، على الولايات المتحدة الأميركية نفسها، أكبر قوة اقتصادية وعسكرية في العالم.