صورةٌ وحكايةٌ وتداعٍٍ حرّ
الخلاصة أنّ أبناءنا يولدون ويكبرون وتكبر معهم الرغبة في معرفة كل شيء، وأي شيء، عن هؤلاء الأبطال.. فيسألون كيف عاشوا، بعد أن عرفوا كيف ماتوا..
في ذكرى يوم الشهيد، قبل عامين، ترك ولدي صالح رفاقه يلعبون وحدهم في باحةٍ قريبةٍ من مكان إقامة الحفل، وتسلل إلى حيث جلس آباء شـهداء المقاومة متجاورين، ليخوض في حديثٍ طويلٍ مع أحدهم، فالتقطت عينُ صديقٍ محبٍّ مجموعة صوَرٍ له، هذه واحدة منها..
لم أسأل صالح عن فحوى حديثه الطويل مع والد الشهيد، ولعلّي عرفته لاحقاً حين شاهدت صالح وسمعته بعد عامين في لقاء كشفي مع والدة صديقي وزميل دراستي الشهيد حسن رياض قصير، وقد أمطرها، دون رفاقه، بالأسئلة.
كانت الخلاصة أنّ أبناءنا يولدون ويكبرون وتكبر معهم الرغبة في معرفة كل شيء، وأي شيء، عن هؤلاء الأبطال.. فيسألون كيف عاشوا، بعد أن عرفوا كيف ماتوا..
أعود إلى الصورة، على طرفها يدُ نائبٍ عن كتلة "الوفاء للمقـاومة" في البرلمان اللبناني، تحطّ برفق على كتف والد شهـيدٍ آخر، ويد والد الشهـيد تمسك بيد النائب في حركة عفوية تعني الكثير، بالنسبة إليّ، ولأمثالي من الناس العاديين الذين لا يملكون "إصبع توما" وشك المثقفين الساخرين على الدوام من يقيننا الساذج بالنصر القادم، رغم كل شيء..
بالنسبة إليّ، لم أنتظر تقديم نائبَين عن هذه المقاومة ولدَيهما شهيدَين على طريق القدس كي أعرف أن هؤلاء لم يكونوا يوماً طالبي وجاهة ولا متسوّلي مناصب ولا مشاريع زعماء، بل مجاهدون من موقع سياسي محدّد اختير لهم، ولن يتمسكوا به إن اختير لهم سواه في أي لحظة..
بالنسبة إلي، لم يكن هذان ورفاقهما، وبعضهم عرفته عن قرب وربطتني به علاقة صداقةٍ وأخوّة، جزءاً من (128 حرامي)، عملاً بالشعار التافه "كلن يعني كلن" الذي لم يستهدف في الحقيقة سواهم!
بالنسبة إلي، لم يكن الفصل قائماً يوماً بين جناحَين للمقاومة: "سياسيّ شرير" و"عسكري طيب"، بحسب ما كان البعض يروّج مضطراً، حين يلمس عجزه عن شيطنة الجميع!
بالنسبة إلي، لا يمكن أن يكون هذا الجسم الذي يعترف له بعضنا - مضطرّاً أيضاً - بالنبل والأصالة والرفعة بعد التفاف أحرار الأمة حوله بينما يخوض معركة الدفاع عن الحق منذ الثامن من تشرين الأول/أكتوبر 2023، مؤلفاً من أفراد يفتقدون إلى النبل والأصالة والرفعة!
وكما أنني لم أنتظر، مثلما فعل آخرون، ارتقاء صانع الطوفان وقائد حماس الفذّ يحيى السنوار "مقبِلاً مشتبكاً"، كي أسحب كلاماً سابقاً عن خوضه الحرب بأبناء الناس واختبائه تحت الأرض مرةً، وعن عقده صفقة لضمان خروجه الآمن من القطاع مرةً.. ولم أنتظر قبلها شهادة رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية في طهران، وأبنائه داخل القطاع، كي أسحب كلاماً سابقاً عن عيشهم حياة الترف في عواصم العالم بينما أبناء جلدتهم يواجهون ويقتَلون!
فإنني، بين هذه وتلك، لم أنتظر ارتقاء شهيد المقاومة الأغلى والأسمى، السيد حسن نصر الله، كي أقرّ بمكانته كرمزٍ وزعيمٍ وإنسانٍ نادرٍ سينصفه التاريخ، بعد أن عاش ومات على الحق، واضحاً صريحاً شفافاً شجاعاً في زمن الزيف والتخاذل والنفاق، وأسحب كلاماً سابقاً عن تهوّره المزعوم تارةً وجبنه المزعوم طوراً!
أو عن مذهبيته المزعومة، أو تبعيته المزعومة، أو سعيه المزعوم للمكاسب السياسية الصغيرة تارةً أخرى.. ولم أنقل يوماً صورته الجميلة من مكانها الطبيعي على رأس قائمة أهداف العدو إلى رأس قائمةٍ مزيفةٍ لأعداء الشعب!