رحلة الخيبة إلى واشنطن: بايدن يذبح نتنياهو بالقطنة!

قبيل إلقاء نتنياهو كلمته أمام الكونغرس، وصلت إلى رئيس مجلس النواب الأميركي "مايك جونسون" رسالة من عدد من المسؤولين الإسرائيليين، أكدوا فيها أن نتنياهو يشكل "تهديداً وجودياً على إسرائيل".

  • هل انتهى مشوار حكومة اليمين الإسرائيلية؟
    هل انتهى مشوار حكومة اليمين الإسرائيلية؟

بعد أكثر من 200 صاروخ وطائرة مُسيّرة من اليمن على امتداد نحو عشرة أشهر، والتسبب بإقفال ميناء إيلات وتسريح المئات من عماله، وإلحاق خسائر بلغت قرابة 14 مليون دولار به، "استفاق" رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الذي يحب اعتبار نفسه "قبضاي" الشرق الأوسط، ليزعم بكثير من التشاوف أنه "ضرب" ميناء الحديدة في اليمن على بعد أكثر من  1700 كلم عن "تل أبيب".

مزاعم "إسرائيل" بقصف الحُديدة لها ما يبررها نظرياً بعد ضرب المسيّرة اليمنية "يافا" المركز الاقتصادي – المالي – التكنولوجي لـ"إسرائيل" وسط "تل أبيب"، لكن لا يؤكد شيء أن الضربة على المنشآت المدنية الإنتاجية في اليمن كانت عملاً إسرائيلياً، كما أشارت مزاعم الكيان، فالعملية بحد ذاتها تبدو خارجة عن منطق الأعمال العسكرية، فلماذا وبأيّ ضرورة  يجري تسخير عشرات الطائرات الحربية( من طرازي F-35 و F-15مع طائرتي صهريج، وربما أكثر، لتزويدها بالوقود جواً وهي تقطع مسافة 1700 كلم على الأقل (لمرتين ذهاباً وإياباً)، ولتتسبب بدمار كان يمكن أن تتسبب به قاذفة واحدة أو اثنتين على أبعد تقدير!

بل لماذا مهمة الطيران الشاقة والمحفوفة بالمخاطر، فيما كان يمكن تنفيذ ضربة موازية تدميرياً من دون طائرات، وبأدنى تكلفة ومشقّة، بصواريخ أرض-أرض (من طراز "أتاكمز" على سبيل المثال)، وذلك من إحدى القواعد الأميركية في جزيرة "ميون" اليمنية التي تحتلها القوات الأميركية والإماراتية، والواقعة على مرمى صاروخ قصير المدى من الحُديدة (12 كلم)؟

سؤال وجواب

هل يمكن افتراض غياب هذه الحقائق البديهية البسيطة عن ذهن الجهات التي خططت للعملية ونفذتها أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟

قبل الغرق في تساؤلات توسّع بيكار الاحتمالات والحيرة، يأتي الجواب بلا مشقة من موقع The War Zone  الأميركي المتخصص بالأخبار والتحليلات الدفاعية، فقد ذكر ما حرفيته أن "الضربة هي تذكير واضح بقدرات إسرائيل على تنفيذ ضربات بعيدة المدى، والتي تم صقلها من خلال عمليات حقيقية وممارسة مستمرة امتدت لعقود من الزمن لتنفيذ حملة جوية كبرى ضد "المصالح النووية الإيرانية".

وفي اليوم ذاته، قام موقع WDMMA الأميركي المتخصص في رصد القدرات الجوية عالمياً بإدراج "إسرائيل" بين أبرز 10 دول في العالم تفوقاً في القدرات الجوية، بـ581 طائرة حربية معظمها مقاتلات تفوّق جوي، وهذا كلّه ليس من قبيل المصادفة، بل يكمن فيه بيت القصيد.

المعنى هو الإعلان أن "إسرائيل لم تنهكها" حرب الأشهر التسعة، ولا أضرّ بها النقص على مستوى عديد الجيش، ولا افتقادها إلى ما تحتاجه من دبابات "ميركافا" ومصفحات "النمر"، فهي لا تزال القوة الأعظم في المنطقة، ولا تزال قدراتها العسكرية في أوجها، ولا سيما ما يتصل بتفوقها الأساسي في سلاح الطيران. وكل ما جرى ويجري، سواء في غزة أو خان يونس أو جنوب لبنان أو أم الرشراش أو إيلات وغيرها... لم يؤثر سلباً في موقعها كأقوى قوة قتالية في هذه الزاوية من العالم، وكل ما سوى ذلك مجرد شائعات...

حيلة نتنياهو

بهذه الصورة "الاحتيالية" المعبرة عن مزاعم القوة والاقتدار يريد بنيامين نتنياهو أن يطلّ على الأميركيين في زيارته الحالية التي تأتي في سياق متوتر بين البلدين الحليفين. وللتذكير، فهي الزيارة الأولى للبيت الأبيض منذ وصول الرئيس "جو بايدن" إلى سدة الحكم عام  2020، ما يؤشر إلى حقيقة العلاقة بين الرجلين. ومن هذا الموقع الذي يبنيه الإسرائيلي لنفسه، سيُطالب بإعطائه ما يحتاجه لإنهاء الحرب، أي المزيد من المال والسلاح والعتاد، لكونه يدافع عن الغرب...

يأتي ذلك في ذروة أزمة ضاغطة يعانيها الديمقراطيون في الولايات المتحدة وتدفعهم إلى الاستماتة في سبيل تحقيق شيء... أيّ شيء على المستوى السياسي، إذ يأتي نتنياهو في هذه اللحظة السياسية الحساسة ويصطاد في مائهم العكِر ويسوّق نفسه على أنه الشخص الوحيد القادر على تقديم طوف الإنقاذ للحزب المتخبّط في بحر الانتخابات الهائج. 

ولتقوية أوراقه التفاوضية مع خليفة بايدن المرشحة "كامالا هاريس"، يطلب الزائر الإسرائيلي موعداً للالتقاء بالمرشح الجمهوري دونالد ترامب، فيعلن الأخير عبر حسابه في منصة "تروث" إنه سيلتقي نتنياهو في منتجعه في بالم بيتش في ولاية فلوريدا.

الديمقراطيون غاضبون 

المرشحة الرئاسية المُعلنة للديمقراطيين "كامالا هاريس" قاطعت خطاب نتنياهو، كما كانت قد صرّحت مُسبقاً، ومثلها عدد كبير ومعبّر من أعضاء الكونغرس. بذلك، توسّع الإشكال مع تفاقم مشكلة التراتبية بشأن من يجلس في موقعها خلال المناسبة.

السيناتورة الديمقراطية "باتي موراي" رفضت الحضور وتمثيل "هاريس"، وكذلك فعل زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ "تشاك شومر".

بهذا الغياب، لم يحصل نتنياهو على الصورة التقليدية التي كان يطمح إليها، وبدا واضحاً تصميم الإدارة الحالية على "محاسبته". ولعل هذا ما دفعه إلى طلب اللقاء مع ترامب الذي لم يرفض فرصة التشويش على الديمقراطيين.

لكن الغضب الديمقراطي تواصل كاسحاً، فالنائب "جيري نادلر" من نيويورك اعتبر خطاب نتنياهو  "حيلة" لإنقاذ موقفه السياسي "اليائس في الداخل"، ووصفه بأنه "أسوأ زعيم في التاريخ اليهودي"، والعضو الديمقراطي في مجلس الشيوخ "كريس فان هولن" برر عدم حضوره الخطاب بأنه لا يريد أن يصبح "أداة سياسية لنتنياهو".

ومع "هولن"، قاطع العضوان الديمقراطيان في مجلس الشيوخ "جيف ميركلي" و"إليزابيث وارن" الخطاب. وفي نهاية المطاف، وقع الخيار على السيناتور الديمقراطي بنجامين كاردن الذي يترأس لجنة العلاقات الخارجية في الشيوخ، فهو سيتقاعد العام المقبل، ما يجعله أقل عرضة لغضب الناخبين الديمقراطيين المعارضين لإسرائيل، وهؤلاء فئة انتخابية هامة للحزب في الطريق إلى البيت الأبيض.

في هذا الوقت، وقبيل إلقاء نتنياهو كلمته أمام الكونغرس، وصلت إلى رئيس مجلس النواب الأميركي "مايك جونسون" رسالة من عدد من المسؤولين الإسرائيليين، أكدوا فيها أن نتنياهو يشكل "تهديداً وجودياً على إسرائيل".

كانت هذه الصفعة التي حملت بصمات "بايدن" مؤثرة للزائر الإسرائيلي. أما الصفعة الثانية، فما زال نتنياهو يتلقى تردداتها، فقد سبق له أن فعل المستحيل ليكسبه إلى جانبه، إنما من دون نتيجة، بل إن رئيس الحكومة الإسرائيلية أهانه أكثر من مرّة. لذا، لم يتردد بإطلاق رصاصة الانتقام في رأس غريمه من خلال شبه مقاطعة الديمقراطيين لزيارته وإغراقه بالألقاب المُهينة.

أما النتيجة المتوقعة من كل ذلك، فينبغي انتظارها، ليس من لقاء نتنياهو مع ترامب، بل من سلوك نتنياهو بعد عودته، ولا سيما على مستوى التهدئة في كلٍ من غزة وجنوب لبنان... كما يتطلّب "بايدن".

وإذا حدثت هذه التهدئة بالفعل، يكون مفعول نفخ عضلات "إسرائيل" وقصفها المزعوم لليمن قد انتهى. وأيضاً، ينتهي مشوار حكومة اليمين الإسرائيلية، ويكون بايدن قد "ذبح نتنياهو" بالقطنة.