جنوب أفريقيا تواجه "إسرائيل" وجهاً لوجه في لاهاي
لماذا فشل المجتمع الدولي ومؤسساته الدولية في وقف هذه الوحشية والإبادة الجماعية، ولماذا الولايات المتحدة استخدمت حقّ الفيتو لمنع قرار الأمم المتحدة الذي دعا إلى هدنة إنسانية في غزة؟
ما الذي انتظره العالم كي يتحرّك بشكلٍ جدّي وفعّال، والعدوان الأميركي – الإسرائيلي – الغربي على الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة يسجّل مئة يوم حتى الآن.
ألم يكتفِ حلف الإجرام باغتيال وقتل وإزهاق أرواح نحو 30 ألف فلسطيني جلّهم من النساء والأطفال والمدنيين، عبر عدوانٍ صارخ الهمجية يندى له جبين الإنسانية الصامتة، ومن يفكّرون بالإفلات من العقاب، ألم يرَ العالم كيف أصبح أهالي غزة بلا مأوى ومن دون طعام ودواء ومياه صالحة للاستهلاك البشري، ألا يعرفون أنه فصل الشتاء وكيف للبشر أن تبقى من دون مأوى ودفء ومدارس ومشافٍ وبنى تحتية.
لماذا فشل المجتمع الدولي ومؤسساته الدولية في وقف هذه الوحشية والإبادة الجماعية، ولماذا الولايات المتحدة استخدمت حقّ الفيتو لمنع قرار الأمم المتحدة الذي دعا إلى هدنة إنسانية في غزة؟
وحدها جنوب أفريقيا، الدولة التي انبرت وتولّت قضية الإبادة الجماعية التي ارتكبها ولا يزال يرتكبها قادة الكيان الإسرائيلي في غزة، على الرغم من أنها ليست دولةً عربية أو إسلامية، وطرقت أبواب محكمة العدل الدولية في 29 كانون الأول/ديسمبر 2023، لإدانة ومقاضاة الكيان الإسرائيلي نتيجة انتهاكه اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948، ولانتزاع حكم وقرار المحكمة بوقف عدوان القوات الإسرائيلية في قطاع غزة بشكلٍ فوري.
وعلى مدى يومي الـ 11 و12 من كانون الثاني/يناير، تفتح محكمة العدل الدولية أبوابها وجلساتها في لاهاي، من خلال أشهر مواجهة متوقّعة بين جنوب أفريقيا و"إسرائيل" التي تواجه تهم ارتكابها جرائم الإبادة الجماعية بحقّ الشعب الفلسطيني في غزة، وسط ادّعاءات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنّ قواته تتصرّف بـ "أخلاقية لا مثيل لها" في حملتها العسكرية داخل غزة.
وكانت جنوب أفريقيا قد قدّمت للمحكمة ملفاً قانونياً شاملاً يتألّف من 84 صفحة، بعد أن تمت صياغته بإحكام، حمل ما يكفي من الإثباتات على قيام حكومة الكيان والقوات الإسرائيلية بأفعال وممارساتٍ إجرامية "تحمل طابع الإبادة الجماعية للفلسطينيين في غزة"، وبحسب الفريق القانوني الممثّل لجنوب أفريقيا، فإنّ الملف متماسك وقويّ وجاهز للردّ على كل ما يمكن أن تتذرّع به "إسرائيل" لنفي أو تبرير أو تفنيد أفعالها بعيداً عما تتهم به، وبما يشمل قتل الفلسطينيين بشكل فردي وجماعي، وإلحاق الضرر الجسدي والنفسي بالمدنيّين، وممارسة الاضطهاد الجماعي والتجويع وحرمان الفلسطينيين من الخدمات الحيوية الأساسية، ناهيك عن التخطيط والتصريح العلني المسبق وقبل ارتكاب الأفعال الجرمية.
وعلى الرغم من كون "إسرائيل" ليست من الدول المشاركة في هذه المحكمة، لكنها قرّرت المثول أمامها باعتبارها من الأطراف الموقّعة على اتفاقية الإبادة الجماعية الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1948، وخشيتها في الوقت ذاته من صدور حكم غيابي بحقّها، وسط ثقتها بحلفائها الغربيين، بأنهم لن يقدّموا للمحكمة أيّ دعم يذكر، ووسط معارضة أميركية قوية لهذه القضية برمّتها، وتأكيد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي، بأنّها "بلا قيمة" و"لا أساس لها على الإطلاق"، ويبقى السؤال عن دعم باقي دول العالم، وتحديداً دعم الدول العربية والإسلامية ودول العالم الحرّ.
فقد أعلنت منظّمة التعاون الإسلامي والتي تضمّ 57 دولة عن دعمها ملف جنوب أفريقيا، كذلك فعلت فلسطين وسوريا والجزائر وبنغلاديش وباكستان والبرازيل وبوليفيا وكوبا وكولومبيا وفلسطين والعراق وإيران وتركيا وهندوراس والأردن ومصر وليبيا وناميبيا وماليزيا وغيرها... في حين تجاهلت بعض الدول العربية القيام بإجراءاتٍ واضحة وفاعلة لدعم ملف جنوب أفريقيا، ولوقف العدوان، في الوقت الذي التقى وصافح فيه ساستها الأيادي الإسرائيلية الملطّخة بدماء الفلسطينيين، تحت عناوين مختلفة.
لكن هذه الدول بدت عاجزة عن إقناع الشارع العربي بأنها معنية بمأساة القطاع والضفة الحالية، والقضية الفلسطينية برمّتها، على حساب التطبيع والعلاقات الثنائية مع العدو الإسرائيلي، وبقيت أعينها على مكاسبها ومشاريعها الاقتصادية المقبلة بالاشتراك والتعاون مع سلطات الكيان تحت عناوين سلام المتخاذلين، والتطبيع المجاني المشبوه، والازدهار الاقتصادي المشكوك فيه.
بات من المؤكّد أنّ الصمت الرسمي العربي ساهم بتشجيع العدو الإسرائيلي على التفكير بتوسيع العدوان، وقيامه بتنفيذ عملياتٍ عسكرية في سوريا ولبنان وتهديد العراق واليمن وإيران، كذلك ساعدها على تجاهل قرار الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار الذي أيّدته 150 دولة في العالم.
يدرك الفلسطينيون وكذلك المقاومة الفلسطينية مسبقاً بأنهم لن يكونوا وحدهم في ساحة المواجهة مع العدو الإسرائيلي اليوم كما في السابق وفي المعارك والحروب المقبلة، وأن عدداً من الدول العربية المقاومة المعروفة بتمسّكها بتحرير فلسطين والأراضي العربية كافة التي استباحها واحتلّها العدو الإسرائيلي، لم تتوقّف عن دعم المقاومة الفلسطينية، وبأنها لن تتخلَّ عنهم بقادتها وجيوشها الوطنية وحكوماتها وشعوبها، وكذلك أحزاب وحركات وفصائل المقاومة من اليمن مروراً بلبنان وسوريا ووصولاً إلى العراق، ولن يتوقّف الأمر عند هذا الحد، فجمهورية إيران كانت وستبقى على عهدها في دعم القضية الفلسطينية حتى التحرير الكامل، وبدعم محور المقاومة مجتمعاً.
قد لا يكون هناك قرار سريع حول تجريم "إسرائيل" وإدانة الكيان وقادته السياسيين والعسكريين بجريمة الإبادة الجماعية، لكن هي البداية لمسار كسر شوكة الكيان الغاصب وغطرسته، وإدانته بأفعاله ومحاسبته على جرائمه التي يرتكبها منذ عقود طويلة، ويبقى التعويل على إصدار قرارٍ فوري بوقف العدوان الهمجي على قطاع غزة والضفة الغربية، ووقفٍ كامل للمخططات الخبيثة، بدءاً من مخطط قناة بن غوريون، مروراً بالسيطرة ونهب احتياطيات الغاز في غزة، ناهيك عن مخططات التهجير والتسفير القسري لملايين الفلسطينيين، بالتأكيد هي مخططاتٌ لم تكن لتجرؤ حكومة العدو على التفكير بها لولا كونها مخططات مشتركة يقف وراءها مثلّث الشراكة المتوحّشة للولايات المتحدة و"إسرائيل" وغالبية العواصم الغربية، وللأسف بعض العواصم العربية أيضاً.