جرائم الإبادة في غزة تتواصل.. معركة الصمود والحياة

كل حسابات المخططات الاستراتيجية للصهاينة ورعاتهم سقطت في الماء بدخول محور المقاومة على خط الصراع، ونذكر هنا أساساً المقاومة اللبنانية والمقاومة اليمنية، على نحو قوّض الأمن وفرص العيش في شمالي فلسطين.

  • عن حرب الوجود التي تخوضها المقاومة في غزة.
    عن حرب الوجود التي تخوضها المقاومة في غزة.

مفاوضات متعاقبة بشأن اتفاق التهدئة، تتعثر مع كل إعلان بشأن قرب التوصل إلى اتفاق هدنة، بدعوى اصطدام المفاوضات بعقبات متعددة؟

مرة يتحدث بلينكن عن قبول نتنياهو شروط الاتفاق، ومرة أخرى يقول إن الرئيس بايدن سيعمل على إقناعه بقبول البنود. وتتتالى الأيام وجولات التفاوض، بينما يتواصل الإجرام الصهيوني في التقتيل والتدمير في لعبة تقاسم أدوار، المؤكَّد فيها أن المحتل وراعيه الأميركي لا يبحثان، من خلالها، عن اتفاق هدنة لوقف إطلاق النار وتبادل الاسرى، بقدر ما يسعيان لتغيير الواقع، على نحو يخدم مخططاتهما في تهجير أهل غزة إلى سيناء، وإقامة طريق التجارة الدولية الهند – أوروبا نقيضاً لطريق الحرير الصيني (مشروع يربط الهند بدول الخليج العربي، ويربط دول الخليج العربي بأوروبا، تُحْدث من خلاله "إسرائيل" ما يسمى معبر بن غوريون بديلاً من قناة السويس).

المشروع أميركي غربي يجري العمل على تنفيذه بأدوات تقتيل وتهجير صهيونية، وتمويل وأسلحة أميركية، أما المفاوضات المزعومة للبحث عن هدنة فهي في الحقيقة مجرد مساعٍ لإلهاء الرأي العام الدولي، والتغطية على المضي قدما في جرائم الإبادة، وجرائم الحرب التي تُرتكب كل يوم بدم بارد.

كل حسابات المخططات الاستراتيجية للصهاينة ورعاتهم سقطت في الماء بدخول محور المقاومة على خط الصراع، ونذكر هنا أساساً المقاومة اللبنانية والمقاومة اليمنية، على نحو قوّض الأمن وفرص العيش في شمالي فلسطين المحتلة، ودمّر أسس الملاحة البحرية لـ"دولة" الاحتلال، وأدى إلى موجة هجرة عكسية للصهاينة تناهز مليون شخص، من الذين سارعوا إلى مغادرة "دولة" الاحتلال منذ بداية طوفان الأقصى .

المشروع اصطدم أيضاً بموقف مصري صارم رافض لمخطط التهجير إلى سيناء، وبارتباك إسرائيلي جلي عند محور فيلادلفيا بعد أن أعلن سيطرة جيشه عليه، بحيث تتمسك مصر بانسحاب الجيش الإسرائيلي، بينما يعجز نتنياهو عن رفع سقف الخطاب مع مصر، أو المراهنة على تجاوز الاتفاق الموقع بين الطرفين ودخول مواجهة مع مصر، عبر جيش أخرجت المقاومة الفلسطينية الباسلة نصفه تقريباً عن الخدمة، ليبدأ ما يُسمى الضغوط الأميركية على نتنياهو لإقناعه بمراجعة موقفه بشأن محور فيلادلفيا، حتى لا يُعَدّ انسحابه منه لاحقاً ضعفاً أو ارتباكاً، بل ليكون إذعاناً للضغوط الأميركية.

اليوم، لم تَبُح معركة الطوفان بعدُ بأسرارها على رغم انقضاء نحو أحد عشر شهراً من الصمود، ولم تكشف المعركة بعدُ القدرات الحقيقية لدى محور المقاومة، الذي أثبت أنه أعدّ ما استطاع من قوة لمواجهة العدو وتكبيده خسائر تفوق سقف توقعاته، في معركة يبدو أن أمدها سيطول، غير أن الوضع الإنساني المؤلم في القطاع المحاصَر يستدعي نهضة حقيقية لكل القوى الإنسانية في العالم، رفضاً لما يجري من جرائم تهدد كل مظاهر الحياة، ومحاولة فرض تدخل إنساني ينقذ الأبرياء من مخاطر الموت الذي يتربص بهم.

اليوم، بعد استشهاد أكثر من 880 من الكوادر الصحية، وبعد أن أصبحت كل المستشفيات في وضع كارثي، يعمد الاحتلال إلى حصر أكثر من مليون وسبعمئة ألف من أهالي القطاع في عُشر مساحة القطاع فقط، ويغلق المنافذ عن توجيه المساعدات الغذائية والطبية، حتى إن التقارير الأممية باتت تتحدث عن إصابة أكثر من 70 ألف فلسطيني في القطاع بالتهاب الكبد الوبائي من جراء تلوث المياه والطعام، إلى جانب انتشار امراض العدوى الجلدية، بحيث تنزف أجسام الأطفال دماً وهم يعانون آلاماً حادة، في غياب المضادات الحيوية أو المراهم الخاصة.

زد على ذلك أن التقارير الطبية تُفيد بحاجة المصابين والمرضى في غزة إلى نحو نصف مليون عملية جراحية، غير أن أوضاع المستشفيات، التي أخرجتها قوات الاحتلال عن الخدمة، لا تسمح إلا بتقديم ما يساعد على تأجيل التدخل الجراحي، ريثما تتغير معطيات الميدان، لتصل الإمدادات الإنسانية والإغاثية من خارج القطاع.

تجاوزت جرائم الاحتلال أيضاً التقتيل الآني والتقتيل العاجل، إلى التقتيل الآجل، عبر استهداف المستقبل وكل مظاهر الحياة في القطاع، بحيث حذرت تقارير طبية من مخاطر عودة انتشار وباء شلل الأطفال، في ظل غياب اللقاحات اللازمة.

كما حذّر خبراء أيضاً من المخلفات الخطيرة لاستخدام سلاح الفوسوفور الأبيض على المياه والتربة والهواء، وهو ما من شأنه ان يتسبب لاحقاً بمخلّفات صحية متعددة تصيب الإنسان، كما قد يؤدي إلى نفوق الأسماك والطيور.

هي حرب وجود تخوضها المقاومة في القطاع، ومعها كل محور المقاومة، عبر عقيدة جهادية تتمسك بالدفاع عن الأرض والمقدسات، والحق في الحياة وتقرير المصير، وتحتاج في هذا التوقيت إلى تحرك إنساني دولي لإدانة جرائم الإبادة، والتشديد على ضرورة توجيه إمدادات إنسانية وإغاثية وطبية إلى قطاع منكوب قد يتحدد مصير الحياة فيه لكل شخص بين لحظة وأخرى، عبر جرعة دواء، أو شربة ماء.