جامعات عريقة تنفجر في وجه النخبة الإمبريالية
بعد انكشاف طبيعة ماكينة الكذب الصهيوني، بدأت حملة التضامن مع شعبنا ومقاومته تتصاعد، والأهم بدأت الجامعات، بما تعنيه من تمركز قطاعات شبابية مليونية، تشهد سلسلة من الفعاليات التضامنية.
نعم، هي جامعات النخبة الأميركية. جامعات نيويورك وهارفارد وكولومبيا وييل وستانفورد، هي ماكينات تفريخ النخبة المهنية التي تمتصها الدولة العميقة في أميركا، من الشركات العملاقة ومؤسسات الإعلام وأجهزة الاستخبارات السبعة عشرة، مروراً بوزارات الخارجية والدفاع والمالية والسلك الدبلوماسي، وصولاً إلى مكتب الرئيس الأميركي.
يعيد الرجل الأبيض عبر هذه الجامعات تشكيل نخبته الحاكمة في خدمة رأس المال، في علاقة توطدت منذ عقود وعقود ما بين رأس المال والأكاديميا، بحيث تخدم الثانية الأول وتنظِّره معرفياً.
ولا بأس، ضمن توليفة الليبرالية الجديدة، أن ينصهر في نظامها الأبيض مَنْ يعاني عقدة النقص تجاه العرق الأبيض المتفوق، والدونية العرقية، فيعقد العزم على أن يخدم الرجل الأبيض بإخلاص لافت للنظر، شأن أوباما وكولن باول، وليس أخيراً شأن رئيسة جامعة كولومبيا، المصرية الأصل، في تأكيد لمقولة فانون الشهيرة حول البشرة السوداء والقناع الأبيض، تماماً كبسكويت الأوريو Oreo.
لقد سبق لإدوارد سعيد في (الاستشراق) أن أشار إلى دور الأكاديمية الغربية ومراكزها البحثية في الاستشراق الغربي، كمعول أيديولوجي في خدمة الإمبريالية، وعند هذه الأطروحة بالذات يمكن تلمس العلاقة بين الأكاديميا والسلطة في العالم الرأسمالي، وبالتالي وضع علامة استفهام كبيرة حول مفاهيم من نوع (استقلالية المؤسسة التعليمية والحريات الأكاديمية).
المؤسسة الأكاديمية رهن سياسات المموّل الرأسمالي، وتنصاع للأيديولوجيا السائدة، فيما الجيوب الخارجة عن هذا النسق، تُقمع بلا هوادة، خاصة إذا تناول هذا الخروج بالنقد الرواية الصهيونية العنصرية، وأكد تعاطفه مع شعبنا ومقاومته وحقوقه.
ومنذ السابع من أكتوبر، وبعد بضعة أيام نجحت خلالها الدعاية الصهيونية والإمبريالية في تشويه صورة الفلسطيني، عبر وسائل الإعلام العالمية، التي تجندت لعملية سياسية موضوعة بطريقة افتقدت في أحيان كثيرة إلى الاحترافية، لتقديم تلك الصورة، نقول بعد ذلك، وبعد انكشاف طبيعة ماكينة الكذب الصهيوني والإمبريالي حول الأطفال المقطّعة رؤوسهم، والاغتصاب الجماعي، وتعليق جثث الأطفال على الحبال، بعد ذلك كله، بدأت حملة التضامن مع شعبنا ومقاومته تتصاعد، والأهم بدأت الجامعات، بما تعنيه من تمركز قطاعات شبابية مليونية، تشهد سلسلة من الفعاليات التضامنية يمكن اختصار مضمونها بجملة واحدة: اندحار الرواية الصهيونية الكاذبة وانتصار السردية والرواية الفلسطينية.
تحوّلت جامعات النخبة الأميركية، ومنذ أسبوع، إلى ساحات صراع بدأت شرارته بالخطوات الاحتجاجية لطلبة جامعة كولومبيا، الذين رفعوا شعار (من النهر إلى البحر/ فلسطين ستتحرر From the river to the sea Palestine will be free) فعدّته رئيسة الجامعة شعاراً معادياً للسامية، فاستدعت شرطة القمع لاقتحام الحرم الجامعي وتم اعتقال المئات من الأساتذة والطلبة وتدمير المخيم الاحتجاجي.
هذا الشعار يكاد يكون موحّداً للنشاط الاحتجاجي التضامني في مختلف الجامعات الأميركية وفي الشارع الأوروبي، ولذلك جن جنون الصهاينة والبيت الأبيض ورؤساء الجامعات الذين يعملون كخدم للمموّل الصهيوني، فاعتقلوا مئات الطلبة حتى الآن من جامعات النخبة، وفصلوا العديد من الطلبة، وحوّلوا التعليم من وجاهي إلى إلكتروني في خطوة لضرب تجمعات الطلبة وحركتهم، وطالت الاعتقالات والعقوبات الأساتذة المتضامنين مع حركة الطلبة.
الهدف من كل تلك الإجراءات هو ملاحقة الرأي الآخر الخارج عن (السيمفونية الكلاسيكية المملة) حول الهولوكوست واللاسامية. تعوّد الصهاينة لعقود استخدام جرائم النازيين لتبرير جرائمهم بحق شعبنا، فتحوّلوا من كونهم الضحية إلى الجلاد وسعوا للإبقاء على صورة الضحية رغم ذلك.
لم يعد هذا ينطلي على الرأي العام الشعبي الذي انفجر في وجه معزوفاتهم التافهة، فتصدت الشرطة وإجراءات الجامعة، والصحافة الصهيونية له، بما يشبه محاكم التفتيش، ولكن هذه المرة ليس في القرون الوسطى، بل برسم الديمقراطية الليبرالية التي لم تعد تحتمل أي عزف خارج معزوفتها.
لقد فهم الصهاينة والإمبرياليون حقيقة هذا الشعار. إنه يعيد طبيعة الصراع إلى حقيقته: شعب خاضع للاستعمار يسعى لنيل حريته وتحرير وطنه من استعمار كولونيالي استيطاني ترحيلي وإحلالي، وعليه فإن تلك الحرية وذلك التحرير لن يتحققا إلا على أنقاض الكيان الصهيوني ومشروعه الاستيطاني في فلسطين. شعار ينتصر للرواية الفلسطينية التاريخية ويدحر الرواية الصهيونية، وذلك لأول مرة في تاريخ الصراع، لذلك جن جنون الصهاينة والإمبرياليين الأميركيين.
ومَنْ يستمع إلى طريقة استجواب لجان الكونغرس الاستفزازية لرؤساء الجامعات يلحظ مظهرين بارزين، الأول تلك العدائية الفاشية تجاه كل صوت يؤيد حقوق شعبنا، كما العدائية تجاه حرية التعبير المفترضة داخل الحُرم الجامعية، تحت شعار التصدي للاسامية، والثاني ذلك الذل البائس الذي يظهر فيه رؤساء الجامعات أمام تلك اللجان، وهم يسعون جهدهم ليؤكدوا عبوديتهم للممول الصهيوني وانصياعهم لرأي لجان الاستجواب، في مظهر أقل ما يقال إنه نموذجي لحقيقة أولئك الرؤساء العبيد الذين يسارعون لتبرئة أنفسهم من أي تهمة تتعلق بتعاطفهم مع شعبنا وحقوقه، وحرية تعبير الطلبة عن مواقفهم. مظهر آخر من مظاهر محاكم التفتيش البائدة وقد استعادت حضورها على شرف الديمقراطية الليبرالية الأميركية.
كان من اللافت أن لافتة كبيرة للرفيق الراحل الشهيد وليد دقة زيّنت اعتصام طلبة كولومبيا، فكان الشاهد الشهيد، يلهم باستشهاده، وقبلها في حياته، حركة الطلبة المتضامنين مع شعبنا في جامعات النخبة، علماً أن هؤلاء الطلبة أصلاً هم أبناء النخبة، الذين لم تتغير قناعتهم بخصوص رؤية شعبنا وسرديته، إلا عبر نضال شعبنا ورموزه أمثال وليد دقة، وعبر المقاومة الباسلة في فلسطين التي حركت الرأي العام العالمي الشعبي، ومنه طلبة النخبة في جامعات النخبة. مرة أخرى تتأكد الحقيقة: المقاومة والصمود، والمقاومة والصمود فقط، هما الخيار الذي يغير القناعات في اتجاه التبني الكامل لرؤية شعبنا، ورفض الرواية الصهيونية العنصرية الفاشية.