انتصارات فلسطين تضع الغرب أمام امتحان
أبانت عملية طوفان الأقصى وتبعاتها المستمرة ضعف الكيان الذي أصابه شلل كبير وواضح في تعاطيه مع العملية النوعية التي حطمت أسطورة الجيش القوي.
رسمت انتصارات المقاومة الفلسطينية في غزة قواعد جديدة في الاشتباك الحربي، وغيرت مفاهيم وقواعد القتال في المدن إلى مستوى عالٍ من الاحترافية والشجاعة، وإن كانت الأسلحة غير متكافئة، إلا أن التفوق يتأكّد كل يوم بمعطيات موضوعية من خلال جاهزية المقاومة للتعامل مع مختلف التحديات الميدانية بتخطيط محكم وتنفيذ متقن ودقة في التصويبات حتى من مسافات لم يعهدها العالم في أقوى أفلام هوليوود التمثيلية.
كل ذلك كان جلياً للعيان من خلال ما تعرضه المقاومة في مواقع التواصل الاجتماعي ومختلف وسائل الإعلام بتوثيق وتصميم لا يقل تشويقاً عن أفلام الأوسكار، لكن بمحتوى واقعي وتضحيات حقيقيّة عنوانها البسالة والشجاعة والاستماتة في الدفاع عن قضية فلسطين والمقدسات التي لا يمكن التنازل عنها، لتكون الصدمة كبيرة لقوات الكيان وداعميه أمام قوة الحق الفلسطيني الذي لا يعلو عليه أحد، لإيمان أصحابه بقضيتهم التي لا يساومون فيها، ولتعود القضية الفلسطينية إلى الواجهة بكل قوة، ولتكسب تضامناً شعبياً كبيراً من مختلف المجتمعات، وخصوصاً المجتمعات الغربية التي أحرجت حكوماتها الداعمة للكيان، كما أحرج صمود غزة العالم بأسره بثبات شعبها وصبره الذي فاق كل تصور أو خيال؛ صبر وثبات عرى المفاهيم الغربية المزدوجة وفضح تناقض وضعف الهيئات الأممية، ناهيك بالمؤسسات العربية المنبطحة والمشلولة بالأساس.
رغم كل ذلك، لم يسلم شعب فلسطين في أرضه، ولم يقبل دون حقه. في مقابل ذلك، أبانت عملية طوفان الأقصى وتبعاتها المستمرة ضعف الكيان الذي أصابه شلل كبير وواضح في تعاطيه مع العملية النوعية التي حطمت أسطورة الجيش القوي ودمرت خرافة أجهزته الاستخبارية، وكأن الأمر كله مقرر له أن يضع النقاط على الحروف للجميع، وخصوصاً المستسلمين من دون قتال من العرب المطبعين أو المتخاذلين بلا مبرر، ما عدا مصالح تافهة مرهونة بخيانة القضيايا العادلة.
من جهة أخرى، صارت الأحداث كما لا تشتهي القوى المكابرة على الحقوق المهضومة في فلسطين وفي كل شبر من البلاد العربية، بالنظر إلى تحولات لن تبقي على توازنات الظلم والإجحاف، بالرغم من الفاتورة التي يدفع ثمنها أهل غزة من النساء والأطفال العزل الذين يُقصفون من آلة اعتادت الجرائم بلا رقيب ولا حسيب، لتصل إلى مستوى غير مسبوق من القتل الجماعي، والغرض دائماً إرهاب الفلسطينيين أولاً، وكل شعوب المنطقة ثانياً.
والرسالة واضحة أمام استمرار الإبادة الجماعية بأن لا صوت يعلو فوق صوت الظلم والتنكيل، ولا كلمة فوق كلمة النظام العالمي المتناقض مع ذاته وبين أقطابه بصراع تتزايد وتيرته وتتسارع في بقاع مختلفة وفي المحيطات وعلى أبوابها البحرية، فهل يصبر الغرب ومعاونوه على عثرات التجارة العالمية في مضيق باب المندب مثلاً؟
وهل تكون الضغوط الدولية لمصلحة إنهاء العدوان المستمر على المدنيين في غزة التي سجلت أرقاماً غير مسبوقة في الإبادة الجماعية، وخصوصاً من الأطفال والنساء؟ وهل يُحاسب مجرمو الكيان على جرائم حربهم، وخصوصاً أن الدليل لا يحتاج إلى بحث أو تحقيق، فأعداد القتلى من المدنيين بالآلاف وكمية القنابل التي تفتك بأهل غزة كانت أكبر من التي ألقيت على دول المحور في الحرب العالمية الثانية.
أما حجم مفعولها التفجيري، فيمكن مقارنته بالقنبلتين النوويتين نكازاكي وهيروشيما اللتين فجرتهما الولايات المتحدة الأميركية في اليابان في أعقاب نهاية الحرب العالمية الثانية، ويتجلى الدمار الذي لحق بغزة وشعبها فيما تعرضه القنوات ومواقع التواصل الاجتماعي، إذ دُمرت أغلب المنشآت المدنية والبنى التحتية!
كما لم تسلم المستشفيات والمدارس التي صارت أهدافاً معلنة لآلة الغدر الظالمة في عالم لم يصل بعد إلى توازن أخلاقي وإنساني يمكنه من ممارسة مفاهيم العدل وإحقاق نظرة تضمن مساواة بين مختلف مجتمعاته، بل المخجل أن غالبية دول العالم عبرت عن رفضها للظلم والعدوان ولكل الجرائم المستمرة التي يمارسها الكيان الغاصب الظالم، لكن دون جدوى، وهي تحاول عبر مؤسساته الدولية على غرار الجمعية العامة للأمم المتحدة.
أما مجلس الأمن الذي يعتبر الهيئة المخولة بالحفاظ على السلام والأمن الدوليين وفقاً لمبادئ الأمم المتحدة ومقاصدها، انطلاقاً من التحقيق في أي نزاع أو حالة قد تفضي إلى خلاف دولي، وتقديم توصيات بشأن تسوية تلك المنازعات أو بشأن شروط التسوية، وكذلك وضع خطط لإنشاء نظام لتنظيم التسلح؛ فبالنظر إلى كل هذه الصلاحيات، هل تمكن هذا المجلس من ممارسة واجباته الضامنة لحق الشعب الفسطيني في إطار القوانين والمواثيق والقرارات الدولية أم أن الفيتو الأميركي، وككل مرة، سيحول دون حق الشعب الفلسطيني في الحرية وتمكينه من دولة ذات سيادة كاملة على أراضيها التاريخية؟