انتخاب الرئيس الأميركي المحارب.. أجندة بريطانية

يبدو أن بريطانيا تعمل كعادتها لخدمة المصالح الصهيونية الحالية والمستقبلية، وتسعى للفوز مجدداً بمقعد القيادة الخفية من خلف الستار الأميركي؟

  • لا يقل اهتمام البريطانيين بالانتخابات الأميركية عن اهتمام الأميركيين أنفسهم.
    لا يقل اهتمام البريطانيين بالانتخابات الأميركية عن اهتمام الأميركيين أنفسهم.

دلا يخفى على متتبّعي التاريخ البريطاني معرفة أن الأموال اليهودية والنفوذ الخفي للحركة الصهيونية، كانا وراء تحويل بريطانيا إلى الإمبراطورية التي "لا تغرب فيها الشمس أبداً"، وهي التي أمسكت بدفة قيادة العالم لعقود طويلة، لكن الخسائر البشرية والمالية الفادحة التي تكبّدتها في الحرب العالمية الأولى، نالت الشيء الكثير من وضعها كقوة عالمية أولى، فتآكل نفوذها وفقدت مقعد القيادة المباشرة، لكنها لم تتوقف عن نسج المخططات والمؤامرات في ظل القيادة الأميركية الجديدة.

ومع ذلك، فقد أتقنت منذ خمسينيات القرن الماضي لعب دور "الشريك الأصغر" للولايات المتحدة، وتبنت مواقفها السياسية وحروب "الناتو"، وبررت تحركاتها العسكرية الاحتلالية التوسعية واستمرت بحياكة المؤامرات الجيوسياسية، وراء الستار الأميركي، مستفيدةً من عملائها وأدواتها والتنظيمات الإرهابية التي صنعتها بيدها، وكذلك عبر دقة اختيارها أشرس مندوبيها في القاعات الأممية لانتزاع قراراتٍ أممية تساهم في تمرير المشروع الصهيو- أميركي الذي تستمر بتحقيق مصالحها عبره، وحرصت في زمن تفرد الولايات المتحدة في قيادة العالم، على استعمال نسخ مهترئة لرئاسة حكومتها، كـ بوريس جونسن وليز تروس وريشي سوناك ككباش فداء لإخفاء الوجه الحقيقي للمملكة، ولإظهار تفوّقها على نظيراتها في باريس وروما ومدريد وبرلين، من خلال محاولاتها الدؤوبة للاستحواذ على المشهد العسكري والسياسي والإعلامي في حرب الوكالة الأميركية - الغربية على روسيا عبر البوابة الأوكرانية.

وكذلك دعمت المواقف الأميركية – الإسرائيلية لمتابعة المؤامرة على القضية الفلسطينية، والعدوان وحرب الإبادة الجماعية، وتدمير قطاع غزة، بهدف تمرير مخطط تسفير أهالي غزة نحو سيناء، وما يخفي هذا المخطط من نيّات خبيثة تطال مصر بدرجة لا تقل خطورة عن مخطط تصفية القضية الفلسطينية، والقضاء على المقاومة من فلسطين إلى لبنان وسوريا والعراق واليمن، وصولاً إلى محاصرة إيران، ونسف المصالح والنفوذ الروسي والصيني في منطقة الشرق الأوسط وغيرها.

وعلى الرغم من القيادة الأميركية للحرب في أوكرانيا، ومشاركة "الناتو" والاتحاد الأوروبي وقوات النظام الأوكراني الراديكالي، فإن وزيرة الخارجية البريطانية ليز تروس - في حينها، كانت أول من أطلق المواقف العدائية ضد روسيا في 26 شباط /فبراير بقولها: "لن تهدأ بريطانيا حتى تدمر الاقتصاد الروسي، وتتم استعادة سيادة أراضي أوكرانيا ووحدتها"، على الرغم من أن القدرات العسكرية والمالية والاقتصادية البريطانية لا تسمح لها باعتلاء شجرة كهذه، وتابع من بعدها بوريس جونسون بمواقف لا تقل جنوناً، وانتهى به الحال أن ارتدى البزة العسكرية وذهب إلى جبهات القتال الأوكرانية، أما سوناك وعلى ما يبدو أنه وجد على طاولته كرّاس جونسون، فتابع الخطة من دون أن يكلف نفسه عناء التفكير.

تحمّل البريطانيون نتائج التصرفات الرعناء لرؤساء حكوماتهم المتعاقبة، وأصابهم البرد والجوع ونال غلاء الأسعار والبطالة منهم، من جراء استمرار الانخراط البريطاني والأميركي في الحرب على روسيا، بما يؤكد مصلحة بريطانيا في جر الولايات المتحدة نحو المزيد من الحروب في أوروبا، ودعم تحالفها في البحر الأحمر، واستمرار الحروب والمخططات البريطانية في الشرق الأوسط وغير مكان...

تبدو بريطانيا على عجلة من أمرها في بحثها عن نصرٍ سريع على روسيا وإطاحة الرئيس بوتين، وأبدت انزعاجها من بايدن الذي وعد زيلينسكي العام الماضي بالوقوف إلى جانب أوكرانيا "مهما طال الأمر"، ومن تخفيض قيمة المساعدات الأميركية، والتهديد بقطعها أحياناً، وتنظر إلى هذه المواقف على أنها استهلاك وإضاعة للوقت، وهي التي تتوق إلى هزيمة روسيا.

بات من الواضح أن مصالح بريطانيا تكمن في زعزعة الاستقرار وباستمرار التصعيد العسكري والسياسي حول العالم، وأنها لا تزال تعوّل على جر الولايات المتحدة إلى مواجهة مباشرة مع روسيا، وتسعى عبر مواقفها ووسائل إعلامها التأثير في الشعب الأميركي، وإخافته من التسويات التي ستسمح لأعداء واشنطن بتحقيق الانتصار سواء في أوكرانيا وتايوان، أو في غير ساحات، ويروّجون لاحتمالية اندلاع حرب عالمية ثالثة، ويتحدثون عن العواقب الوخيمة على الشعب الأميركي.

لا يقل اهتمام البريطانيين بالانتخابات الأميركية عن اهتمام الأميركيين أنفسهم، ويسابقون الزمن مع اقترابها أكثر فأكثر، ويطرح السؤال نفسه، هل حسمت الدولة البريطانية أمرها تجاه دعم الرئيس الجمهوري أو الديمقراطي القادم، سواء كان بايدن أو كاميلا هاريس أو سواهما، أو دونالد ترامب أو نيكي هيلي أو سواهما، وهل تشعر بقدرتها على السيطرة على البازار الأميركي من داخله وعبر صناديق الاقتراع، أم عبر استمرار حاجتها إلى الحروب وإلى رئيسٍ أميركي محارب، يرفض حل الدولتين في فلسطين، ويُنهي المقاومة والقضية الفلسطينية، ويمضي قدماً في المخططات الخبيثة تجاه مصر وسيناء وقناة السويس ومشروع قناة بن غوريون والبحر الأحمر، ومثلها في النقب والجولان السوري المحتل والجنوب اللبناني، وعشرات المخططات التي أسقطت أقنعتها عملية "طوفان الأقصى"، وفضحت الأهداف الصهيونية في النيل من المصالح العربية والنفوذ الإيراني والتركي والروسي والصيني في المنطقة.

وفي كل الأحوال، يبدو أن بريطانيا تعمل كعادتها لخدمة المصالح الصهيونية الحالية والمستقبلية، وتسعى للفوز مجدداً بمقعد القيادة الخفية من خلف الستار الأميركي، وبحفاظها على "الإمبراطورية البريطانية" من خلال استمرار نظام الملكية الدستورية، الذي كان وسيبقى قراراً صهيونياً بامتياز.