القضية الفلسطينية.. بندقية دعمها حافظ الأسد ويحميها بشار الأسد
راية المقاومة حملها الرئيس الدكتور بشار الأسد الذي رفض المساومة عليها، وبقي مصراً على دعمها لأنه على يقين بأن الشعب الفلسطيني تمثله البندقية التي دعمها حافظ الأسد، ويحميها الآن بشار الأسد.
القضية الفلسطينية هي محور اهتمام القيادة السورية ومتابعتها، فمنذ أن وصل الرئيس بشار الأسد إلى الحكم عام 2000 حتى اليوم لم تغبِ القضية عن أي خطاب أو مقابلة له حتى في فترة الحرب على سوريا، إذ تعدّ القضية الفلسطينية ركيزة أساسية للدولة السورية.
وفي أول لقاء أجراه الرئيس الأسد في العام الحالي قبل بضعة أيام، كانت فلسطين وعملية طوفان الأقصى أول شيء تناوله فيها، وكان اللافت أنه لم يرمِ التهمة على المقاومة الفلسطينية، ولم يقُل إنها السبب فيما يجري في غزة، بل بخلاف ذلك وقف وقفة قائد ودافع عن طوفان الأقصى وحق الفلسطينيين في النضال المشروع ضد هذا الكيان المغتصب، والذي يسمى زوراً "إسرائيل"، والنبي إسرائيل بريء منه كبراءة الذئب من دم ابن يعقوب.
فبعد ما يزيد على 13 عاماً من الحرب على سوريا، لم يغير الرئيس الأسد موقفه ويحاول في بعض التصريحات السياسية كسب ود الغرب، بل، بخلاف ذلك، أكد أن ما حدث هو نضال فلسطيني مشروع في مواجهة كيان مغتصب محتل. فبمثل هذه المواقف يخرج الرجال إلى ساحة المواجهة، وأنصاف الرجال إلى دهاليز السياسة ليبرروا عمالتهم.
فلسطين هي قدر الساحل السوري، فقد خرج من أرضه أهم رجلين رفعا راية فلسطين عالياً، وأشعلا نار المقاومة فيها. الأول هو عز الدين القسام، والثاني هو القائد المؤسس حافظ الأسد، وما بين جبلة والقرداحة صُنع تاريخ بطولات سورية مشرّفة مع فلسطين.
ففي عام 1930، العام الذي بدأت فيه كتائب القسام أولى عمليات المقاومة الحقيقية والنوعية في مواجهة العصابات الصهيونية في فلسطين، وُلد القائد المؤسس حافظ الأسد، وكانت للرئيس الأسد رؤيته المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وهي أن المقاومة المسلّحة خير سبيل لتحرير الأرض، هذا أولاً.
ثانياً، إن المقاومة الفلسطينية يجب ألا تكون جزءاً من الأزمات العربية، أي أنها شيء سامٍ بعيدٌ البعد كله من الأزمات العربية التي ستُحلُّ فيما بعد، لكن تدخّل الفلسطينيين بها سيعقّد قضيتهم أكثر، ويحرف بوصلة المقاومة عن القضية السامية المتمثلة بتحرير الأرض من الاحتلال الإسرائيلي.
منذ أن كان الرئيس الأسد وزيراً للدفاع، كان همه الأول دعم المقاومين الفلسطينيين. لذلك، فُتحتِ الثكن العسكرية السورية لهم، وتخرّجت فيها قيادات مهمة في المقاومة، مثل أحمد جبريل، قائد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة.
وبعد أن وصل الرئيس حافظ الأسد إلى الحكم في عام 1971، بات دعم المقاومة الفلسطينية أكبر، وسلّمت القيادة السورية صلاح خلف الذي يُعرف باسم أبي إياد معسكراً في منطقة الهامة في ريف دمشق، من أجل تدريب الفدائيين الفلسطينيين عند خروجهم من الأردن بعد أزمة أيلول الأسود.
رؤية الرئيس الأسد للمقاومة الفلسطينية، وهي تحرير الأراضي المحتلة من دون أن تتدخل في الأزمات العربية أو تخلق أزمات فيها، اصطدمت بمحاولات بعض القيادات الفلسطينية، التي كانت تسعى للهيمنة على الدول العربية الصغيرة أو الضعيفة نوعاً ما، لأن الرئيس الأسد كان يرى أن الصدام في لبنان بين الفلسطينيين واللبنانيين سيخلق أزمة عربية كبيرة قد يصعب حلها، وخصوصاً أن لبنان بلد متنوع الطوائف والأديان والأفكار القومية. لذلك، إن أي صدام فيه سيخلق حرباً أهلية، وهذا ما حدث في النهاية، وكان التدخل السوري في لبنان شرعياً بعد أن دعته الرئاسات الثلاث في لبنان، وهدفه الأول المحافظة على وحدة البلد ونسيجه الوطني.
ثانياً، المحافظة على المقاومة الفلسطينية الخالصة والتي تهدف إلى مواجهة الاحتلال الإسرائيلي فقط. وعلى الرغم من ارتكاب بعض الأجنحة الفلسطينية مجازر بحق الجيش السوري في لبنان، فإن السوري واصل دعم المقاومة، وفتح لها المعسكرات ومراكز التدريب ومستودعات الأسلحة في البقاع والجنوب اللبنانيين.
في أوائل الثمانينيات، خرجت حركات مقاومة فلسطينية بعيدة عن فتح، وكانت دمشق حاضنتها الأولى، مثل حركة الجهاد الإسلامي، فمنذ اللحظة الأولى لولادة هذه الحركة، فتحت سوريا حافظ الأسد ذراعيها ومعسكراتها لها، وهذا شكّل نقلة نوعية في أسلوب الكفاح المسلّح الفلسطيني وفكره، فمن يتّهم سوريا حافظ الأسد أنها ضد الحركات الدينية، يُلجَم، إذ إن حركة الجهاد هي أول حركة دينية فلسطينية رفعت راية الجهاد في وجه الاحتلال الإسرائيلي، والرئيس حافظ الأسد يرى أن المقاومة سواء كانت إسلامية أم ماركسية أم قومية، لا فرق بينها إن كان هدفها الأول هو تحرير الأراضي الفلسطينية من الاحتلال الإسرائيلي.
على سبيل المثال، إن الجبهة الشعبية القيادة العامة وفتح الانتفاضة هما حركتان علمانيتان ودمشق تدعمهما، والجهاد هي حركة دينية مقاومة ودمشق تدعمها، فلا فرق بين الحركات إن كان هدفها تحرير الأرض والابتعاد عن المشاريع الأخرى التي تحرف بوصلة المقاومة.
وفي العام 1987، وُلدت حركة حماس التي حملت في بداية الأمر راية المقاومة فقط، واتخذت نهج حركة الجهاد نفسه، وطلبت من دمشق الدعم.
وكعادتها، فتحت سوريا حافظ الأسد ذراعيها للحركة الجديدة أيضاً، وقدمت لها ما قدمته لشقيقتها الجهاد، إضافةً إلى المساكن الآمنة لقيادات الحركات الفلسطينية وعائلاتهم، والأموال اللازمة من أجل المقاومين في الحركات.
كانت معامل الدفاع السورية مفتوحة أمام المقاومة اللبنانية للحصول على الأسلحة لمواجهة الاحتلال، بالإضافة إلى التدريب في ثكن الجيش السوري.
وانتصر الرئيس حافظ الأسد على الاحتلال الإسرائيلي، سواء في الحرب المباشرة أم في دعم المقاومة عدة مرات، ولم يسلم روحه إلى بارئها حتى رأى انتصار المقاومة اللبنانية في جنوبي لبنان، وانسحاب الاحتلال الإسرائيلي مكسوراً منهزماً.
بعد هذا الانتصار بستة عشر يوماً فقط، وفي العاشر من حزيران/يونيو 2000، انتقل الرئيس حافظ الأسد إلى الرفيق الأعلى، بعد أن أوجد مقاومة فلسطينية وأخرى لبنانية، هي إلى الآن خنجر في قلب الاحتلال، وتواصل الانتصار عليه وتكسره عند كل مواجهة.
راية المقاومة حملها الرئيس الدكتور بشار الأسد الذي رفض المساومة عليها، وبقي مصراً على دعمها لأنه على يقين بأن الشعب الفلسطيني تمثله البندقية التي دعمها حافظ الأسد، ويحميها الآن بشار الأسد.