العراق.. نموج للمقاومة والثبات

في سياق الحصار الاقتصادي بدأت الولايات المتحدة مشروعها من خلال فرض قيود على الشركات الأجنبية ومنعها من دخول السوق العراقية أو الاستثمار في مجال الطاقة وخصوصاً قطاع الكهرباء

  • النموذج العراقي المقاوم
    النموذج العراقي المقاوم

يعتبر النموذج العراقي في المقاومة والسعي نحو بناء الدولة ذات المؤسسات، نموذجاً يستحق الدراسة بشكل معمّق في مجال الدراسات السياسية والسياسات العامة. فعلى الرغم من ترويج بلادنا العربية كأمثلة واضحة تدل على عرقلة التنمية والإصرار على تصنيفنا كعالم ثالث، إلا أن النموذج العراقي يُثبت بشكل واضح ولا لبس فيه بأنّ الشعب العراقي وعلى مدار أكثر من 40 عاماً أثبت قدرته على التماسك ومواجهة كل المؤامرات والمخططات التي استهدفت وتستهدف كيانه واستقلاله.

إذا ما أردنا أن نعود بالذاكرة التاريخية قليلاً إلى الوراء، علينا أن نشير إلى الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت قرابة 8 سنوات. سعت الأطراف الغربية إلى تأجيج الصراع بين هاتين الدولتين وعملت على إطالة أمد النزاع، وبعد ذلك قامت الولايات المتحدة بفرض حصار خانق على العراق بعد حرب الكويت. وجدت الولايات المتحدة الفرصة مناسبة لاحتلال العراق في العام 2003، بعد إنهاك الشعب العراقي وتجويعه على مدار أكثر من 13 عاماً. 

وفي أول خطوة نحو تثبيت الاحتلال قامت الولايات المتحدة بحل الجيش العراقي ظناً منها بأن ذلك سوف يسهّل عملية الاحتلال والبقاء هناك، ولكنها فوجئت بحجم المقاومة الشعبية لهذا الاحتلال وهي التي كانت تظن بأنّ الشعب العراقي فقد روح المقاومة وفقد الحس الوطني بالدفاع عن الأرض بعد عملية الحصار التي فُرضت عليه.

بعد ذلك اتجه المحتل نحو تأجيج الصراع الطائفي في العراق من خلال الفتنة السنية الشيعية. وبعد سنوات دامية قتلت فيها الولايات المتحدة الآلاف من أبناء الطائفتين لتأجيج الصراع، عاد العراقيون إلى المربع الأول في المقاومة للاحتلال وطرده من الأراضي العراقية. ومن ثم جاء مشروع الجماعات الإرهابية التي تتخصص الولايات المتحدة في دعمها وتشكيلها وتنظيمها. وبعد احتلال أجزاء كبيرة من الأراضي العراقية والأراضي السورية، قدّم أبناء العراق وإيران وسوريا أرواحهم في سبيل تحرير الأرض وعودة السيادة العراقية والسورية إلى أراضيهم. 

جاءت هذه المقدمة كمنصة لتوضيح الفشل المتكرّر للولايات المتحدة على الأراضي العراقية والعربية بشكل عام، كما أنها تقدّم مثالاً واضحاً عن حجم المشروع المزمع تنفيذه على الأراضي العراقية وضرورة التصدي له وإفشاله. ها هي الولايات المتحدة تعود مرة أخرى لتنفيذ مشروع متعدّد الأوجه يبدأ من خلال عملية حصار اقتصادي ورقابي على التعاملات التجارية العراقية ولا ينتهي بوضع العراقيل أمام العلاقات الخارجية العراقية مع دول الجوار.

في سياق الحصار الاقتصادي بدأت الولايات المتحدة مشروعها من خلال فرض قيود على الشركات الأجنبية ومنعها من دخول السوق العراقية أو الاستثمار في مجال الطاقة وخصوصاً قطاع الكهرباء وأبرز هذه الأمثلة هي منع شركة سيمنز الألمانية من الحصول على مشاريع توليد الطاقة الكهربائية في العراق، وذلك للاستمرار في تمويل الشركات الأميركية التي فشلت (بشكل متعمّد) في تأمين الكهرباء للعراقيين. 

وللإضرار بالعلاقات التجارية والاقتصادية مع دول الجوار ها هي الولايات المتحدة تفرض رقابة كاملة على التحويلات البنكية بين العراق وإيران. حيث منعت الولايات المتحدة أربعة بنوك عراقية من التعامل مع إيران، كما أنها فرضت على جميع من يرغب بتحويل أموال إلى إيران بغية استيراد مواد غذائية أو صناعية أن تمر هذه التبادلات عبر الخزانة الأميركية التي ترفض أي انتقال لهذه الأموال، وهذا سيؤثر بشكل مباشر على حجم الواردات العراقية من السوق الإيرانية وسوف يؤدي بشكل مباشر إلى ارتفاع شديد في الأسعار وارتفاع تكلفة الواردات من الدول الأخرى ومن ثم تعود مشكلة انهيار الدينار العراقي إلى الواجهة مرة أخرى.

في سياق موازٍ، تحاول الولايات المتحدة دفع العلاقات العراقية الأردنية إلى مزيد من التوتر من خلال ملف تهريب المخدرات. والسؤال هنا ألا يتم تهريب المخدرات إلى الأردن عبر المنطقة الحدودية التي تستقر فيها قوات الولايات المتحدة؟؟ لتقييم الموقف علينا الإشارة بشكل واضح إلى التوضيحات التي قدّمتها القيادات العراقية السياسية البارزة إلى الأردن متمثّلة بقيس الخزعلي وهادي العامري ورئيس الوزراء العراقي السيد السوداني ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي.

أخيراً عليّ الإشارة إلى أن كل ما تقوم وتخطط له الولايات المتحدة هو محاولة لتثبيت وجودها في العراق ونهب ثرواته، ومن ثم دفع العلاقات مع دول الجوار نحو مستوى آخر من التأزم، وكل هذا يدخل في إطار انتهاك السيادة العراقية ويحتاج إلى ردّ فوري وصريح من الشخصيات والقادة السياسيين في العراق والشعب العراقي كذلك.